وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصادرة شحنة الكوكايين تخلط أوراق السياسة الجزائرية قُبيل الإنتخابات الرئاسية

Algeria- Cocaine Algeria
إقالة عددٍ من المسؤولين الأمنيين بعد مصادرة شحنةٍ ضخمة بلغت701 كيلوغراماً من الكوكايين في مايو 2018. Photo: https://www.liberte-algerie.com

غالباً ما تتصدر فضائح الفساد والاختلاس التي تتضمن تورط سياسيين رفيعي المستوى وموظفين حكوميين ومسؤولين أمنيين ورجال أعمال، عناوين الصحف في الجزائر، إلا أن الحادثة الأخيرة التي وقعت في مدينة وهران الواقعة على البحر المتوسط، والتي تورط مسؤولين جزائريين في مجال استيراد وتجارة المخدرات، يمكن أن تقلب ميزان القوى بين مختلف العشائر التي تُشّكل النظام قبل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أوائل عام 2019.

ففي أعقاب خبر مصادرة شحنةٍ ضخمة بلغت701 كيلوغراماً من الكوكايين في مايو 2018، تمت إقالة عددٍ من المسؤولين الأمنيين، بينما تم إدراج أسماء قضاة ومدعون عامون ورؤساء بلديات وحتى أبناء كبار السياسيين بالقضية، مما يُسلط الضوء على تزايد دور الجزائر في الاتجار بالمخدرات في المنطقة.

وفي 26 يونيو، أقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، دون أي ذكرٍ لأسباب هذا القرار. تم استبدال هامل، الحليف المقرب لبوتفليقة، بالكولونيل في الجيش مصطفى لهبيري، البالغ من العمر 79 عاماً.

وسارعت وسائل الإعلام المحلية والدولية بالإضافة إلى العديد من شخصيات المعارضة إلى ربط طرد هامل بمصادرة شحنة الكوكايين في وهران، حيث لا تزال العديد من الأسئلة حول قضية المخدرات دون إجابة.

فقد تم شحن الكوكايين المخبأ في حاوية شحن محملة باللحوم المجمدة من البرازيل إلى وهران عبر فالنسيا في إسبانيا، وتم اكتشافه ومصادرته من قبل السلطات المحلية في 29 مايو. وفي اليوم التالي، ألقي القبض على أوائل المشتبه بهم، بما في ذلك رجل الأعمال الجزائري كمال شيخي، الذي صنع ثروته من المشاريع العقارية واستيراد اللحوم.

ومن المعروف أن شيخي، الذي غالباً ما يُشار إليه باسم “الجزار،” يتمتع بصلاتٍ مع مسؤولين وموظفين حكوميين، ويواجه اليوم – إلى جانب أربعة مشتبه بهم آخرينتهماً متعددة، بما في ذلك “الاتجار واستيراد وتوزيع المخدرات” و”غسيل الأموال.” ومع ذلك، نفى شيخي هذه الاتهامات، بالرغم أن السلطات صادرت لقطات فيديو مثيرة للشبهات يُزعم أنها تُظهر لقاءات شيخي مع قضاة جزائريين ومسؤولين آخرين، وذلك بحسب التقارير الصحفية.

إن تورط مسؤولين حكوميين بالإتجار بالمخدرات ليس بالأمر الجديد، بحسب ما قاله ماثيو هيربرت، الباحث في مبادرة مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لنا في فَنك. “يعكس هذا جهوداً مماثلة من قبل المتاجرين ورجال الأعمال لرشي المسؤولين الحكوميين في نقاطٍ أخرى على طول طرق الاتجار بالكوكايين، مثل غينيا- بيساو أو مالي.” وأضاف “ما يثير الدهشة هو أن المسؤولين الجزائريين كانوا مرتبطين علناً بالقضية. عادةً ما يتم الحفاظ على مثل هذه العلاقات بعيداً عن الأضواء.”

وتشير تعليقاته إلى الصراع المستمر على السلطة بين العشائر داخل النظام، والذي من المرجح أن تزداد حدته في مواجهة انخفاض أسعار النفط والانتخابات الرئاسية لعام 2019.

