حكيم مرزوقي
ظاهرة انخراط شبان تونسيين كثيرين في التنظيمات الإسلامية المسلحة، ما زالت تشغل المحللين السياسيين والاجتماعيين والنفسانيين.
يتساءل هؤلاء عن الأسباب الكامنة وراء انجذاب تونسيين – دون غيرهم – إلى تلك الجماعات الإرهابية وتبوء مناصب قيادية فيها على المستويين الميداني والتنظيري رغم أنّ البلاد التي جاؤوا منها لا تُعرف بغلوها وتطرفها الديني. على العكس من ذلك، فإن بلادهم أقرب إلى النظم العلمانية الحديثة من ناحية الحياة الاجتماعية ومظاهر الاقتداء بلغة العصر في الملبس والمأكل والمشرب. في هذا السياق، لا بد وأن نشير إلى المنظومة التعليمية والقضائية، والحياة الثقافية النشيطة التي يُشهد لها بألقها وكثرة أسمائها الفاعلة والمؤثرة في العالمين العربي والإسلامي.
من أين جاء هؤلاء وكيف سقطوا في أحضان التطرف؟ لا شيء يدلّ في البلاد التي يحملون جنسيتها على أي مظهر من مظاهر التديّن المبالغ فيه: مرافق سياحية فاخرة تنتشر في البلاد من شمالها إلى جنوبها، مدنٌ تعج بالحانات إلى درجة لا تجد مثيلاتها في بعض البلدان الأوروبية، وحياة يومية تسير على إيقاع العصر بفضل ما أراده وأرساه زعيم الاستقلال الحبيب بورقيبة الذي فرض أرقى القوانين المنظمة للأحوال الشخصية كالمساواة مع المرأة ومنع تعدد الزوجات، الأمر الذي لا نجد مثيله في البلاد العربية والإسلامية.. فمن أين جاءت هذه البلية وحدثت هذه الانتكاسة في مجتمع راهن عليه جميع الدارسين والمهتمين بأنه الأقرب إلى الالتحاق بركب الأمم المتقدمة؟
الجواب قد يكون جزءاً منه متمثلا في ما ذكرناه من مظاهر الحداثة والابتعاد عن التطرف، أي أن تلك الحياة العصرية التي تميز بها المجتمع التونسي مقارنة بمحيطه العربي، كانت سببا في تسرب العقيدة التكفيرية ونشوء آفة التطرف كردة فعل لاواعية إزاء نوع من الغربة الحضارية.
الفقر مثّل دافعا قويا نحو البحث عن حلول غيبية وطوباوية غذّتها قوى تكفيرية متطرفة تزرع لدى بسطاء الناس فكرة أن هذه الحالات الاقتصادية المتردية ناتجة عن تخلي الدولة عن الإسلام الذي “هو الحل” لجميع الأزمات.
إنّ عجز الفتاة التونسية والفتى التونسي عن ملاحقة الموضة وكلّ مظاهر العصر الاستهلاكية يجعل الواحد منهم يختفي وراء ثوب شرعي كالنقاب بالنسبة للشابة والثوب الإسلامي بالنسبة للشاب.
هذا النوع من الثوب الموحد (اليوننيفورم) يجعل الاثنين في حلٍّ عن مجاراة الموضة، بالإضافة إلى الحياة المتقشفة التي يرونها من صلب العقيدة الإسلامية.
أما حمل السلاح والقتال مع الجماعات الإسلامية، فتفرضه العقيدة القائلة بأنّ الجنة الموعودة تنتظره في عالم آخر، أكثر عدالة من الذي يعيش فيه.
هذا الاغتراب الذي يعيشه الشباب المهمش في تونس ولّد نقمة وجدها في التطرف والقتل.. ولكن، يقول القائل لماذا الشباب التونسي دون غيره من بقية الشباب في البلاد العربية.
الجواب يكاد يكون نفسه.. إنه ذاك الوعي المزيف الذي يولّد إقداما مغلوطا و”شجاعة بلهاء” لدى فئة من الشباب المستلب الذي يعيش في الظاهر والشكل كما يعيش الأوروبي. بيد أن الحقيقة تكمن في عيش هذا الشباب للبؤس والحرمان، وهو ما يجعله يجد نفسه ممزقا بين ثقافتين.
الأمر الذي لم ينتبه إليه الكثير من الدارسين والمحللين لظاهرة تطرف الشباب التونسي هو التطرف في اتجاه اليسار والتنظيمات الشيوعية واليسارية التي سادت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.. ألم يكن عدد كبير من الشباب التونسي مقاتلين في تلك التنظيمات.. قد يكون هذا “الغضب الثوري” غير الواعي، وغير محمود العواقب، حالة تونسية بامتياز.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.