وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأمم المتحدة متهمة بالانحياز للنظام في جهود الإغاثة في سوريا

سوريا
المساعدات الانسانية المرسلة من قبل الأمم المتحدة يتم توزيعها في مدينة جسرين الواقعة تحت سيطرة الثوار في منطقة شرقي الغوطة في دمشق، سوريا، السابع من مارس 2016. Photo Amer Almohibany

في يونيو 2016، أصدرت المنظمة غير الحكومية مجموعة “حملة سوريا،” ومقرها بيروت، تقريراً تتهم فيه الأمم المتحدة بفقدانها “قيم النزاهة والاستقلالية والحياد،” المعروفة عنها منذ أمدٍ طويل، في الحرب الأهلية السورية من خلال السماح للنظام السوري، عملياً، بالسيطرة على مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية. وخلص التقرير الاستقصائي الذي تتضمن إجراء مقابلاتٍ مع العشرات من موظفي الأمم المتحدة (الحاليين والسابقين)، إلى أن بشار الأسد يمتلك السُلطة السيادية الوحيدة لتوزيع وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة بالحرب. وبالتالي، مكنّ برنامج مساعدات الأمم المتحدة، ربما كرهاً، النظام من الاستفادة من الحصار كسلاحٍ في الحرب. وذكر التقرير أيضاً أنه في عام 2015، ما يقرب من 90% من طلبات الأمم المتحدة تقديم مساعدات الإمدادات الإنسانية، إما رُفضت من قِبل النظام أو أعيد توجيهها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ساعدت هذه الحادثة، عن غير قصد، في تعزيز حكم الأسد، إذ ظل الرأي العام في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام منصاعاً، بغض النظر عن معاناة النظام من استنزافٍ في المقاتلين الذكور في بيئته العلوية بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت به في سنوات الحرب الخمس وإلى الآن.

وبالإضافة إلى ذلك، في أغسطس 2016، نشرت صحيفة الجارديان تقريراً استقصائياً أظهر مجموعة من العقود التي منحتها بعثة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إلى الحكومة السورية والجمعيات الخيرية المرتبطة بعائلة الرئيس السوري ودائرة المقربين منه.

ووفقاً للجارديان، كجزءٍ من برنامج مساعداتها لسوريا، دفعت بعثة الأمم المتحدة في دمشق مبالغ طائلة لرجال أعمالٍ مثل رامي مخلوف– ابن خال بشار الأسد وأقرب معاونيه، والذي تخضع شركاته لعقوباتٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- بالإضافة إلى جمعياتٍ خيرية أنشأها شخصيات من النظام، مثل أسماء الأسد، زوجة الرئيس. ردت الأمم المتحدة بالقول أن نافذة تعاونها مع المنظمات غير الحكومية المحلية محدودة جداً، وأنه لا يسمح لها سوى بالتعاون مع عدد قليل جداً من الشركاء الذين توافق عليهم مسبقاً رئاسة الجمهورية. وبالإضافة إلى ذلك، تدعيّ الأمم المتحدة أن هدفها تمثّل في التركيز على أهمية “الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المدنيين المعرضين للخطر.” كما ذكرت المنظمة في قائمة مبرراتها صعوبة الوصول إلى شركاء يمكنهم التعاون في المناطق المحاصرة أو المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة.

ومع ذلك، خلال تحليلها للعقود التي منحتها الأمم المتحدة منذ بدء العملية عام 2011، وجدت الجارديان، على سبيل المثال، أن منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (WHO)، أنفقت أكثر من 5 مليون دولار على إمدادات الدم لبنك الدم الوطني السوري، الذي تُسيطر عليه وزارة الدفاع التابعة للنظام. ومع ذلك، أعربت منظمة الصحة العالمية عن مخاوفها من احتمال توجيه هذه الإمدادات إلى العكسريين أولاً ومن ثم إلى المدنيين، بدلاً من أن تصل بشكلٍ مباشر إلى المحتاجين. ولم تتخذ المنظمة أي إجراءاتٍ ملموسة في هذا الصدد. وعلاوةً على ذلك، وفي أعقاب عملية القمع التي شرع بها النظام، والتي بدأت عام 2011، اعتمد الاتحاد الأوروبي عدداً من التدابير التقييدية ضد سوريا وخصوصاً وزارة الزراعة والفلاحة السورية، بما في ذلك، من بين أمورٍ أخرى، فرض حظرٍ على استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية. وبالرغم من ذلك، ذكرت صحيفة الجارديان أن الأمم المتحدة دفعت أكثر من 13 مليون دولار للحكومة السورية في محاولةٍ لتحسين الفلاحة والزراعة. كما دفعت ما لا يقل عن 4 ملايين دولار لمورد الوقود المملوك للحكومة.

وعلاوة على ذلك، أقامت الأمانة السورية للتنمية، وهي مجموعة من المنظمات تعمل ضمن القطاع الخيري للحكومة، والتي أسستها وترأسها أسماء الأسد شخصياً، شراكاتٍ مع وكالتين من وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وتلقت ما يُقدر بـ8,5 مليون دولار، بينما زوجة الأسد نفسها تندرج ضمن قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. بل تلقى أيضاً رامي مخلوف، مالك ورئيس جمعية البستان الخاضع أيضاً لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، دفعةً بقيمة 267,933 دولار من اليونسف. مخلوف، التي وصفته برقيات دبلوماسية أمريكية سربها ونشرها موقع ويكيليكس بـ”صورة صبي الفساد السوري،” يمتلك أيضاً شبكة “سيريتل” للهاتف المحمول والذي حصل أيضاً على ما يُقدر بـ700 ألف دولار أمريكي من الأمم المتحدة لتطوير قطاع الاتصالات في البلد الذي مزقته الحرب. في المقابل، فإن غالبية العاملين في وكالات الأمم المتحدة في سوريا هم من مسؤولي الوزارات السوريين السابقين المعروفين بولائهم التام للنظام.

وتظهر نتائج تحليل تقرير الجارديان لوثائق الشراء الخاصة بالأمم المتحدة، أن عدداً لا يُحصى من وكالاتها أقامت شراكاتٍ تجارية مع ما لا يقل عن 258 شركة سورية أخرى، إما مملوكة للنظام أو لأشخاص تابعين للنظام، قامت فيها بدفع مبالغ متفاوتة تتراوح ما بين 30 ألف دولار إلى 54 مليون دولار.

وصرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة لصحيفة الجارديان أن مبلغاً طائلاً من الأموال (حوالي 9 مليون دولار) دُفعت بين عاميّ 2015 و2016 لفندق فور سيزون في دمشق، والذي استضاف وفد موظفي الأمم المتحدة، ذلك أنه يعتبر البقعة الأكثر أمناً في المدينة. ومع ذلك، فإن ثُلث الفندق مملوكٌ لوزارة السياحة في سوريا؛ وزارةٌ تخضع أيضاً لعقوبات الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لتصريحاته، كان أمام الأمم المتحدة خيارين: إما شراء الخدمات والسلع من شركاتٍ قد تكون تابعةً للحكومة أو أشخاص تابعين للنظام، أو ترك المدنيين دون مساعداتٍ تنقذ حياتهم. وفي هذه الحالة، كان قرار الأمم المتحدة لإلتزام بواجبها لمساعدة المدنيين في محنتهم. ومع ذلك، أدى هذا القرار في نهاية المطاف إلى موت آلاف المدنيين من سوء التغذية ونقص المساعدات الطبية.

