في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر 2019، أوضح أيمن عودة، زعيم القائمة العربية المشتركة، وهو تحالف سياسي لأحزاب فلسطينية كبرى، سبب دعمه لزعيم حزب أزرق- أبيض بيني غانتس كرئيس وزراءٍ جديد لإسرائيل. وفي معرض تسليط الضوء على تركة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو المتمثلة في غرس “الخوف والكراهية،” قال عودة إن الدعم سيزيد من احتمال أن يُحرم نتنياهو، الذي فشل في الفوز بأغلبية في انتخابات 17 سبتمبر وناضل من أجل تشكيل ائتلاف، من الظفر بولاية أخرى.
يعدّ هذا التصريح جديراً بالذكر لأنه وللمرة الأولى منذ عام 1992 يدعم فيها حزبٌ فلسطيني حزباً يهودياً، على الرغم من أن عودة كان قد أوضح أن هذا لا يعني أن القائمة المشتركة ستنضم إلى ائتلافٍ بقيادة أزرق- أبيض أو أنه أيد غانتس بأي الطريقة.
كما شهد تسليط الضوء على عودة إدراجه ضمن قائمة النجوم الصاعدة لمجلة تايم لعام 2019، أو ما يُسمى بـ”تايم 100 نكست.” وفي وصفها للسياسي، كتبت المجلة، “بينما كانت المنافسة على قيادة الدولة اليهودية المعلنة ذاتياً تتأرجح بين أحزاب اليمين والوسط، ظهر عودة ليس باعتباره صانع ملوك محتمل فحسب، ولكن أيضاً كصوت جديد مؤثر من أجل المساواة والإدماج.”
بيد أن آخرون لم يتعاملوا مع الأمر بإيجابية، إذ سارع نتنياهو بشن هجومٍ واصفاً دعم القائمة المشتركة لغانتس بأنه “هجوم إرهابي وطني تاريخي على دولة إسرائيل” و”تهديدٌ وجودي.”
فهذه ليست المرة الأولى التي يصور فيها نتنياهو القائمة المشتركة بالتهديد، إذ حذر إبان تشكيلها في عام 2015 من أن الناخبين العرب سيخرجون للتصويت بأعدادٍ كبيرة. ومع ذلك، أصبحت ثالث أكبر كتلة في الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، ومن المفارقات أن ذلك جاء نتيجةً للقانون الانتخابي الجديد المصمم للحد من التمثيل البرلماني الفلسطيني، مما دفع بعودة، الأب لثلاثة أبناء، إلى دائرة الضوء.
نشأ عودة، المولود عام 1975، في مدينة حيفا، إذ كان المسلم الوحيد في مدرسةٍ مسيحية؛ يتكلم العبرية بطلاقة وكذلك العربية والإنجليزية والرومانية. انخرط عودة بالسياسة في سنٍ مبكرة، حيث شارك بأول مظاهرة له في 30 مارس 1988، الموافق ليوم الأرض، عندما كان يبلغ من العمر 13 عاماً. وسبق وأن قال لصحيفة ذا نيويوركر، أن السنوات الثلاث التالية “كانت الأجمل في حياتي،” وأضاف “شعرت بالارتباط التام بالكفاح.”
في نهاية المطاف، قام جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت)، بالتعامل معه. وخوفاً من تعرضه للملاحقة في كل خطوة يخطوها، غادر البلاد في عام 1993 لدراسة القانون في رومانيا. أثناء وجوده هناك، شارك في العديد من التجمعات المؤيدة للفلسطينيين واستغرق بدراسة السير الذاتية السياسية للثوريين، مستذكراً، “عندما قرأت مالكولم إكس، لم أتفق معه على الإطلاق، لكني استنشقته، ارتبطت بغضبه.” عاد إلى إسرائيل بحيوية متجددة في عام 1997، وفي نهاية المطاف، حصل على شهادة ممارسة مهنة المحاماة في عام 2001 لكنه لم يصبح قط عضواَ في نقابة المحامين في إسرائيل.
بدلاً من ذلك، انخرط بالسياسة بشكلٍ متزايد، لا سيما انضمامه إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش)، وهو حزب سياسي يساري متطرف مكون من الحزب الشيوعي الإسرائيلي وغيره من الجماعات اليسارية. تولى رئاسة الحزب منذ عام 2015.
تبع ذلك العديد من الأحداث المهمة في مسيرته المهنية، كان إحداها مشاركته في ديسمبر 2006 في صياغة “الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل،” وهي وثيقة مثيرة للجدل تدعو إسرائيل إلى أن تصبح “دولة لجميع مواطنيها” وليس فقط دولة يهودية.
