وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حكومة نتنياهو تطلق ميليشيات المستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين

حكومة نتنياهو تواجه الفلسطينيين بميليشيات المستوطنين المتطرفين من أتباع الوزيرين المتطرفين سميرتش وبن غفير التي يحميها الجيش الاسرائيلي.

حكومة نتنياهو
صورة تم التقاطها يوم 19 مارس 2023 لجنودٍ إسرائيليون وهم يقومون بدورية في بلدة حوارة بالضفة الغربية المحتلة. المصدر: JAAFAR ASHTIYEH / AFP.

ماجد كيالي

شنّت جماعات المستوطنين هجوماً في 26 فبراير 2023 على الفلسطينيين المقيمين في حوارة. هذا الهجوم كان للبطش بأبناء القرية الفلسطينية والاعتداء عليهم وحرق منازلهم وممتلكاتهم. وبطبيعة الحال، فإنّ ما حدث في البلدة الواقعة بالقرب من نابلس خطيرٌ وكبير في دلالاته وتداعياته.

هذا الحدث لا يمكن التعامل معه على أنه طارئ أو فريد من نوعه، إذ سبقه الكثير من عمليات الاعتداء على الفلسطينيين والتنكيل بهم وتخريب ممتلكاتهم. يضاف إلى ذلك أنّ هذه العمليات الإسرائيلية وقعت كلّها على أراضٍ تخضع للسيادة الفلسطينية كما هو مفترض. ويشمل ذلك القدس الشرقية والخليل وجنين ونابلس ورام الله.

وتعني هذه الاعتداءات، بشكلٍ أو بآخر، أن إسرائيل لا تهمّها السلطة الفلسطينية ولا تعترف لها بسيادة في مناطقها. وللمعلومية، فإن هذا التوجّه الإسرائيلي في التعامل مع السلطة متواصل منذ ضربت إسرائيل اتفاقات أوسلو بعرض الحائط بعد تكشّف موقفها تجاه السلطة في مفاوضات كامب ديفيد 2 في عام 2000.

ما تقدّم يفيد أيضاً أنّ المستوطنين الإسرائيليين يعيشون في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وفق قانونهم الخاص. هم يتمتعون بحماية الجيش الإسرائيلي، ولديهم رعاية ودعم رسميين من الحكومة الإسرائيلية. وبطبيعة الحال، فإن هذه السياسة تكشف الطابع العنصري التمييزي لإسرائيل، سيّما وأنها تشجّع المستوطنين على الاعتداء على الفلسطينيين دون أي تبعات قانونية يواجهونها جرّاء ما يرتكبونه من جرائم.

ما يجري في حوارة يفيد بأن إسرائيل بصدد نقلة منهجية وخطيرة في سياستها ضد الفلسطينيين. ويمكن القول إن إسرائيل تعمل على تضييق عيش الفلسطينيين، ناهيك عن مصادرة أراضيهم وحقوقهم، والحؤول دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة لهم في أراضيهم التي احتلتها إسرائيل في العام 1967.

الأخطر ممّا سبق هو أنّ إسرائيل تواجه الفلسطينيين بميليشيات المستوطنين المتطرفين من أتباع الوزيرين المتطرفين سميرتش وبن غفير. وهذه الميليشيات يحميها الجيش الاسرائيلي. وتسعى بذلك حكومة نتنياهو لإظهار الأمر وكأنّه خلافٌ بين مجموعتين سكانيّتين، في حين أنّ ذلك يشكل استمرارا للسياسة الإسرائيلية الرامية لمصادرة حقوق الفلسطينيين وطمس وجودهم كشعب.

‎هذا حدثٌ مؤسس، جرى مثله في أماكن كثيرة. منها مثلا ما حدث في مايو 2021، حين حاول مستوطنون متطرفون اقتلاعٍ عائلات فلسطينية من بيوتها في حي الشيخ جراح. مثالٌ آخر وقع في الخليل. ففي عامي 1968 و1979، قامت مجموعة متطرفة بفرض مستوطنة إسرائيلية في قلب المدينة.

الوجود الاستيطاني في مدينة الخليل أفرز أيضاً في فبراير 1994 المجزرة التي قتل فيها المستوطن باروخ غولدشتاين 29 من المصلين في الحرم الإبراهيمي، فضلاً عن إصابة العشرات. مثالٌ آخر وقع في يوليو 2014 عندما حرق مستوطنون الطفل محمد أبو خضير في مخيّم شعفاط قرب القدس. وفي يوليو 2015، حرق مستوطن منزل عائلة دوابشة في قرية دوما الواقعة بالقرب من مدينة نابلس.

إسرائيل التي تشكلت فيها مطلع عام 2023 حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، افتتحت علاقتها بالفلسطينيين بقتل شابين وطفل. كما أنها فجّرت منازل عدة في بلدة كفردان في الثاني من يناير 2023. وفوق ذلك، فإنها أكدت سعيها لتعزيز الاستيطان، وإضفاء الشرعية عليه، في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة. وفي نفس السياق، اقتحم المتطرف ايتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، المسجد الأقصى، تحت حراسة الشرطة الإسرائيلي. وفي 22 فبراير 2023، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية مدينة نابلس وقتلت 11 فلسطينيا.

طبعا هذا لا يعني أن وضع الفلسطينيين كان أفضل مع حكومة نفتالي ولبيد التي استمرت حتى نهاية عام 2022. واعتبر العام الماضي، حتى في أوساط إسرائيلية، بأنه العام “الأكثر قتلاً للفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي منذ نهاية الانتفاضة الثانية” بحسب ما كتبته هاجر شيزاف على موقع هآرتس بداية العام الجاري. وتضيف شيزاف في هذا السياق: “من المسموح للجنود إطلاق النار على الفلسطينيين حتى أثناء الهرب، إذا سبق وأن رشقوا الحجارة أو ألقوا الزجاجات الحارقة”.

ولقي 230 فلسطينياً مصرعه برصاص الجيش الإسرائيلي في عام 2022، مقابل 29 من الإسرائيليين. وبين عامي 2006 و2021، تم قتل 7269 فلسطينياً، بمعدل 484 شخصاً في كل سنة. ويشمل هذا الرقم الفلسطينيين الذين قتلوا في الحروب التي شنتها إسرائيل على غزّة، فضلاً عن ضحايا مسيرات العودة في عامي 2018 و2019. في المقابل، فقد شهدت تلك الفترة مقتل 340 إسرائيلياً، بمعدل سنوي يبلغ 23 شخصاً في السنة. ويعني هذا الكلام أن مقابل كل قتيل إسرائيلي هناك 21 قتيلاً فلسطينياً.

عدد الجرحى من الفلسطينيين في تلك الفترة بلغ 104919 شخصاً، مقابل 3143 جريحاً إسرائيلياً. وبحسبة الأرقام، فإن كلّ جريح إسرائيلي يقابله 23 جريح فلسطيني، علما بأن إصابات الفلسطينيين أشد أو أكثر ضررا.

وبالتالي، فإن أحوال الفلسطينيين لا تتغير كثيراً من الناحية العملية مع قدوم أي حكومة إسرائيلية جديدة. فهذه الحكومات المتعاقبة تنتهج سياسات تعزيز الاستيطان، وتهويد القدس، ومصادرة الأراضي. كما أنها تقوم بتنفيذ عمليات الاعتقال التعسفي، وهدم البيوت.

وإلى جانب ذلك، فإن هذه الحكومات تقيّد السلطة الفلسطينية، وتحط من مكانتها، وتحول دون تحقيق أملها في إقامة دولة مستقلة، علما بأنّ عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة (بما فيها القدس الشرقية) بلغ حوالي 726,427 مستوطنا. وهؤلاء يتوزعون على 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية.

هذا يفيد بأن الفلسطينيين باقون في واقع صعب ومعقد من كل النواحي. وينسحب هذا الأمر على السلطة الفلسطينية أيضاً. فهذه الأخيرة باتت في وضعٍ يبدّد شيئاً فشيئاً آمالها – أو بالاحرى أوهامها – بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ويبيّن تلاشي الأمل هذا مدى الخطر الذي تضمنته اتفاقات أوسلو المجحفة والناقصة. فهذه الاتفاقات نصّت على أنّ أي شيء يتعلق بفلسطين يفترض أن يتم بتوافق الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. ويعني ذلك أنّ أي شيء يفترض أن يحظى بقبول إسرائيل.

هذه الاتفاقات لم تنص البتة على إنهاء الاحتلال، أو وقف أعمال الاستيطان، أو إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين. كما أنها لم تنص حتى بكلمة على تعريف إسرائيل بوصفها دولة احتلال. وكما هو معروف، فإن العديد من التقارير الأممية لم تعرّف إسرائيل باعتبارها دولة احتلال فحسب، بل بوصفها دولة كولونيالية وتمارس سياسة أبارتهايد بحقّ الفلسطينيين، من النهر إلى البحر (أي بما يشمل الفلسطينيين من مواطني إسرائيل).

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.