حكيم مرزوقي
“العباقرة” الذين أجالسهم في مقهى الحي كلّ صباح، لديهم تفسيرات وحلول مبتكرة لما يستجد في الداخل والخارج من صعوبات وأزمات ومشاكل وأوبئة وكوارث، وذلك ابتداء من لقاحات كورونا، مرورا بالضائقة الاقتصادية، ووصولا إلى السفينة العالقة في قناة السويس.
يأخذ كل واحد مكانه وهو مشرئب العنق أمام شاشة التلفزيون في صدر المقهى. ولا يترك خبرا يمرّ دون التعليق عليه باستفاضة يشوبها بعض التشنج الذي قد يبلغ حد الصراخ وتبادل الاتهامات بسوء الفهم والتقدير وحتى الجهل والغباء.
يطلّ، مثلا، أحد خبراء البحرية على الشاشة متحدثا عن أزمة سفينة السويس، ويقول إن إخراجها قد يستغرق بعض الوقت، إذ ليس من السهل تخليص سفينة شحن عملاقة من هذا الحجم، فيعلّق صلاح سائق جرار البلدية، باتهام ذاك الخبير بالغباء وقلة الخبرة، مضيفا أن ربان السفينة لو رجع قليلا “أونريير” قليلا، (أي إلى الوراء) ثم انعطف إلى اليسار ثم كسر نحو اليمين وزاد من “الفيتيس” لانحلت المشكلة في بضع دقائق.
يظهر خبر في الشريط الإخباري يفيد بأن لقاحات كوفيد ١٩ ستكون متوفرة في الأسابيع القادمة. فيشكك منجي النادل في مدى فاعليتها، ويضيف محمود وهو منكب على حل الكلمات المتقاطعة بأن الأمر من أساسه إشاعة أو لا يعدو أن يكون مؤامرة كونية ثم يسأل عن كلمة تتكون من خمسة حروف، تبدأ بالحرف جيم، وتعني “وباء”.
تتوقف القناة عند فاصل إعلاني، فيسارع النادل إلى طلب ثمن المشروبات أو السؤال عمّن يريد التجديد. يلتهي البعض بالنظر في الجريدة، تبادل الأحاديث الجانبية، التعليق على المنتج المعلن عنه في الشاشة أو حتى مغازلة فتاة الإعلان.
يعود البث منتقلا إلى برنامج رياضي فيصبح كل واحد من أصدقائي “العباقرة” محللا رياضيا لا يشق له غبار، يلقي باللائمة على المدرب واللاعبين ويُشبع منافسي فريقه شتما، وبعبارات ما تحت الزنار.
يغير النادل التلفزيون نحو محطة محلية فيشتم الجميع كل من يظهر عليها من سياسيين وبرلمانين وفنانين ومذيعين، وذلك في ظل “جائحة ديمقراطية” أصابت البلاد عام 2011 بعد سنوات الكبت والعطش وتكميم الأفواه.
لكن غالبا ما يخفض واحد منهم صوته، على حين غرّة، ويشير بإصبعه لمجالسيه طالبا منهم السكوت كلما جاءته مكالمة، وقد يضطر للخروج أمام باب المقهى ليوهم زوجته أنه في العمل أو في الطريق إلى العمل.
يعود متلقي المكالمة المربكة لتبوء مركزه وهو يتمتم بعبارات شتم وتذمّر ثم يسأل الرفاق عن التذكير بالموضوع الذي كان يتحدث فيه، ويعود ليدلي بدلوه.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.