فوضى عارمة، هذا حال اليمن في مايو 2015، بعد ستة أسابيع من الغارات الجوية السعودية في الشمال والقتال الشرس بين المليشيات في الجنوب. المنازل والمطارات والملاعب والمصانع والمدارس والمساجد والمشافي والأسواق جميعها تعرضت للتدمير. بكلمة أخرى دُمرت الحياة. البلاد، البائسة بالفعل قبل عاصفة الحزم السعودية، دمرت بالكامل.
“سنعاني من الجوع في القريب العاجل إذا لم يفعل العالم شيئاً لتوفير الوقود والأطعمة الأساسية والماء” كتبت إمرأة شابة يمنية. هذه ليست مبالغة، فقد جعل الحصار البحري والجوي السعودي الاستيراد أمراً مستحيلاً، حيث أن اليمن تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية.
هناك من يستطيعون شراء كميات كبيرة من الأطعمة بأسعار مبالغ بها، أما من يعانون الفقر المدقع يقفون على حافة هاوية المجاعة. وما بينهما هناك العديد ممن لم يعانوا من الجوع بعد ولكن يخشوا أن يحدث ذلك سريعاً. “سألت إحدى الصديقات عن طريقة صنع الخبز في حال اضطررت للقيام بذلك” قالت إحدى السيدات.
هذا في حال تمكنت من إبقاء النار مشتعلة، إذ بات غاز الطهي نادراً في العديد من المناطق. ناهيك عن البنزين والديزل، حيث أن انقطاع الوقود يعني عدم وجود وسائل للنقل. وهذا يعني عدم وجود مولدات، وعدم وجود المولدات يعني عدم وجود خدمات المستشفيات، وعدم وجود التبريد اللازم للأدوية، وعدم وجود أضاءة أو حتى اتصالات. “كيف سيعرف العالم عنا؟” يتساءل الناس على تويتر وفيسبوك بينما لا تزال خدمة الانترنت متوفرة.
وهم محقون بطرح الأسئلة، إذ تصل غالبية الأخبار من اليمن إلى العالم الخارجي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالكاد يتواجد أي مراسلين أجانب على أرض الواقع، إذ يعاني الصحفيين المحليين للبقاء على قيد الحياة، في حين أن بعض الصحف المحلية لم تعد تصدر، وفي حال صدرت، فإنها تمثل هذا الجانب أو ذاك. وينطبق هذا أيضاً على محطات التلفزيون.
وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل الإعلام السعودية والإقليمية أن العملية تسير شكلٍ جيد جداً، وهذا غير صحيح إذ لم يحقق التحالف أياً من أهدافه (الرسمية) لاستعادة الشرعية (المزعومة) للرئيس عبد ربه هادي منصور، وإعادة الحوثيين إلى أراضيهم، وتأمين الاستقرار في المنطقة. فقد راهنوا على فصل جماعة الحوثي عن حليفهم، الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإجبارهم على الجلوس على طاولة المفاوضات. حتى الآن، لم يحصل أياً من هذا القبيل، وفي نهاية المطاف لم تكن عاصفة الحزم حازمة.
وعلى العكس تماماً، سيطر الحوثيون المتمردون وحلفائهم على معظم مدينة عدن الجنوبية، وبدأوا الآن بقصف القرى السعودية عبر الحدود الشمالية، إذ بالكاد نرى أي علامات على هزيمتهم. كما أن تحالف الحوثي أيضاً خلّف ورائه العديد من القتلى وبخاصة في مدينة عدن حيث توجد المليشيات المحلية، التي تدافع عن المدينة عوضاً عن دعم هادي حيث يخوضون حرب شوارع ضارية ضد الحوثيين.
