بقلم: أم إلياس – حقوق النشر فَنَك.com
غالباً ما يتحدث الغرباء عن تأثير القوى الأجنبية المختلفة، مثل روسيا وإيران، في سوريا، إذ من النادر أن نسمع وجهة نظر أحد السكان المحليين حول هذه المسألة. باعتباري أسكن في محافظة درعا في جنوب سوريا، أود أن أتناول موضوع النفوذ الروسي لعلاقته بمنطقتي، على الرغم من أني لم أقابل شخصياً أي روس، إلا أني رأيتهم أثناء عبوري في منطقة المزيريب على طول الحدود السورية الأردنية.
لعب الروس دوراً رئيسياً في الحملة الأخيرة التي أعادت جنوب سوريا إلى سيطرة الحكومة السورية. عسكرياً، قدم الروس دعماً جوياً حاسماً للنظام السوري، لكنهم أيضاً لعبوا دوراً في التفاوض على ما يسمى “اتفاقيات المصالحة” بين مختلف المناطق والحكومة لضمان عودة تلك المناطق إلى سيطرة الحكومة دون قتالٍ كبير. كانت منطقتي، حوض اليرموك، تحت سيطرة جماعة تابعة للدولة الإسلامية تعرف باسم جيش خالد بن الوليد، لذلك لم يكن هناك اتفاقٌ من هذا القبيل. بدلاً من ذلك، قصف الروس المنطقة بعنف، مما سهل الاستسلام السريع لقوات الحكومة السورية. على الرغم من أن القصف كان يدمرنا ويروعنا في ذلك الوقت، لا أعتقد أنه كان هناك أي حلٌ آخر سوى الحل العسكري لتطهير وجود الدولة الإسلامية من المنطقة. وفي أعقاب الحملة العسكرية مباشرةً، زار الروس المنطقة وقدموا بعض المساعدات الغذائية والطبية للسكان المحليين.
ومع ذلك، فقد عمل الروس أيضاً على تعزيز نفوذهم في المنطقة وفي جميع أنحاء جنوب سوريا على المدى الطويل. تتمثل أهم آلية لمحاولة ممارسة النفوذ بمشروع الفيلق الخامس، الذي تنافس مع الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري، والمخابرات العسكرية والمخابرات الجوية لتجنيد المتمردين السابقين وغيرهم من السكان المحليين. تم الإعلان عن الفيلق الخامس في نهاية عام 2016 ويعتبر اليوم عدداً من التشكيلات العسكرية كجهاتٍ تابعة له. وأيضاً، يعتبر رسمياً قوةً “هجومية” ودورها، كما صوره الروس، هو محاربة الدولة الإسلامية.
المعقل الرئيسي للفيلق الخامس في ريف درعا الغربي هي بلدة طفس، حيث يقود القوة المحلية التابعة للفيلق الخامس أبو مرشد طفس (القائد السابق لجماعة جيش المعتز بالله المتمردة). في الواقع، على الرغم من عودة الخدمات الحكومية إلى طفس، يبدو أن هناك مقاومة محلية قوية لفكرة دخول قوات الحكومة السورية إلى البلدة؛ وبالتالي بقيت هذه القوات بعيدة. بيد أن الروس يحتفظون بوجودٍ للشرطة العسكرية في كلٍ من طفس وبلدة المزيريب القريبة وينظر إليهم كضامنون مهمون لمواصلة مشروع الفيلق الخامس.
إن قدرة روسيا على الحفاظ على الأمن والاستقرار على المدى الطويل، وكذلك فرض ما يسمى بـ”اتفاقيات المصالحة،” موضع شكٍ أكبر. فعلى سبيل المثال، كان هناك العديد من التقارير عن عمليات اعتقالٍ قامت بها القوات الحكومية بما يتعارض مع “اتفاقيات المصالحة.” كما وقعت العديد من حوادث الاغتيال وأنواع أخرى من الهجمات في الجنوب الأوسع، ويبدو أن الأوضاع أسوأ بشكلٍ خاص في ريف درعا الغربي. الأسباب وراء استهداف أشخاص محددين ليست واضحة دائماً، لكن يبدو أن الروس غير قادرين على التحكم في الانتهاكات المتزايدة للأمن أو منعها؛ وقد أدى هذا إلى انتشار مشاعر الخوف في المناطق المتضررة.
كما قدم الروس وعوداً بخصوص إطلاق سراح المعتقلين. في الواقع، جاء وفدٌ روسي إلى قريتي، الكوية، منذ عدة أشهر، حيث التقوا بالسكان المحليين وقدموا وعوداً بالإفراج عن المحتجزين، الذين احتُجز الكثير منهم بتهمة الانتماء إلى الدولة الإسلامية. ومع ذلك، ليس من الواضح أن تلك الوعود يتم الوفاء بها فعلاً، مما يثير تساؤلاتٍ حول مدى تأثير روسيا فعلياً على عملية صنع القرار في الحكومة السورية.
باختصار، من الواضح أن روسيا تمارس نفوذاً شاملاً على منطقتنا أكثر من إيران. إن دور الأخيرة كوسيطٍ في اتفاقيات المصالحة كان من الممكن أن يرفضه معظم الناس في الجنوب، الذين يشككون في ما يرون أنه محاولاتٍ إيرانية لنشر دينهم الشيعي وأيديولوجيتهم السياسية. ولكن يبقى أن نرى مدى تأثير روسيا، وما إذا كان بإمكانها استخدام هذا النفوذ للحفاظ على الاستقرار على المدى الطويل في منطقتنا.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.