عمل أيضاً بنشاط مع الوزارات الإسرائيلية، كما أشار عوفر زالزبرغ، كبير المحللين في المجموعة الدولية للأزمات، وحصل على دعم للقرار رقم. 922، وهو خطة تنمية اقتصادية بقيمة 4,3 مليار دولار للقطاع الفلسطيني على مدى خمس سنوات. وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، “إنه أمر غير مسبوق،” وأضاف “لا تزال الخطوة غير كافية لتصحيح الفجوات الكبيرة، لكنها لا تزال خطوة غير مسبوقة.”
عندما دخل عودة المعترك السياسي، كان لا يزال متأثراً بالكفاح المسلح في فلسطين، لكنه أدرك أن الأمور الصغيرة ذات أهمية أيضاً، إذ قال لصحيفة ذا نيويوركر: “أذهب إلى السوق في حيفا ويقول لي أصحاب المتاجر الفلسطينيون: ‘هذه الأشياء التي تقولونها، تمنح اليهود سبباً لعدم المجيء إلى هنا.‘” وأضاف “علمني ذلك أخيراً أنه كان عليّ التفكير في القضايا الكبرى، ولكن أيضاً مشاكل الحياة اليومية التي يواجهها الأشخاص الذين يعيشون هذه المشاكل.”
يدعم حزب حداش حل الدولتين، لكن شركائه في القائمة العربية المشتركة، مثل بلد، يدعمون حل الدولة الواحدة. هناك أيضا حزبٌ إسلامي داخل التحالف. لذلك، بالإضافة إلى التغلب على تحديات كونك حزباً عربياً في الكنيست، هناك اختلافاتٌ كبيرة بين الأطراف في القائمة المشتركة، التي اضطرت إلى العمل معاً لتخطي عتبة التمثيل النسبي بعد رفعها من 2% إلى 3,25%.
وقال زالزبرغ: “يحتاج أيمن إلى إبقاء الكرة في ملعبين ضمن القائمة المشتركة في مواجهة الأغلبية اليهودية،” مضيفاً أن مهارات القيادة الاستثنائية لعودة ستكون أساسية في ذلك.
ثم هناك التحدي المتمثل في جذب مزيدٍ من الدعم للأهداف التي تقوم عليها رسالة عوده: مستقبل مشترك وأكثر مساواة.
تشمل هذه الأهداف معالجة تفشي الجريمة في البلدات والمدن الفلسطينية، فضلاً عن ضمان أن قوانين الإسكان والتخطيط توفر للسكان نفس الحقوق التي يتمتع بها نظرائهم اليهود، والوصول إلى المستشفيات بشكلٍ أفضل. وأوضح عودة أيضاً أنه كجزء من القائمة المشتركة يُطالبون بزيادة المعاشات التقاعدية من أجل رعاية أفضل للمسنين، وتنفيذ برنامج للتصدي للعنف ضد المرأة، والإدماج القانوني للقرى والبلدات غير المعترف بها التي لا تتوفر بها الكهرباء أو الماء، والعودة إلى مفاوضات السلام لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود عام 1967. كما يريد أيضاً إلغاء قانون الدولة القومية لعام 2018 الذي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي فحسب.
وبحسب زالزبرغ، فإن حشد الناخبين العرب وراء تحالفٍ محتمل بقيادة غانتس قد يشهد إعادة تأسيس المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية والحد من جهود بناء المستوطنات، لأن الحكومة قد تخشى فقدان الدعم العربي في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، أدان آخرون اختيار عودة عدم مقاطعة عملية تشكيل الحكومة. “بينما قد يُثلج عودة قلوب الصهاينة الليبراليين في صحيفة نيويورك تايمز الذين يرغبون في تطهير صورة إسرائيل في الخارج بالتخلص من نتنياهو، لا يوجد مبدأ أو كرامة بتأييد مجموعة من جنرالات الجيش السابقين الذين ارتكبوا جرائم حربٍ في الأراضي المحتلة ويُطالبون بضمها وبالسيادة اليهودية الدائمة،” بحسب ما كتبه بشير أبو منة، المحاضر في جامعة كنت الأمريكية، في مجلة جاكوبين، واصفاً قرار عودة بـ”الانتهازي”.
وعلاوةً على ذلك، فإن تأييد عودة قد يحدث فرقاً بسيطاً إذا قرر غانتس تشكيل حكومة وحدة مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو. وحتى إذا تمت الإطاحة بنتنياهو، الذي يواجه تهم فساد متعددة، من الصورة، فإن العناصر اليمينية ستبقى ثابتة على رأس الكنيست.