وإزاء هذه الخلفية، كانت إقالة هامل متوقعة. فقبل يومٍ واحد فقط من عزله من منصبه، انتقد هامل بشدة التحقيقات في قضية مصادرة شحنة الكوكايين الذي نفذته وزارة العدل والدرك، حيث قال للصحفيين أثناء مغادرته مؤتمراً صحافياً بالعاصمة الجزائر إنه كان هناك “تجاوزات وانتهاكات خلال التحقيق الأولي.” إلا أن تعليقاً آخر صدر عنه جذب الانتباه، إذ نقلت وكالات أنباء متعدده قوله: “إذا كنت تريد محاربة الفساد، فعليك أن تكون نظيفًا.” وبالتالي، خسر وظيفته في اليوم التالي.

ومع ذلك، تُشير إقالة هامل إلى أن القرار مرتبطٌ بالفعل بالتنافس الداخلي بين عدة عشائر داخل النظام. فمنذ التقاعد القسري لمدير المخابرات السابق محمد مدين “الجنرال توفيق” في عام 2013، اكتسبت المديرية العامة للأمن الوطني نفوذاً هائلاً في جهاز الأمن في البلاد. فقد كتبت صحيفة مغرب تايمز، “تحت توجيهات هامل، ازدادت أهمية الشرطة الوطنية… خلال السنوات العشر الماضية، لتصبح مرجعاً لا غنى عنه، لبوتفليقة وحاشيته، على سلطة… المخابرات الجزائرية، التي تم حلها رسمياً في يناير 2016.”

ولم يكن هامل المسؤول الأمني الوحيد الذي تمت إقالته بعد تصريحاته المثيرة للجدل. ففي 4 يوليو، استُبدل رئيس أمن ولاية الجزائر، نور الدين برّاشدي بمحمد بطاش، الرئيس السابق لشرطة مكافحة الشغب في المدينة. وفي هذه الأثناء، تم تعيين الغالي بلقصير قائداً جديداً لقوات الدرك، وهي قوة شرطة مؤثرة تسيطر عليها وزارة الدفاع.

ومن المتوقع حدوث المزيد من عمليات التطهير في صفوف قوات الدرك بعد التعيين السريع لبلقصير قائداً جديداً للدرك في منطقة قسنطينة العسكرية.

وإذا ما وضعنا الآثار السياسية جانباً، فإن مصادرة شحنة الكوكايين في وهران، تُسلط الضوء على تزايد دور الجزائر في الاتجار بالمخدرات في المنطقة. فقد أصبح طريق الإتجار الذي يربط أمريكا الجنوبية بغرب إفريقيا، حيث يتم تهريب الكوكايين عبر الصحراء إلى شمال أفريقيا وأوروبا، غير آمن منذ الانتشار الواسع للوحدات العسكرية الأجنبية وقوات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وخاصة في شمال مالي والنيجر. وبناءً على ذلك، يتجنب المهربون هذه المناطق بشكلٍ متزايد ويحاولون إيجاد طرقٍ جديدة، بما في ذلك شحن المخدرات مباشرةً من أمريكا الجنوبية إلى شمال أفريقيا.

ويؤكد هربرت ارتفاع مصادرة شحنات الكوكايين في شمال أفريقيا، مما يشير إلى تزايد اهتمام التجار بالمنطقة. ففي المغرب، صادرت السلطات أكثر من 2,5 طن من الكوكايين في عام 2017 وحده. وقبل عام، اكتشفت الشرطة المغربية معملاً متكاملاً لإنتاج الكوكايين، الذي يعدّ الأول من نوعه في أفريقيا، في مدينة وجدة بالقرب من الحدود الجزائرية.

وقال هربرت “إن الكميات التي تنطوي عليها قضية وهران توحي بأن الطريق [الجزائري] قد استخدم من قبل.” وأضاف “أنت لا تختبر طريقاً بشحنةٍ تبلغ 700 كيلوغرام من الكوكايين، نظراً لارتفاع قيمتها في السوق. فلا بد أن التجار بمحاولتهم تهريب مثل هذه الشحنة الكبيرة، كانوا واثقين من أن الشحنة ستكون في مأمن من الإعتراض.”