وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ما مدى قوة تنظيم الدولة الإسلامية؟

ولايات تنظيم الدولة الإسلامية وهجوم فيها بين 29 يونيو 2014 و22 يونيو 2015.
ولايات تنظيم الدولة الإسلامية وهجوم فيها بين 29 يونيو 2014 و22 يونيو 2015.
© Fanack 2015

بتاريخ 29 حزيران من عام 2015، احتفل تنظيم الدولة الإسلامية بمرور عام كامل على ارتكابه للفظاعات الوحشية والمآسي التي يدفع ثمنها المدنيون بشكل رئيسي. ورغم تصدر تلك الفظاعات المشهد في وسائل الإعلام، من المهم أن نتفحص مدى القدرة الحقيقية التي يمتلكها تنظيم الدولة الإسلامية.

ففي 26 حزيران من عام 2015، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية ثلاث هجمات توزعت في ثلاث قارات؛ في تونس والكويت وفرنسا. حيث استهدفت الهجمات منتجعا سياحيا ومسجدا شيعيا ومنشأة للغاز الصناعي وخلفت عشرات القتلى والجرحى، إلا أنه لم يتأكد بعد فيما إذا كان للتنظيم أي دور في تلك الهجمات. وبتاريخ 25 حزيران من نفس العام، شن التنظيم هجمات في شمال سوريا تسببت في نزوح حوالي 60 ألف شخص في محافظة الحسكة ومقتل أكثر من 150 شخص، وذلك عندما دخل التنظيم إلى كوباني / عين العرب من جديد.

وقبل ذلك بأيام، أعلن التنظيم صك عملة الدينار الذهبية التي من المفترض أن تبلغ قيمة تداولها 139 دولار أمريكي – وهي رسالة أكثر قوة ووقعا لتدل على مدى السيادة التي يتمتع بها التنظيم. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أفاد مؤخرا في مقابلة مع قناة عراقية أن الجيش العراقي خسر عددا كبيرا من الأسلحة التي استولى عليها التنظيم خصوصا عندما سيطر على مدينة الموصل في شهر أيار من العام 2014. وتذكر تقارير بأن تلك الأسلحة شملت أكثر من 40 دبابة من طراز M1A1 و 74 ألف بندقية آلية وحوالي 52 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز M198 و2300 عربة همفي.

إلا أنه إذا أمعنا النظر في تطورات شهر حزيران من عام 2015، سنجد أن مسار التنظيم الإرهابي غير معبد بالانتصارات بالكامل. فقد خسر التنظيم منطقة تل ابيض في سوريا عندما طردته قوات وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) وحلفائها خارج المدينة بتاريخ 16 حزيران بعد أيام من محاصرة التنظيم لبلدة صولوك. وبعد ذلك بأسبوع، استولت تلك القوات الكردية على قاعدة عسكرية كانت تابعة للتنظيم في منطقة أيان عيسى، وهي مدينة تقع على بعد 50 كيلومترا فقط من مدينة الرقة، العاصمة الفعلية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. كل تلك الخسائر كانت استراتيجية بالفعل لأنها تعني أن الرقة قد فقدت أول خطوط دفاعها. في نفس الوقت، أحرز تحالف المعارضة السورية المسلحة تقدما ملحوظا في سبيل إغلاق معبر باب السلامة، وهو طريق إمدادات مهم للتنظيم على الحدود التركية، وذلك من خلال سيطرة المعارضة السورية على قرية البال في شمال محافظة حلب بتاريخ 12 حزيران.

وفي العراق، يحصد التنظيم بالتأكيد مكاسب في محافظة الأنبار بعدما استولى على عاصمتها الرمادي في منتصف شهر أيار من عام 2015، مع أنه كان قد خسر في وقت سابق مناطق في محافظتي ديالى وصلاح الدين شمال بغداد.

أما في ليبيا، فيواجه التنظيم قوات فجر ليبيا الإسلامية، وحكومة طبرق (التي يسيطر عليها خليفة حفتر)، والميليشيات المرتبطة بالقاعدة والتي حققت جميعها مكاسب كبيرة خصوصا في مدينتي درنة وسرت اللتان كانتا تحت سيطرة التنظيم سابقا. فدرنة التي شهدت بعض جرائم التنظيم الوحشية والمروعة لهذا العام، بها اليوم أول دوريات مرور وترفع العلم الليبي لأول مرة منذ سنوات.

Syrian refugees return to the Syrian town of Tal Abyad from Turkey
لاجئون سوريون يعودون من تركيا الى بلدة تل أبيض في سوريا عبر البوابة الحدودية في 22 يونيو 2015 بعد ان تمكنت الميليشيات الكردية من ابعاد تنظيم الدولة من المدينة. Photo Muslum Etgu / Anadolu Agency

وفي اعتراف ضمني، أقر المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي بعنوان “يا قومنا أجيبوا داعي الله” بخسائر التنظيم لكنه ذكر مستمعيه بأنه لن يهزم، قائلا: ” قد يخسر المجاهدون معركة أو معارك، وقد تدور عليهم الدوائر فيخسرون مدناً ومناطق، إلا أنهم لا يهزمون أبداً.” كما دعا الميليشيات في ليبيا وأفغانستان إلى عدم قتال التنظيم بل والوقوف إلى جانبه. ثم دعا إلى تعبئة الناس في كل من المملكة العربية السعودية ولبنان والأردن قبل أن تتكرر السيناريوهات اليمنية والعراقية والسورية في بلدانهم والتي سيطر فيها الشيعة (الروافض) على حد قوله على زمام الأمور في تلك الدول.

هذا التغير في خطاب تنظيم الدولة الإسلامية، والذي كان يسعى سابقا إلى تمجيد التنظيم وتقديمه على أنه لا يقهر، يوحي بمدى جدية خسائره هذه المرة. كما أن دعوات التنظيم لتجنيد المزيد من المقاتلين للانضمام إليه يعني نقص المقاتلين لديه، خصوصا بعد التقارير التي أفادت بأن عدد الانتحاريين في تراجع بعد أن فر الكثير منهم من صفوف التنظيم. ووفقا لمسؤولين أمريكيين، فقد قتل حوالي 10 آلاف مقاتل من التنظيم في الأشهر التسعة الماضية خلال الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك كله، يبقى تنظيم الدولة الإسلامية قوة لا يستهان بها في كل الأحوال. فقد نجح عن طريق حملات التواصل والتسويق الوحشية وأساليب التلاعب في تجنيد عشرات آلاف المقاتلين من مختلف الخلفيات الديموغرافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية. كما أنه قادر على نشر دعاية التطرف العنيفة الخاصة به تحت مسمى “الجهاد الإسلامي.” كما نجح في توسيع نشاطاته خارج نطاق بلاد الشام، مهد انطلاقته، بل وأنشأ مؤخرا في روسيا ما يسمى بولاية القوقاز تحت إمرة أبو محمد القدري. أما أصول التنظيم فقد بلغت مع نهاية عام 2014 ما يقدر بملياري دولار أمريكي.