أما في صنعاء، تعرضت مخازن الأسلحة التي تقع في مناطق سكنية مكتظة إلى القصف من قِبل الطائرات الحربية السعودية. ولم تقتل الغارات الحوثيين فقط، بل أيضاً السكان الذين يقطنون تلك المناطق. يلقي البعض باللوم على تحالف الحوثيين الذي عمد على إخفاء الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان، بينما يُلقي البعض الآخر باللائمة على السعوديين الذين يقتلون الأبرياء. “نتجول بين الموتى” هذا ما كتبه أسامة عبدالله، أحد المدونيين اليمنيين. لم يعد البعض يتحمل الأوضاع أكثر من ذلك، وباتوا يستجدون المساعدة على الفيسبوك للخروج من البلاد. “لا يمكنني البقاء ليلة واحدة هنا. أريد الخروج من هنا في الحال”.
وحتى الآن لم ينجح بذلك. وحتى وإن كنت تمتلك الوسائل، فإن مغادرة البلاد أمر مستحيل تقريباً فقد تم تدمير مطاري عدن وصنعاء، ولم يعد هناك أي رحلات قادمة أو مغادرة. وعلى عكس المدوّن على الفيسبوك، يدفع عدم وجود رحلات جوية إلى اليمن آخرين إلى الشعور باليأس. الآلاف من اليمنيين عالقون خارج البلاد، وغالبيتهم في مصر، حيث كانوا يخضعون للعلاج الطبي مع إندلاع الحرب وهم يرغبون بالعودة، ليكونوا إلى جانب عائلاتهم وفي بلادهم.
من جهةٍ أخرى، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مؤخراً “نداءً عاجلاً” لجمع 274 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً. وعرضت المملكة العربية السعودية تغطية النفقات بأكملها، إلا أن الفكرة لم ترق ولم يتفهمها الجميع. “وكأنها تحاول التعويض عن خطاياها” أشار البعض. في حين قال البعض “لو أنهم لم يقوموا بقصفنا في المقام الأول، لما كنا بحاجتهم”.
ومن غير المستغرب، كان هناك ردود فعل مماثلة عندما أعلنت السعودية استبدال عاصفة الحزم بعاصفة عودة الأمل. وقد أوضح المدون هيكل بافانا، بنوعٍ من السخرية، سبب تسمية العملية بهذا الاسم حيث قال “لاستعادة الأمل السعودي في هذه الحرب غير الاستراتيجية التي شنتها دون أهداف على اليمن”.
في الواقع، ماذا تبقى من اليمن السعيد كما كان يُسمى؟ المباني باتت تحت الأنقاض وهذا أيضاً حال نسيج المجتمع. وستكون المهمة هائلة لرأب الانقسامات العميقة بين الموالين للحوثيين ولهادي، والحوثيين وقبائل مأرب، والحوثيين والجنوبيين، والجنوبيين والشماليين من غير الموالين لجماعة الحوثي إلا أنهم ضد الانفصال، وحتى بين الجنوبيين أنفسهم، عدا عن ذكر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية اللذان يعدان المستفيدين الأكبر من هذه الفوضى.
وماذا عن العلاقة المضطربة بين اليمن وجارتها؟ يتوجب على التحالف السعودي تحقيق هزيمة كاملة للحوثيين وحلفائهم للقضاء على خطر إنتقامهم من هذا الجانب. وحتى آنذاك، هناك العديد من اليمنيين الذين على الرغم من عدم دعمهم لجماعة الحوثي يعارضون بشدة التدخل السعودي.
تريد المملكة العربية السعودية ضمان الاستقرار في جارتها. ولهذا، تحتاج إلى القوة أو الأصدقاء. وفي الوقت الحالي في اليمن، لا تمتلك السعودية ما يكفي من أي منهما. وتحتاج إلى إرسال عشرات الآلاف من القوات البرية على درجة عالية من التدريب لتتمكن من تحقيق النجاح أمام مقاتلي الحوثي الأشداء.
حتى الآن، لا المملكة العربية السعودية ولا حتى حلفائها مستعدون، نفسياً وعسكرياً لهذا، ولكن قد يتغير الأمر بعد طلب الحكومة اليمنية شبه الشرعية من الأمم المتحدة دعم استخدام القوات البرية الأجنبية. ويبقى أن نرى إذا ما كان هذا سيكون الحل أم أنه سيعني المزيد من المشاكل.