وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هجوم الأسلحة الكيماوية في سوريا: هل رد الولايات المتحدة نقطة تحول في الحرب؟

Syria- chemical weapon attack
متطوعو الخوذ البيضاء يساعدون ضحايا الهجوم الكيماوي المشكوك فيه في مدينة خان شيخون في سوريا، 4 ابريل 2017. Photo Zuma Press

في الساعات الأولى من الرابع من أبريل 2017، نُفذت غارة جوية على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب السورية، في هجوم قد يُشكل لحظةً حاسمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ ست سنوات. وعقب الغارة، أبلغ السكان عن شم رائحةٍ غريبة وإيجاد عائلاتٍ بأكاملها متوفاة في أسرّتهم. أظهرت الصور وأشرطة الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الناجين وهم يعانون من أعراضٍ تتفق مع تعرضهم لمادة تشل الأعصاب، بما في ذلك انقباض حدقة العين، وضيق التنفس والتشنجات، وفي الحالات الشديدة، خروج زبد رغوي من الفم.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود، التي عالج أطباؤها بعض الضحايا، أنه على ما يبدو، قد تم استخدام مادة سامة للأعصاب والكلور. وقالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان، “استنشق الضحايا رائحة مواد التبييض الكيماوية، ما يدل على أن الضحايا تعرضوا للكلور. وتشير هذه التقارير بقوة إلى أن ضحايا الهجوم على خان شيخون تعرضوا لنوعين مختلفين من العوامل الكيماوية على الأقل.” وقال ريتشارد غوثري، خبير الأسلحة الكيماوية البريطاني، لصحيفة الغارديان، “من الممكن أن يكون غاز السارين، ولكن من المحتمل أيضاً أن يكون شيئاً آخر، أو مزيجاً من الغازات. الشيء الرئيسي الذي أثق به هنا هو أن مادة ما استخدمت عمداً لإحداث ضرر.” وأفادت مديرية صحة إدلب أن 84 شخصاً على الأقل قتلوا، من بينهم 33 طفلاً و18 امرأة. وقد تم علاج حوالى 300 آخرين فى مستشفيات محافظة إدلب وتركيا المجاورة. وقدر المرصد السوري لحقوق الانسان، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، إجمالي الوفيات بـ86 شخصاً، وذكر احتمالية ارتفاع عدد الضحايا، بالنظر إلى أن عدداً كبيراً من المصابين في حالة خطيرة.

تصاعدت حدة الإدانة لهذا الهجوم القاتل في الأيام التالية، حيث وجهت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية. إلا أن الحكومة السورية نفت أي تورط، قائلة أنها سلمت ترسانتها من الأسلحة الكيماوية بعد هجوم الغوطة في عام 2013. وزعمت روسيا، حليفة سوريا الرئيسية، أن الوفاة نتجت عن غاراتٍ جوية شنتها القوات الحكومية على مصنع أسلحة كيماوية “إرهابي” في خان شيخون. غير أن الصحفي كريم شاهين، من صحيفة الغارديان، وهو أول صحافي غربي يزور الموقع، أفاد بأن الصوامع والمخازن القريبة من مكان سقوط الصاروخ لم تكن سوى “مساحات مهجورة وصوامع نصف مدمرة تفوح منها رائحة كريهة من بقايا الحبوب والسماد الحيواني.”

وندد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالهجوم بوصفه “إهانة للبشرية” و”عملٌ لا يمكن تجاهله من قبل العالم المتحضر.” وأضاف، “لقد تغير موقفي تجاه سوريا والأسد كثيراً… أنت تتحدث الآن عن مستوى مختلف تماماً.” كما انتهز الفرصة لإلقاء بعض اللوم على سلفه باراك أوباما. ورداً على سؤالٍ حول ما إذا كان هذا الهجوم تجاوز خطاً أحمر، في إشارةٍ إلى الخط الأحمر الذي ذكره أوباما في السابق والذي تجاوزه الأسد اليوم، رد ترمب بأن مثل هذا الهجوم تجاوز العديد من الخطوط الحمراء. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، اتخذ الرئيس قراراً بالقصاص في 6 أبريل 2017، بعد أن أوضح الجنرالات في مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن على “الرئيس السوري بشار الأسد تعلّم أن هناك ثمن سيدفعه.” وفي تلك الليلة، وبناءً على أوامر الرئيس، أطلق الجيش الأمريكي 59 صاروخاً من طراز توماهوك كروز على قاعدة الشعيرات الجوية غرب سوريا، والتي انطلقت منها الطائرات التي تحمل الأسلحة الكيماوية.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الإدارة الأمريكية إجراءاتٍ عسكرية ضد النظام السوري، مما يمثل تصعيداً رئيسياً في التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط في حقبة ما بعد أوباما. ووفقاً لوزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، فإن الضربة بعثت برسالةٍ قوية إلى النظام السوري، مفادها أن الحكومة السورية ستكون غير حكيمة إذا ما أقدمت على استخدام الأسلحة الكيماوية مرةً ثانية. وخلص ماتيس إلى أن الضرر كان كبيراً، فقد أسفر عن تدمير 20% من الطائرات السورية العاملة في القاعدة وباتت القاعدة الجوية غير مؤهلة.

