عادل مجاهد
أدى الضعف الحاصل في أساسيات الاقتصاد الكلي الليبي، وانخفاض الصادرات النفطية، والقيود المفروضة على مبيعات العملات الأجنبية من قبل مصرف ليبيا المركزي، إلى خسارة العملة الوطنية لنحو 68% من قيمتها، منذ مطلع عام 2020م. حيث سجل الدينار في السوق الموازية سعراً، بلغ 6.71 ديناراً مقابل الدولار الواحد مع مطلع ديسمبر من العام الجاري، مقارنة بـ 4 دينار للدولار نهاية عام 2019م. وهو العام الذي شهد تقارباً بين أسعار الصرف في السوق الموازية وأسعار الصرف الرسمية الخاضعة للضرائب.
وقد فرضت الحكومة الليبية المعترف بها دولياً رسماً على مبيعات النقد الأجنبي في سبتمبر 2018م، بهدف تقليص الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق الموازية.
وعلى الرغم من تسجيل عام 2019م عجزاً في ميزان المدفوعات بحوالي 2.1 مليار دولار، وارتفاعاً للعجز المالي في الموازنة العامة للدولة بمعدل 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ7.4% في عام 2018؛ يعد سعر الـ 4 دينار للدولار المسجلة نهاية العام 2019م، أبرز الطفرات القفزية للعملة الليبية بين عامين، حيث كان أنهى العام 2017م عند 9.2 دينار للدولار في السوق الموازية.
تلك الطفرة في سعر الصرف شكلت أملاً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد الليبي، وتغطية احتياجات البلاد من الواردات لنحو ثلاث سنوات ونصف تالية. إلا أن تعرُض الاقتصاد الليبي إلى عدة صدمات شديدة التداخل خلال النصف الأول من عام 2020م، دفعت بالعملة المحلية إلى التداعي والانهيار من جديد.
فقد توقف المصدر الرئيسي للبلاد من النقد الأجنبي، نتيجة إغلاق حقول النفط الرئيسية ومحاصرة الأنشطة الاقتصادية، على خلفية تصاعد الصراعات المحلية. وإلى جانب انخفاض أسعار النفط، لم تعد الدخول الناتجة عن تصدير منتجات الحقول المتبقية قادرة على المساعدة للإيفاء باحتياجات البلاد من النقد الأجنبي، اللازمة لدعم إمدادات ليبيا من الآلات والمعدات الإنتاجية، والسلع الاستهلاكية النهائية. هذا كله بالإضافة إلى تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) والذي شكل قيوداً إضافية على التبادل التجاري، الأمر الذي حرم الليبيين من أقرب مصادر الإمدادات الغذائية، وهي الجارة تونس.
وبالمقابل، ورغم تصاعد معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي الليبي بين عامي 2014م، و2017م مسجلة نسبة نمو تراكمي يزيد عن 67%، إلا أنها عادت وشهدت انخفاضاً في عامي 2018م، و2019م، بمعدل 15.13%، و2.54% على التوالي. لتواجه ليبيا شبح الركود التضخمي نتيجة ضعف النمو الاقتصادي المترافق مع الزيادة المستمرة والمتسارعة في أسعار السلع والخدمات.
ومع توقعات لصندوق النقد الدولي بتحقيق مكاسب في النمو الاقتصادي الليبي بنسبة 3.9% خلال الفترة الممتدة إلى عام 2023م. يبقى الأمل معقوداً على توقف التناحر السياسي والعسكري، وحل معضلة الاقتصاد القائم على الإيرادات النفطية بنسبة تتجاوز الـ 95%، من جهة خلق اقتصاد متنوع وجاذب للاستثمار وتشجيع القطاع الخاص الإنتاجي، ودعم الصادرات.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.