جيمس دورسي
نشرت الصحفي البارز جيمس دورسي مقالةً على مدونته سلط فيها الضوء على زيارة بابا الفاتيكان الأخيرة إلى العراق ولقاءه مع المرجع الشيعي آية الله السيستاني وسط حقل ألغام ديني وسياسي يهيمن على البلاد. ويتناول دورسي في مقالته نقاط الشد والجذب التي تجمع بين البابا والسيستاني وما يعنيه هذا الأمر لإيران.
وكان البابا فرنسيس قد خط بزيارته للعراق يوم الجمعة علامة تاريخية فارقة وهو يناور في حقل ألغام ديني وسياسي. والأمر نفسه ينطبق على نظيره آية الله السيد علي الحسيني السيستاني أحد أبرز علماء الشيعة وقادة العالم الإسلامي الشيعي.
وتختلف هذه الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام اختلافاً واضحاً عن الزيارات البابوية السابقة إلى الشرق الأوسط التي شملت تركيا ومصر والمغرب والإمارات وأذربيجان، وهي دول اعتادت، على عكس إيران، وجود تفاعلات بين الأديان بسبب تاريخها السني وتجربتها مع الاحتلال، أو كانت لها خبرة مع حكم علماني شيوعي كما في حالة الأغلبية الشيعية في أذربيجان.
وعلى عكس أذربيجان، يغامر البابا فرنسيس في زيارته إلى العراق ذات الأغلبية الشيعية التي مزقها العنف الطائفي والتي صار لإيران فيها نفوذ ديني وسياسي كبير. كما أنها وجهة لعلماء دين ينافسون نظرائهم في الجمهورية الإسلامية. ولذلك، فإن علماء الشيعة العراقيون ينشطون في مساحة حرجة.
وكانت أبرز محطات هذه الزيارة إلى العراق هو لقاء لمدة أربعين دقيقة جمع بين البابا وآية الله السيستاني، الذي كان لقاء بمثابة سيف ذي حدين لزعيم ديني قد بلغ التسعين ووُلد في إيران وتجمعه بالجمهورية الإسلامية علاقة معقدة.
إذ لطالما عارض آية الله السيستاني نظام الحكم المباشر لعلماء الدين في إيران. ولذلك، تجنّب المشاركة في السلطة التنفيذية والسياسية وكان له دور رئيسي في المصالحة بين الشيعة والسنة في العراق، وتعزيز السلام بين القبائل والإثنيات المختلفة، وتسهيل صياغة وإقرار دستور ما بعد الغزو الأمريكي.
بيد أن تأثير السيستاني كان واضحاً في تحولات رئيسية في تاريخ العراق الحديث. فقد أقبل العراقيون على صناديق الاقتراع في عام 2005 رغم خطر الهجمات الإرهابية استجابةً لدعوته. كما حشد السيستاني أعداداً كبيرة في عام 2017 لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد استقالت حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في عام 2019 بعد أربعة أيام من إعلان السيستاني تأييده ودعمه للمتظاهرين المطالبين بإصلاحات شاملة.
ويُرجح أن يقلل السيستاني من شأن أجندة الاجتماع مع البابا تجنباً للجدل. إذ عادةً ما تستغل الحاشية السياسية والدينية لرئيس الكنيسة الكاثوليكية مثل هذه الأحداث لتعزيز شرعيتها ومكانتها باعتبارهم صانعي سلام معتدلين ومتسامحين.
ومع إحجام وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في إيران عن ذكر الزيارة وتصدير الزعيم الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي بصفته قائداً للعالم الإسلامي، سيتجنب السيستاني تصوير اللقاء باعتباره اعترافاً من البابا بزعامته للإسلام الشيعي أو أن مدينة النجف العراقية وليس قم الإيرانية هي عاصمة المذهب الشيعي.
ووصفت مصادر مقربة من السيستاني، الذي نادراً ما يستقبل أعلاماً سياسية أو دينية، لقاءه مع البابا يوم السبت الماضي بأنه “لقاء خاص”.
وقال مهدي خلجي، الباحث الإسلامي الذي درس في قم، والزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “خامنئي لن يعجبه ما يحدث”.
وقد يلاحظ بعض المراقبين أن السيستاني الذي اجتمع مع البابا لم يستقبل في ديسمبر الماضي رئيس السلطة القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي الذي يُعدّ مرشحاً رئاسياً محتملاً في الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو أو ربما يكون خليفة خامنئي.
وبحسب خلجي، فإن إيران لطالما قللت من أهمية السيستاني التي يعززها حقيقة بقائه الدائم ليس فقط في النجف بل وفي قم أيضاً حيث تتبعه مدرسة دينية ومكتبة وطبقة دينية.
ولذلك يرجّح علماء الشيعة أن هذا أحد الأسباب التي قد تمنع البابا فرنسيس والسيستاني من إصدار وثيقة شيعية مسيحية على غرار وثيقة الأخوة البشرية التي وقع عليها البابا وشيخ الأزهر أحمد الطيب في أبو ظبي قبل عامين.
وفي حديثه عن المدارس الفكرية السائدة في إيران، قال خلجي: “لا يريد السيستاني استفزاز خامنئي. ليس ثمة أساس فقهي لمثل هذه الخطوة. إذ أن المسلمين لن يكونوا إخوة للمسيحيين. فالمدارس الفقهية الإسلامية السائدة ترى أن المسيحية الحديثة دين محرّف. المسيح في اعتقادهم رسول من الله وليس تجسيداً له أو ابنه. باختصار، المسيحية المعاصرة في نظر الإسلام الرسمي ليست سوى محض ضلال. في المقابل، أعتقد أن المسلمين السنّة أكثر مرونة”.
وبحسب خلجي، فإن المراكز الدينية الشيعية لا تعتمد تقليداً فكرياً ينطوي على عقد مؤتمرات للحوار بين الأديان. كما تخلو مكاتب القادة الدينيين من أقسام منوطة بالتفاعل مع الجماعات الدينية الأخرى. وبكلماتٍ أخرى، فإن “هذا الخطاب كله لا وجود له في الإسلام الشيعي” على حد وصف خلجي.
لكن ذلك لم يمنع آية الله السيستاني من الحفاظ على اتصالات متحفظة مع الفاتيكان على مر السنين.
وفي محاولة لتعميم مفهوم الحوار بين الأديان، أقام البابا فرنسيس صلاة جماعية لعدة أديان في مدينة أور التي يفترض أنها مسقط رأس إبراهيم وهو النبي الذي يُعتبر أصل الديانات الثلاثة.
وفي الصدد نفسه، أبدى البابا فرانسيس قلقه إزاء محنة المسيحيين في الشرق الأوسط وخاصة العراق حيث تناقص عددهم من 1.2 مليون قبل الغزو الأمريكي عام 2003 إلى 300 ألف الآن. ويرغب البابا في استثمار دعوات الزعيم الشيعي إلى حماية الأقلية الدينية من هجمات المسلحين وإدانة “الجرائم البشعة” المرتكبة ضدهم.
ويأمل البابا أن يكون تكرار آية الله السيستاني لتعاطفه مع محنة المسيحيين سبباً كبيراً في تخفيف الضغط على المجتمع الذي تمارسه الميليشيات المدعومة من إيران والتي منعت كثيرين من العودة إلى ديارهم التي تركوها فراراً من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
تأتي زيارة البابا بعد أكثر من شهر بقليل من انفجار قنبلة في بغداد أسفرت عن مقتل 32 شخصاً، وبعد أيام من سقوط صواريخ على قاعدة جوية للقوات الأمريكية. ويرى دوسي أن توقيت الزيارة يبعث الأمل في نفوس العراقيين وهم يرجون أن تسلم البلاد من تصاعد العنف.
وهو أمل عززه تعهّد سرايا أولياء الدم بتعليق عملياتها خلال زيارة البابا “احتراماً للإمام السيستاني”، وهي جماعة موالية لإيران ويُعتقد أنها التنظيم الذي هاجم القاعدة الجوية.
وقال الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط حيدر الخوئي: “لن يوقّع البابا والسيستاني على وثيقة ما، لكنهما يدعوان لحوار الأديان ويدينان العنف الذي يُرتكب باسم الدين. ولا شك في أن ذلك اللقاء سيعزز الأصوات والمنظمات التي ما تزال تؤمن بالحوار”.
ملاحظة:
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة:
05 مارس 2021 في https://mideastsoccer.blogspot.com/ تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع