وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اجراءات غير كافية لمواجهة الاستعباد الجنسي الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية

Islamic State and sexual slavery
فاطمة، 33 عاماً(يسار) ودينا، 13 عاماً (يمين) من الطائفة اليزيدية العراقية، كانت من أسرى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. مخيم خانكي للاجئين في دهوك، كردستان العراق, 12 نفمبر 2015. Photo Alfred Yaghobzadeh/Polaris

الاستعباد الجنسي هو استغلال النساء (والأطفال) لأغراض جنسية وقسرية. وهي ممارسة أدانها وجرمها القانون الدولي بعد المصادقة على ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998. وعلى الرغم من ذلك التجريم، فإن حالات الاستعباد الجنسي في تزايد حيث أتخذت العديد من أشكال الاتجار بالنساء وترويج المواد الإباحية والبغاء القسري والاتجار بالأفراد لأغراض جنسية. وقد وصل هذا النوع من الاستغلال إلى ذروته في الآونة الأخيرة في ظل ممارسات الدولة الإسلامية التي تستهدف النساء والقاصرات.

إلا أن تنظيم الدولة الاسلامية لا يعترف بممارسته الاستعباد الجنسي ويقدم تبريرات دينية لقيامه بذلك العمل. في هذا السياق، ذكرت وسائل الإعلام وقائع مروعة حول الاستعباد الجنسي للمرأة من قبل الدولة الإسلامية المتطرفة، ومع ذلك لم تكن هناك إجراءات كافية لإدانة تلك الممارسات ومكافحتها، خصوصا من قبل كبار علماء الدين من جميع أنحاء العالم.

والمثال الأكبر على الاستعباد الجنسي للنساء والفتيات هو حالات الرق التي تعرض لها نساء الأقلية الدينية اليزيدية في العراق، حيث تعرض ما يصل الى 5270 من الفتيات والنساء اليزيديات إلى الاختطاف في عام 2014، وهناك ما لا يقل عن 3144 من اليزيديات ممن لا يزلن محتجزات حتى تاريخ شهر أيلول 2015، وذلك وفقا لتصريحات شخصيات بارزة في الطائفة اليزيدية. أما السبب الرئيسي التي يقدمه تنظيم الدولة الإسلامية حول ممارساته للاستعباد الجنسي هو أن هؤلاء الفتيات والنساء كفار واستعبادهم منصوص عليه في القرآن. يذكر أن مثل تلك الممارسات كانت قد حصلت في سوريا وليبيا ونيجيريا (حيث قامت ما تسمى بمجموعة بوكو حرام التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية باستعباد النساء المسيحيات في نيجيريا). بالتالي فإن هناك نمط ممنهج من الاستعباد الجنسي يشكل جزءا مما يعتقد تنظيم الدولة بأنه سلوك صحيح تجاه المرأة. ويتعزز هذا النمط بفرض الحجاب الكامل لجسم المرأة، وحظر الاختلاط بين الجنسين، واستبعاد المرأة من شؤون الحياة العامة، وهو ما يعتبره التنظيم في حد ذاته شكل من أشكال التعبير عن احترام المرأة. وعلى الرغم من إدانة معظم النساء المسلمات في جميع أنحاء العالم لمثل هذه الممارسات، فإنها على ما يبدو مقبولة من قبل معظم نساء تنظيم الدولة الإسلامية.

في هذا السياق، سن تنظيم الدولة الإسلامية تشريعات متشددة وأعلن أنه يشرع في إحياء ما يسميه بسنة الرق (السبي). وباعتباره “ممارسة إسلامية أصيلة،” فإن ذلك يضفي شرعية على عمليات اختطاف ورق النساء والقاصرات أو أسيرات الحرب أو ممن تم إعدام أزواجهن. وبناء على هذا التفويض اللاهوتي الذي يزعمه التنظيم، شكلت تجارة النساء والفتيات اليزيديات بنية تحتية دائمة للتنظيم، مع وجود شبكة من المستودعات التي يحتجز فيها الضحايا في غرف يتم فيها تفتيش النساء والفتيات ووضع علامات عليهن (ويتم عرضهن في مزادات كالأنعام). هذا بالإضافة إلى أسطول الحافلات التي يستخدمها التنظيم في نقل ضحاياه من الفتيات والنساء.

ويقوم تنظيم الدولة بممارسة الاستعباد الجنسي بشكل عالي التنظيم والتخطيط بحيث يستخدم عدة وسائل وأساليب منها مرافق الاحتجاز المؤقتة وعقود بيع النساء التي يتم توثيقها من قبل المحاكم التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. كما يجري بيع النساء الأسيرات وإجبارهن على الحمل قسرا حتى يلدن أطفالا مسلمين على حد ظن التنظيم أو إرغامهن على الزواج من مقاتلي تنظيم الدولة واعتناق الإسلام. ويتم ارتكاب تلك الأعمال وسط إعدامات جماعية لطوائف دينية بأكملها. كما طور التنظيم بالفعل بيروقراطية كاملة من الاستعباد الجنسي، والذي يستخدم إلى جانب مسوغات “معاقبة” الكفار “والتقرب من الله” في تجنيد مقاتلين ذوي خلفيات محافظة تعتبر فيها ممارسة الجنس العرضي من المحرمات.

ويستند هذا التبرير الذي يسوقه تنظيم الدولة على قراءة ضيقة وانتقائية لآيات القرآن تعطي شرعية للعنف والاغتصاب، مدعين بأن تلك الممارسات هي غذاء للروح، بل وأنها من الأعمال الفاضلة. ويتعزز ذلك المفهوم من خلال وجهة نظر ذكورية سائدة تعتبر فيها مشاعر الحب عند المرأة أمرا خطيرا لأنها “تمنع” الرجل من “التقرب إلى الله.” وما يقوم به التنظيم هو إضفاء الطابع المؤسسي على العبودية من خلال تسليط الضوء على نصوص من القرآن يمكن بسهولة تفسيرها بشكل حرفي ومجتزأ من سياقها الحقيقي.

وقد يتساءل المرء عن مدى دور القانون الدولي لحقوق الإنسان أو الشريعة الإسلامية في التعامل مع مسألة اغتصاب النساء بشكل ممنهج واستعبادهن في القرن الواحد والعشرين باسم الإسلام وتحت الراقبة الدولية. وبصرف النظر عن الحسابات الالكترونية والصور المؤججة للمشاعر على شبكة الإنترنت، لم تكن هناك إجراءات كافية لوقف عمليات الاغتصاب والاستعباد الجنسي وطمس تنظيم الدولة لهويات النساء وإنسانيتهن. فغياب ردود الفعل الغاضبة عنصر رئيسي لأنه يبسط من مسألة الاتجار بالنساء ويضفي شرعية عليها.

كما لم تتخذ الأمم المتحدة أية خطوات ملموسة لإنقاذ النساء والفتيات اليزيديات المختطفات. في المقابل، يخاطر بعض النشطاء المحليين كأمثال العراقي ينار محمد في سبيل تيسير طرق الهروب وتوفير الملاجئ اللازمة للنساء المتحررات من الاختطاف. في حين لم يصدر الزعماء الدينيون حتى الآن سوا تنديدات ذ ات وقع ضعيف ودون تنسيق لأية جهود، وذلك يعود بشكل رئيسي إلى تردد هؤلاء الزعماء في إثارة مسائل دينية حساسة. حيث أن هناك حاجة ماسة إلى مراجعة تفسير الآيات القرآنية التي تتناول موضوع السبي في الإسلام.

كما تبرز الحاجة إلى إنقاذ النساء اللواتي يتعرضن بشكل يومي للاسترقاق الجنسي من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. وتبرز الحاجة أيضا إلى القضاء على آفة تنظيم الدولة الإسلامية بكل الوسائل المعقولة والتأكيد على هذا الأمر. فليس هناك من منطق إنساني يقبل باغتصاب الفتيات والنساء لمجرد أنهن يمارسن ديانة مختلفة ولأن ممارسة الاستعباد الجنسي تجعل من المتطرفين “أقرب إلى الله.” في الوقت نفسه، من المرجح أن يجد الكثير من الشباب في ارتكاب الجرائم المنظمة والبشعة دون وجود عقاب رادع مصدر إلهام لهم لتبني القيم المتطرفة والمتعصبة التي يطبقها تنظيم الدولة الإسلامية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles