نور عباس
يعود نشوء فكرة ومصطلح العولمة في بداياته إلى نهاية القرن السادس عشر، مع الاستعمار الغربي لآسيا وأوروبا والأمريكيتين. وعلى الرغم من تشتت مفهوم العولمة وعدم رسم نهج محددٍ له إلا حديثًا، إلا أنه لطالما عنى تجاوز أي مفهومٍ عن حدوده الجغرافية. وإثر خلافات طويلة على معنى المصطلح، قام المختصون بتقسيم تعريف العولمة لثلاثة تعاريف:
فالأول كان يرى العولمة بوصفها ظاهرةً اقتصادية، والثاني صنّفها على أنها ثورةٌ تكنولوجيةٌ استطاعت ربط العالم، وأما الثالث فنظر للعولمة على أنها ظاهرة اجتماعية.
ورغم نظر العديد من الدول للعولمة على أنها أخذت منحى واحدًا يخدم سياسات القطب الواحد منذ نشأتها، إلا أن معظم الدول انخرط بمفهوم العولمة، خصوصا العولمة الاقتصادية والتكنولوجية، فكانت العولمة أمرًا لا مناص منه لتطوير أي دولة كانت.
وفي القرن الواحد والعشرين، بدأ مصطلح “ما بعد العولمة” يشيع في الكتب الاجتماعية والاقتصادية وأبرز من أشاعه هما “إيريك كازدين” و “إمري زيمان” بكتابهما “ما بعد العولمة“. والمصطلح لا يعني انتهاء العولمة، بل تحولها لأشكالٍ أخرى لا تخدم سياساتٍ معينة ولا تلغي قومياتٍ تقوم عليها دول محددة، بل تشركها مع احترام كينونتها في تطوير العالم على كافة الأصعدة. ولكن ماذا عن الدول العربية والشباب العربي؟!
رغم نشوء العولمة، وانخراطنا فيما بعد العولمة على المستوى الدولي، فإن تأثير العولمة على المجتمع العربي ما زال طفيفًا في معظم دولها. وهذا التأثير لم يتعدى استقاء القليل من أحدث الاختراعات التكنولوجية في العالم، أو استحداث بعض المصانع الغربية على الأراضي العربية، بضرائب أقل. وعلى هذا النحو، أمست العولمة عند هذه الدول عبوديةً وتبعيةً اقتصادية، أثقلت كاهل الشباب العربي. ولذلك، لم يعد في مقدور هذا الشباب الولوج حتى اليوم في عولمتها التجارية أو الإلكترونية سواء أكان ذلك بسبب مقاطعةٍ تفرضها الدولة، أو بسبب مقاطعة من المجتمع الدولي.
وعلى أبسط المستويات أي الفردية للشباب العربي، ستجدهم في بعض الدول العربية كسوريا واليمن، عاجزين حتى عن شراء نسخة إلكترونية من كتاب، أو العمل على الإنترنت دون طرقٍ ملتوية لسحب أجورهم. وهكذا، نجد أن العولمة الاقتصادية لم تمر على هذه البلدان إلا بوصفها أراض لمنشآتٍ غربية. وأما في دولٍ أخرى كدول الخليج، فسنجد الشباب حاصلين على مستوى أعلى من الإمكانيات التي تؤهلهم مستقبلا لوظائفٍ أفضل. في المقابل، يتواجد الشباب في بعض الدول التي تتسم فيها العولمة بالتخبط، على خط الوسط على مستوى الإمكانيات الاقتصادية والتعليمية لهؤلاء الشباب والقدرة على العمل.
وقد يبدو التأثير هنا اقتصاديا فحسب، إلا أنه ليس كذلك مطلقًا. فكلما زادت فرص الشباب بالتعليم خصوصًا الممنوح بورشات تدريبية عبر الإنترنت من دولٍ أخرى، زادت ثقافتهم الاجتماعية، وباتوا أكثر تقبلا لقيمٍ جديدة. أي أن جودة العولمة الاقتصادية غالبًا ما تنعكس على تأثير العولمة الثقافية والاجتماعية لأي بلد كان. وبنظرةً عامةً على الشباب العربي، فإنه يعيش في يومنا هذا في مجال تجميل مفهوم “وأد الحرية والتطلعات”، ضمن قالب اجتماعي تفرضه اقتصادات بلدانهم التي تعامل بشكل خاطئٍ مع مفهوم العولمة.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.