وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تيارات فلسطينيي 48 السياسية والانتخابات الإسرائيلية

تيارات فلسطينيي 48 السياسية المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية تحمل مقاربات مختلفة حول رؤيتها لطبيعة إسرائيل وما يمكن تحقيقه في الكنيست للعرب الفلسطينيين.

تيارات فلسطينيي 48 السياسية
صورة تم التقاطها يوم 1 نوفمبر 2022 لأيمن عودة، رئيس الجبهة العربية للتغيير أثناء وصوله لإلقاء كلمة على المناصرين في مدينة شفا عمرو بعد إغلاق مراكز الاقتراع الخاصة بالانتخابات الإسرائيلية. المصدر: AHMAD GHARABLI / AFP.

ماجد كيالي

يشارك القطاع الأوسع من فلسطينيي 48 في انتخابات الكنيست الإسرائيلي عبر تيارات سياسية تمثلهم. ومع ذلك، يقاطع بعضهم الانتخابات الإسرائيلية لأسباب سياسية. ويشعر هؤلاء بانعدام جدوى تلك المشاركة، على اعتبار أن إسرائيل دولة لليهود يحظى فيها الفلسطينيون بمكانة متدنية. ويستند هؤلاء في مقاربتهم تلك على القانون الذي أصدره الكنيست عام 2018 ونص على أن إسرائيل هي الدولة القومية لليهود. وبموجب هذا القانون، يحقّ لليهود وحدهم تقرير مصير إسرائيل وخياراتها، كأن يتم اعتبار الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، وافدين أو مقيمين طارئين في تلك الدولة!

تيارات فلسطينيي 48 السياسية المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية تحمل مقاربات مختلفة حول رؤيتها لطبيعة إسرائيل وما يمكن تحقيقه في الكنيست للعرب الفلسطينيين. كما تتباين تصورات هذه التيارات لذاتها وللشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. ووصل هذا الخلاف إلى حد فض التوافق على المشاركة في الانتخابات ضمن قائمة مشتركة تجمع كل تلك الكيانات. وكان لهذا التوافق أن يعزز القوة التصويتية للفلسطينيين، ويتيح لهم حيازة أكبر عدد من المقاعد، وأخذ مكانة مهمة في الميدان السياسي في إسرائيل.

ثمة ثلاثة تيارات أو كيانات سياسية تشارك في العملية الانتخابية الإسرائيلية سعياً لاستثمار الهامش الديمقراطي المتاح. ويحمل كلّ كيان وجهات نظر سياسية مختلفة حول استثمار هذا الهامش.

التيار الأول هو الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة “حداش” ويترأسها أيمن عودة. وكانت الجبهة تحالفت مع القائمة العربيّة للتغيير برئاسة أحمد الطيبي. وتعتبر الجبهة، التي يقودها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التيار المركزي والتاريخي في الحركة السياسية لفلسطينيي الـ48. ومن قياداتها القديمة شعراءٌ وأدباءٌ ومفكرون مثل توفيق زياد وإميل حبيبي وإميل توما وتوفيق طيبي، وبعدهم محمد بركة.

وتأسس هذا التيار على الاعتراف بإسرائيل والتعامل معها في إطار المواطنة وتعزيز المشاركة السياسية. ويسعى بذلك للتأثير في إسرائيل من الداخل على مستوى الحقوق المدنية والوطنية، وفقاً لما يتيحه النظام السياسي الإسرائيلي. وتقرن الجبهة بين المواطنة في إسرائيل ورفض احتلال (1967) والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة، كأساس للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أما الحركة العربية للتغيير، فتتمحور حول شخص أحمد الطيبي، وتتقاطع الحركة في السياسة مع الجبهة؛ علماً بأن الحركة تحظى بدعم القيادة الفلسطينية الرسمية.

وفي المحصلة، صوّت حوالي 179 ألف شخص لهذه القائمة في الانتخابات الأخيرة، لتحصل بذلك على خمسة مقاعد في الكنيست. وكانت القائمة حصلت على حوالي 193 ألف صوت في انتخابات الكنيست الـ 21، ما يعني أنها خسرت كثيراً من الأصوات في الانتخابات الأخيرة.

التيار الثاني هو التجمُّع الوطنيّ الديمقراطيّ برئاسة سامي أبو شحادة. وتأسس التجمّع أواسط تسعينات القرن الماضي، بمبادرة من عدد من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين مثل عزمي بشارة وبعض نشطاء حركة أبناء البلد. ويناهض هذا التيار طابع إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية. كما ينظر لفلسطينيي الـ48 كجزء من الشعب الفلسطيني. ويختلف التجمّع عن غيره من الكيانات السياسية الفلسطينية الموجودة في إسرائيل باعتباره لنفسه جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية.

ويقارب التجمع في أطروحاته تحويل إسرائيل إلى دولة لمواطنيها، بنزع طابعها الصهيوني، كدولة كولونيالية وكنظام أبارتهايد. ويعتبر التجمّع الكنيست منصة للصراع مع السياسات الإسرائيلية، وليست بديلاً من النضال الشعبي.

ورغم حصوله على قرابة 140 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، إلا أنّ التجمّع لم يتمكن من تجاوز نسبة الحسم التي تسمح له بدخول الكنيست وهي 3.25٪ من الأصوات الصحيحة. وسبق للتجمّع أن تعرّض لحملة إسرائيلية مركزة تهدف لإضعافه وحرمانه من المشاركة في الانتخابات. كما شنّت التيارات الفلسطينية الأخرى الموجودة داخل إسرائيل حملة منافسة لعزل التجمّع بسبب مواقفه. ويشمل ذلك إخراجه من القائمة المشتركة بطريقة تعسفية.

وقد يكون يعود السبب في ذلك القرار إلى رغبة القائمة بالتخلص من الإحراج الذي قد يفرضه التجمّع عليها عندما يحين وقت تسمية رئيس الحكومة الإسرائيلية بين التيارات الإسرائيلية المتصارعة. وسبق للتجمّع رفض المشاركة في تسمية رئيس الحكومة بين التيارات الإسرائيلية المتصارعة، علماً بأنه كان يشكّل الشق الثاني من القائمة العربية المشتركة.

التيار الثالث هو القائمة العربيّة الموحّدة. وتمثّل هذه القائمة الحركة الإسلامية الجنوبية برئاسة النائب منصور عباس. وكانت القائمة قد شقّت القائمة العربية المشتركة في انتخابات الدورة الرابعة والعشرين من الكنيست بخروجها منها. وتمكنت في حينه من الفوز بأربعة مقاعد.

ولا يمثل التيار كلّ الحركة الإسلامية بين فلسطينيي الـ48. ويدعو هذا التيار الى الانخراط تماماً في النظام السياسي الإسرائيلي وفي “التأسرل”، باعتباره أمراً واقعاً. كما أنه يطالب بالتركيز فقط على الحقوق الفردية، وعلى جلب ما يعتبره مكاسب للفلسطينيين من مواطني إسرائيل دون أي صلة بأهداف سياسية أو وطنية.

وشهدت جماهيرية القائمة العربية الموحدة صعوداً منذ انتخابات عام 2021 لتصبح التيار الأكبر بين القوى العربية المشاركة في الانتخابات. وحافظ على مكانته هذه في الانتخابات الأخيرة، بحصوله على خمسة مقاعد في الكنيست. ووصلت القوة التصويتية لهذا التيار إلى 194 ألف صوت، بزيادة أكثر من 20 ألف صوت عن الانتخابات السابقة.

بطبيعة الحال، هناك تيارٌ رابع، وهو تيار مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية. وعلى الرغم من قوّة هذا التيار بين فلسطينيي الـ48، إلا أنه القوى التي تمثله مشتتة ومنقسمة على نفسها. وبلغت نسبة المشاركين العرب في الانتخابات الأخيرة 55 بالمئة، مقارنةً مع 43 بالمئة في انتخابات 2021. وإذا افترضنا أن نصف هؤلاء من المقاطعين للانتخابات، فهذا يعني أن هذا التيار له وجود ملموس في الحياة السياسية الخاصة بفلسطينيي الـ48.

ويرفض هؤلاء التعامل مع إسرائيل، ويعتقدون أن الصراع معها، ومع سياساتها، ينبغي أن يكون خارج الكنيست الإسرائيلي. وبديهي أن ذلك يؤدي إلى عدم عكس القوة التصويتية لفلسطينيي الـ48 في الكنيست تماماً. وباختصار، فإن تيار المقاطعة لا يرى أن ثمة جدوى من المشاركة في الانتخابات، لا على مستوى الحقوق الفردية والمدنية، ولا على مستوى الحقوق الجمعية والوطنية. وينضوي في هذا الإطار يساريون وقوميون (أبناء البلد) وإسلاميون (الحركة الإسلامية الشمالية) بزعامة الشيخ رائد صلاح.

على ذلك، ثمة اختلاف بين تلك الكيانات حول طريقة استثمار الهامش الديمقراطي في إسرائيل، وفي فهم طبيعة المشاركة في الكنيست. وتنظر بعض تلك الكيانات إلى المشاركة في الكنيست كشكل وحيد للكفاح. أما البعض الآخر، فيسعى لتحقيق المكانة والنفوذ. وهناك من ينظر إلى تلك المشاركة كشكل من أشكال الكفاح ضد إسرائيل.

كما أن هناك ثمة مشكلة في طريقة إدارة هذه الكيانات للتنافس فيما بينها. وبطبيعة الحال، فإن هذه الكيانات مطالبة بإعلاء شأن الصراع مع إسرائيل فوق التصارع الحاصل فيما بينها. وهذه الكيانات مطالبة أيضاً بإدارة تفاوت رؤيتها لطبيعة علاقتها بالحركة الوطنية والشعب الفلسطيني وقضيته عموماً.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.