أعلن فايز السراج، رئيس وزراء ليبيا ورئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، يوم السبت الموافق 17 ديسمبر 2016، تحرير مدينة سرت رسمياً من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد قتالٍ دام ثمانية أشهر. وبعد يومٍ واحد، أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجومٍ إنتحاري في مدينة بنغازي، مما أسفر عن مقتل 7 جنودٍ من الجيش الوطني الليبي وجرح ثمانية. واعتبر الهجوم وسيلةً من قِبل التنظيم لإثبات أن نشاطه في ليبيا لا يزال قائماً بالرغم من خسارة سرت.
فقد احتل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مدينة سرت في مايو 2015، في حين أطلقت عملية تحرير المدينة، التي سُميت بالبنيان المرصوص، في مايو 2016 من قِبل قوات حكومة الوفاق الوطني، بدعمٍ من القوات الجوية الأمريكية وقوات مشاة البحرية الأمريكية التي انضمت للعمليات في الأول من أغسطس بقصفٍ استهدف دباباتٍ ومركباتٍ تابعةً لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” كان ضلوع القوات الأمريكية حاسماً في تحرير سرت، إذ نفذت 492 ضربةً جوية ضد أهداف لـ”داعش” من الأول من أغسطس وحتى الخامس من ديسمبر، وذلك وفقاً للبنتاغون. وبحلول شهر يونيو، أعلنت السلطات الليبية أن حوالي 70 مقاتلاً من مقاتلي التنظيم الإسلامي قتلوا منذ بداية العمليات.
وفي واحدٍ من المستشفيين الميدانيين اللذان أقيما على خط الجبهة في سرت، وصفت الصحفية الإيطالية من قناة الجزيرة، فرانشيسكا مانوتشي، محنة الأطفال الذين خرجوا من تحت الأنقاض، والذين كانوا يعانون من الجفاف والجوع والجروح بسبب الضربات الجوية وفقدانهم والديهم. ولم يكونا فقط أطفال المدنيين، بل أيضاً أطفال مقاتلي “داعش” من ليبيا وتونس وسوريا والعراق ونيجيريا. كما تم خلال المعارك اكتشاف عبيدٍ للجنس، ينحدر العديد منهم من إريتريا واللذين خطفوا في السودان.
وفي مقابلةٍ له مع Fanack، أخبرنا ماتيا توالدو، وهو زميل بارز في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن عملية تحرير سرت تشكل “انتكاسة سيئة،” لتنظيم الدولة الإسلامية، إذ كان هذا “يمثل وجودهم الإقليمي الوحيد في شمال افريقيا بأكملها.” وأخبرنا محمد الجارح، وهو باحث غير مقيم مع مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، أن هزيمتهم في سرت هي “خسارة كبيرة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” لأن الأمر برمته يتعلق بالأرض.” وأضاف “فقدوا السيطرة الإقليمية على ليبيا، ولكن هذا لا يعني أنها نهاية أنشطة التنظيم.” وقال الجراح أنه من المهم جداً أن نعرف أنه بينما تم تعيين حكومة الوفاق الوطني باعتبارها مالكة السُلطة على عملية سرت، إلا أن العملية بدأت دون موافقة حكومة الوفاق الوطني. وأضاف “أعلنوا أنهم مسؤولون عن العملية بعد ثلاثة أسابيع فحسب من اندلاع القتال. وبعد العملية، أرادوا مجلساً بلدياً منتخب ديمقراطياً، وعيّن القائد العسكري الحاكم العسكري. بدت الأمور على خير ما يرام، إلا أنّ الحقيقة على أرض الواقع كانت مختلفة، هناك قلقٌ يشوب الأمر.”
وفي 12 ديسمبر، نظمت اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية في ليبيا، الإنتخابات البلدية لمدينة سرت في العاصمة طرابلس. عميد بلدية سرت المنتخب الجديد هو مختار المعداني، الذي كان قد تم تعيينه عمدةً في الصيف الماضي من قِبل رئيس الوزراء المقيم في البيضاء، عبد الله الثني. وبعد ذلك بيومين، عيّن قادة العملية أحمد أبو شحمة حاكماً عسكرياً لسرت، مما خلق غموضاً حول مستقبل إدارة المدينة. وسرعان ما أرسلت فرق إزالة الألغام إلى المدينة لإبطال المتفجرات التي لم تنفجر والتي خلفها مقاتلوا داعش.
ووفقاً لمحمد الجارح، يواجه مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ثلاث فرصٍ محتملة: “يمكنهم التوجه جنوباً من أجل التجهز وتنظيم الصفوف، أو إعداد الخلايا النائمة في المدن الليبية للقيام بالعمليات الإرهابية التقليدية، أو عبور الحدود للانضمام إلى الجهاديين الآخرين في المنطقة.” وأضاف الجارح أنّ إعادة تنظيم الصفوف والتجمع بعد عبور الحدود قد لوحظ بالفعل عام 2014 في مدينة درنة، شرق ليبيا، عندما تراجع مسلحوا “داعش” للانضمام إلى مجلس شورى شباب الإسلام، وهي الحركة التي بايعت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر 2014. أما بالنسبة لمقاتلي “داعش” الذي هزموا في سرت، يقول الجراح “أنهم قد ينون الانضمام إلى جماعة بوكو حرام، على سبيل المثال.” من جهةٍ أخرى، قد يؤدي الهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة في بنغازي، والذي تم في 18 ديسمبر، إلى الاعتقاد بأن الخيار الثاني، الذي ذكره محمد الجراح، قد أخذه التنظيم بعين الإعتبار بالفعل، على الرغم من أنّ مثل هذه التفجيرات حاضرة في بنغازي منذ أكثر من عام. وأوضح ماتيا توالدو لـFanack، أنه “على عكس سرت، لا يُسيطر التنظيم حصراً على أي منطقة [في بنغازي] إلا أنه يتعاون مع جماعاتٍ أخرى، سيما مع مجلس شورى ثوار بنغازي الذي يضم أنصار الشريعة، وهي منظمة مُدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية للأمم المتحدة.” وأضاف “للأسف، لم يكن الهجوم بالسيارة المفخخة هذا الأسبوع، الهجوم الأول. فقوات حفتر [خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي منذ عام 2015] إدعت تحرير المدينة عدة مرات، ولكن لا يزال هناك وجودٌ لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وغيرها من الجماعات.”
ومن الجدير ذكره أن ليبيا تخوض صراعاً على السُلطة ما بين برلمانيين متنافسين منذ منتصف 2014: المؤتمر الوطني العام في طرابلس من جهة، ومجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق من جهةٍ أخرى. فهزيمة حكومة الوفاق الوطني لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سرت لا تعني أيضاً أنه سيتم الإعتراف بشرعيتها لإدارة البلاد من قِبل السكان. وأوضح توالدو قائلاً “لا تحظى حكومة الوفاق الوطني بالشعبية بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالاحتياجات الملموسة مثل الكهرباء، والسيولة في المصارف، ومنع عمليات الخطف، والخدمات بشكلٍ عام.” وأضاف “لا يمكن للإنتصار في سرت أن يطمس هذه المشاكل.” ومن وجهةٍ نظرٍ على المدى الطويل، قد تؤدي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى المزيد من العنف والمشاكل في ليبيا. ويقول الجارح “الآن، ومع خروج العدو المشترك من الصورة، يمكن للفصائل الليبية أن تعاود قتال بعضها البعض مجدداً، الأمر الذي من شأنه أن يجلب المزيد من عدم الاستقرار. ليبيا تحتاج إلى حكومة واحدة؛ سُلطة واحدة، وإلا ستبقى دائماً نواةً للإجرام والجهادية.”
يشاركه توالدو ذات الرأي “تُنهي مرحلةً أولى من الفوضى ما بعد حُكم القذافي، وتفتح مرحلةً جديدة يمكن أن تشهد اقتتال القوات التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية بين بعضها البعض مجدداً.” وأضاف توالدو أنه في حين حاربت مدينة مصراتة الليبية في الشمال الغربي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سرت، قاتلت القوات بقيادة حفترفي مدينة بنغازي. وهو يرى أن قوات حفتر، لقربها من سرت، يمكنها أن تحاول التحرك غرباً، إذ يعتقد أن هذا “قد يؤدي إلى تصادمٍ مع مصراتة.” ويُضيف “من جهةٍ أخرى، هناك سببٌ للاعتقاد أن حفتر سيرغب في الإقدام على هذه الخطوة ما لم يشعر أنه لن يضطر إلى الانخراط في معركةٍ كبيرة حيث تمتلك قوات مصراتة اليد العليا. ولكن حتى حينئذٍ، سيحاول عقد تحالفاتٍ مع الجماعات المسلحة غرب ليبيا، ويمكن لهذه الجماعات الشروع في اشتباكاتٍ مع ميليشياتٍ أخرى، مما يؤدي إلى توليد المزيد من العنف والفوضى في البلاد.”
وفي الوقت الذي يوشك فيه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على إعادة تنظيم صفوفه في ليبيا أو غيرها من الدول، يمكن إضافة الخوف من إندلاع المزيد من الاشتباكات بين الفصائل المتناحرة في البلاد إلى الخوف من الهجمات الإرهابية المستمرة. وهنا يُسلط توالدو الضوء على أن “الجهادية في ليبيا كانت موجودة قبل وجود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” فقد بدأت عام 1990 ومن غير المحتمل أن تختفي مع اختفاء التنظيم.”