استغرق الأمر عشرة أيام تقريباً ليعلق الأسد على الهجوم الكيماوي ورد الفعل العسكري الأمريكي. وفي 13 أبريل 2017، تحدث الأسد إلى وكالة الأنباء الفرنسية في دمشق، قائلاً أن الهجوم الكيماوي المزعوم على إدلب “مفبرك مئة بالمئة،” بهدف استخدامه كـ”ذريعة” لتبرير الضربة الأمريكية على سوريا. وأكد مجدداً أن الحكومة السورية سلمت مخزونها من الاسلحة الكيماوية فى عام 2013 وفقاً للاتفاق الروسي الأمريكي. وأكد أن دمشق لن تقبل سوى “بتحقيق غير منحاز” فى الحادث. وأضاف “انطباعنا هو أن الغرب والولايات المتحدة بشكل رئيسي متواطئون مع الإرهابيين وقاموا بفبركة كل هذه القصة كي يكون لديهم ذريعة لشن الهجوم”.

فقد استمع مجلس الأمن الدولي إلى عدة تصريحاتٍ قوية عندما اجتمع لمناقشة الهجوم. وأشارت نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في 12 أبريل 2017، إلى أن إدارة ترمب أرادت العمل مع روسيا لوضع حدٍ للحرب في سوريا. وأعقب ذلك مشروع قرار ترعاه، بشكلٍ أساسي، حكومات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ويهدف إلى تعزيز قدرة المحققين الدوليين، الذين سبق أن أذن لهم مجلس الأمن الدولي، النظر بشكلٍ أوثق في تفاصيل سجلات الطلعات الجوية وأسماء القادة العسكريين المسؤولين عن العمليات الجوية في 4 أبريل 2017، أي يوم الهجوم. ولم يحصل مشروع القرار إلا على عشرة أصوات، كما استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” للمرة الثامنة على قرارٍ بشأن سوريا فى مجلس الأمن الدولي، في حين امتنعت الصين عن التصويت.

وفي 19 أبريل 2017، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن مختبرين مخصصين للمنظمة قاما بتحليل عيناتٍ طبية حيوية جُمعت من ثلاث ضحايا بعد تشريح جثثهم وسبعة من الناجين، وأشارت النتائج إلى أن الضحايا تعرضوا لغاز السارين أو مادة شبيهة بالسارين. وقال أحمد أوزومكو، المدير العام للمنظمة، “أن مزيداً من التفاصيل عن التحاليل المخبرية سيتم الكشف عنها قريباً، إلا أن النتائج التحليلية التي تم التوصل اليها أثبتت استخدام غاز السارين بشكل لا يقبل الشك.”

وعلاوة على ذلك، قال مصدرٌ فضل عدم الكشف عن اسمه لشبكة “سي أن أن” أن البنتاغون اعترض اتصالاتٍ للنظام السوري ناقشت خلالها مصادر عسكرية الاستعدادات للهجوم. وأكد أن الولايات المتحدة لم يكن لديها علمٌ مسبق بالهجوم، ولكن المسؤولين وجدوا الاتصالات خلال استعراض للمعلومات الاستخبارتية التي تم جمعها في ذلك اليوم.

وفي 26 أبريل 2017، كشف تقرير استخباري فرنسي أن طريقة الهجوم تحمل “توقيع النظام” وأشار إلى المسؤولية السورية. ووفقاً للمعلومات الاستخبارية، فإن السارين المستخدم في القصف جاء من مخزون الأسد. وأشار التقرير أيضاً إلى أن العينات من مكان الحادث تحتوي على مركبات كيميائية تعتبر سمة مميزة لعملية تصنيع السارين من قِبل نظام الأسد، وتُطابق العينات التي تم جمعها من موقع هجوم عام 2013 على بلدة سراقب، الذي ارتبط أيضاً بالنظام. وخلص التقرير إلى أن السارين ألقيّ باستخدام الذخائر الجوية، مما يؤكد الإجماع الدولي على مسؤولية النظام عن هذه المجزرة، وليس المتشددين، الذين لا يملكون سلاحاً جوياً.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرو للصحفيين بعد أن رفع نتائج التقرير إلى مجلس الوزراء “نعرف من مصدر موثوق أن عملية تصنيع العينات المأخوذة تضاهي الأسلوب المستخدم في المختبرات السورية.” وأضاف “هذه الطريقة هي بصمة النظام، وهي ما يتيح لنا تحديد المسؤول عن الهجوم. نحن نعرف لأننا احتفظنا بعينات من هجمات سابقة واستطعنا استخدامها للمقارنة”. قوضت استنتاجات التقرير الفرنسي المزاعم المتناقضة لكلٍ من موسكو ودمشق، والتي تراوحت بين الادعاء بأن الهجوم لم يحدث أبداً إلى إلقاء اللوم على غارة جوية حكومية استهدفت مستودعاً يُزعم أن المتشددين قاموا بتخزين السارين فيه.