وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: معركة درنة تستقطب السكان

Libya- Derna
رجل ليبيا القوي خليفة حفتر (يسار) أثناء حضوره عرضا عسكريا في مدينة بنغازي الشرقية في ٧ مايو ٢٠١٨، حيث أعلن شنه هجوما عسكريا لإخراج “الارهابيين” من مدينة درنة. Photo AFP

بعد أيامٍ من عودته إلى ليبيا ليضع حداً لشائعات وفاته، أعلن المشير خليفة حفتر عن هجومٍ لاستعادة مدينة درنة في 7 مايو 2018. وبالرغم من حصار الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر لمدينة درنة لمدة عامين ونصف، إلا المدينة لا تزال المنطقة الوحيدة في شرق ليبيا الخارجة عن سيطرته.

تغير هذا عندما دخلت القبائل والمقاتلون الموالون لحفتر إلى المدينة لهزيمة قوات حماية درنة، وهي عصبة فضفاضة من الإسلاميين والجهاديين التي كانت تُعرف حتى وقتٍ قريب باسم مجلس شورى مجاهدي درنة.

تضم قوات حماية درنة كتيبة شهداء أبو سليم، التي تضم مقاتلين سابقين من الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة التي تأسست عام 1995 بهدف إسقاط الديكتاتور السابق معمر القذافي. كما تضم قوات حماية درنة أيضاً أعضاء سابقين في الجماعة المدرجة دولياً على قوائم الإرهاب، جماعة أنصار الشريعة.

وبحسب الخبراء، فإن عدداً قليلاً فقط من مقاتلي كتيبة شهداء أبو سليم مستعدون للمشاركة في عملية ديمقراطية وطنية، مما يجعلهم على خلافٍ مع المتشددين والمتطرفين. ومع ذلك كان التحالف مسؤولاً عن طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2015. ومنذ ذلك الحين، أخبر المدنيون في درنة فَنَك أن قوات حماية درنة قد فرضت قواعد صارمة واعتقلت العشرات من الشبان الذين اعتبرتهم جواسيس لدى الجيش الوطني الليبي. فقد أدى الحكم المتوحش لقوات حماية درنة إلى تفاقم المظالم، كما أجبر العديد من الناس في درنة على دعم وصول قوات حفتر.

ومع ذلك، تختلط مشاعر السكان الآخرين بشكلٍ أكبر تجاه الجيش الوطني الليبي. ففي موجزٍ حول السياسات صادرٍ على معهد الجامعة الأوروبية، كتب الباحث الزبير سالم أنه منذ حصار درنة، ضاعف الجيش الوطني الليبي من الأزمة من خلال فشله في التمييز بين مجلس شورى مجاهدي درنة والمدنيين. والأسوأ من ذلك، أن المدنيين الذين يؤيدون الجيش الوطني الليبي قالوا إن قوات حفتر أبدت القليل من الاهتمام بالحياة البشرية.

فقد وقعت حادثةٌ في أوائل يونيو، عندما ذهبت إمرأة تبلغ من العمر 60 عاماً وابنها إلى سوق الخضار الرئيسي في درنة لإحضار الطعام والماء، وبعد ثوانٍ من ترك الإبن لأمه في السيارة، أطلقت قوات حفتر صاروخاً على السيارة. وقالت فيروز، وهي واحدة أنصار الجيش الوطني الليبي وحفيدة المرأة لموقع دي دبليو الإخباري، “عانت من جروحٍ بسبب الشظايا في رأسها وظهرها وعنقها.”

توفيت المرأة متأثرةً بجراحها بعد أسبوعين من إعلان الجيش الوطني الليبي السيطرة على درنة في 28 يونيو. وقال رجلٌ طلب أن يُعرَف باسم محمد لفَنَك إن معظم الناس لا يزالون يخافون من الخروج بسبب العديد من العبوات الناسفة التي زرعتها قوات حماية درنة في جميع أنحاء المدينة.

وعلى الرغم من الخطر الكامن، كان عدد الضحايا منخفضاً نسبياً في درنة، حيث قُتل ما لا يقل عن 24 مدنياً في القتال. إلا أن الخبيرة في القضايا الإرهابية، ليديا سيزر، حذرت من أن الصراع قد يشتعل مرةً أخرى إذا ما أخطأ الجيش الوطني الليبي في التعامل مع السكان.

فقد قالت: “أعتقد أن بعض السكان في درنة سيرحبون، بشكلٍ عام، في البداية بالجيش الوطني الليبي، لكن الجيش الوطني الليبي سيشكك في جميع سكان درنة الذين عاشوا في المدينة في ظل سيطرة القاعدة منذ ما يقرب من عشر سنوات.”

هذا وتعتبر كتيبة أولياء الدم التابعة للجيش الوطني الليبي أكثر ما يقلق المراقبين. فالجماعة تلقي باللوم على قوات حماية درنة في اغتيال أعضاءٍ من قبيلتها وتعتزم تسوية الحسابات مع من يشتبه في أنهم من أنصار قوات حماية درنة.

وتقول علياء (وهو اسمٌ مستعار) إن كتيبة أولياء الدم نهبوا وأحرقوا بيوت الشباب الذين قاتلوا مع قوات حماية درنة. وادعت كذلك أنه تم إلقاء القبض على أفراد أسر المقاتلين. إذ قالت، “أعرف شقيقة أحد المقاتلين بصفوف قوات حماية درنة التي تم اعتقالها على يد كتيبة أولياء الدم.”

وفي يونيو، خشي المراقبون أيضاً من أن يمنع الجيش المئات من العودة إلى المدينة – تماماً مثلما فعل بعد السيطرة على بنغازي في الصيف الماضي – وذلك خوفاً من أن يكون أنصار قوات حماية درنة فحسب من فروا من القتال. لكن فيروز، وهي مؤيدة للجيش الوطني الليبي وتعيش في ضواحي درنة مع أسرتها، قالت إن أقاربها عادوا مؤخراً إلى منازلهم دون أي تدخل.

وفي الوقت الراهن، تبدو درنه هادئة نسبياً، لكن سيزر حذرت من أن الجيش قد يواجه العديد من التحديات في المدينة. وتوقعت أن تقوم خلايا تابعة لقوات حماية درنة بشن هجماتٍ للمتمردين ضد نقاط التفتيش وقوافل الجيش الوطني الليبي. وبحسب توقعاتها، إذا ما دُمرت قوات حماية درنة بالكامل، سينضم بعض المقاتلين السابقين إلى خلايا لداعش، على الرغم من أن قوات حماية درنة قاتلت ضد داعش في عام 2015. كما من المحتمل أن تتحالف جماعات أخرى في الشرق مع المتطرفين لتقويض قوات حفتر.

فقد بدأ هذا السيناريو بالفعل عندما حاول زعيم الميليشيا إبراهيم الجضران استعادة السيطرة على موانىء النفط من الجيش الوطني الليبي بينما كان الأخير مشغولاً في درنة. وعلى الرغم من طرد قوات الجضران بعد أسبوعٍ واحد فقط، إلا أن الخبراء يتوقعون أن يواجه الجيش الوطني الليبي تحدياتٍ مماثلة الآن بعد أن سيطر على كامل شرق ليبيا.

وفي هذه الأثناء، يجب على المدنيين في درنة أن يتعاملوا مع ما يعدّ حكماً عسكرياً خالصاً، على الرغم من أن الجيش الوطني الليبي لا يزال من الناحية الوظيفية بمثابة الميليشيا وبدرجة أقل من اعتباره جيشاً. وبالطبع، يحتفل اليوم العديد من السكان بعد أن عاشوا في ظل حكم داعش وحكم قوات حماية درنة لأكثر من نصف عقد، إلا أن آخرين مثل علياء يخافون من الانتقام.

فقد أخبرتنا في فَنَك في 22 يونيو أنها أجبرت على إغلاق أحد حساباتها على الفيسبوك بعد إدانتها تورط الجيش الوطني الليبي بإعدام مقاتلين وأنصار محتملين لقوات حماية درنة. بل إن تعليقاتها أثارت رد فعلٍ عنيف من قِبل أقربائها، الذين حذروا والدها لإجبارها على التزام الصمت. وقالت علياء، “لا أحب الحكم الإسلامي، ولكني لا أحب وجود الجيش الوطني الليبي في مدينتنا أيضاً.” وتابعت القول، “أشعر بالخوف. أخشى أن يطرق الجيش الوطني الليبي بابي الآن، إذ سيسلمني والدي لهم عن طيب خاطر.”