تدافع الأمم المتحدة مراراً وتكراراً عن عملياتها في سوريا وتصر على حياديتها. دفع هذا الجدل ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إلى مخاطبة الجارديان في سبتمبر الماضي في رسالةٍ خطابية أصر من خلالها على حقيقة أن وكالات الأمم المتحدة “ينبغي أن تعمل مع الوزارت الحكومية الرئيسية لدعم تقديم الخدمات العامة والإغاثة الإنسانية.” وأضاف أنه في بعض البلدان مثل سوريا، تطلب الأنظمة الحاكمة أن تتعاون الأمم المتحدة مع قائمة من “الشركاء المعتمدين،” فحسب. ومع ذلك، قال أن الأمم المتحدة التزمت بمثابرتها المهنية واختارت شركائها بعناية من القائمة، بناءً على تقييم قدراتهم على تحقيق ذلك. وأضاف أيضاً أن الأمم المتحدة ليست ملزمةً بالتقيد بعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأنها تلتزم بالعقوبات المفروضة من الأمم المتحدة فحسب. ومع ذلك، واصل مجموعة من مسؤولي الأمم المتحدة والدبلوماسيين السابقين ورئيس منظمة هيومن رايتس ووتش، الإعراب عن مخاوف جدية حول الطريقة التي يبدو أن دمشق تقوم من خلالها بتوجيه جهود الإغاثة إلى جانب الاستفادة من هذه الصفقات.

ومع ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الناس ممن بحاجة إلى مساعداتٍ يقبعون في المناطق المعارضة للنظام والتي يُسيطر عليها الثوار، حيث يُعتبر موقف الأمم المتحدة مخيباً للآمال، إذ لا يبدو أن النظام أو حتى منظماته المحلية المفوضة للشراكة مع الأمم المتحدة، تُدرك المبادىء الإنسانية للنزاهة والاستقلالية والحياد.

وعلاوةً على ذلك، وصف الدكتور رينود ليندرز، الخبير بالدراسات الحربية في جامعة “كينغز كوليج” اللندنية، في رسالةٍ إلى الجارديان في أواخر أغسطس 2016، أن جهود إغاثة الأمم المتحدة لسوريا والبالغ قيمتها 4 مليارات دولار حتى اليوم “مفلسة أخلاقياً.” فقد كتب أن وكالات إغاثة الأمم المتحدة “سلمت طواعية عقود شراءٍ مربحة لأعوان النظام،” الذين بدورهم قدموا كل الدعم ومولوا في بعض الأحيان قمع ووحشية النظام، التي أججت بدايةً الصراع وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم. ووفقاً لليندرز، عندما وجهت انتقاداتٌ للأمم المتحدة فيما اعتبره فشلاً ذريعاً في معالجتها للأزمة الإنسانية السورية، ألقى مسؤولوا الأمم المتحدة باللائمة، بصورة روتينية، على نقص الموارد. أو كما يقول ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية: نظام الأمم المتحدة مُفلس وليس مُعطل.

وفي سبتمبر، وكرد فعلٍ على نتائج الجارديان، قررت أكثر من 70 منظمة من منظمات الإغاثة تعليق التعاون مع مختلف وكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا. كان هذا نتيجة ذروة الإحباط بين المنظمات غير للحكومية المحلية العاملة في المناطق المعارضة للحكومة حول إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في البلاد. طالبت منظمات الإغاثة بـ”تحقيقٍ فوري وشفاف،” بعملها بسبب مخاوف كبيرة حول تأثير الرئيس السوري “الخطير والجوهري،” على جهود الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.

واحتجاجاً على العمل الذي قامت به وكالات الأمم المتحدة، قررت منظمات الأغاثة، من بينها منظمات سورية معروفة على نطاقٍ واسع مثل الجمعية الطبية الأمريكية السورية (SAMS) والدفاع المدني السوري أو ما يُعرف بـ”الخوَذ البيضاء،” الانسحاب من برنامج مشاركة المعلومات مع الأمم المتحدة. كما خاطبت منظمات الإغاثة الـ73 الأمم المتحدة برسالةٍ نوهت من خلالها رفضها التساهل مع “التلاعب بالمعونات الإنسانية بحسب المصالح السياسية للحكومة السورية، التي تحرم السوريين الآخرين في المناطق المحاصرة من الاستفادة من خدمات تلك البرامج”.

وفي الرسالة التي وجهت إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أوضحت مختلف جماعات الإغاثة أن الهدف وراء “آلية (كل سوريا) لمشاركة المعلومات أنشئت لمنع أو تقليل حصول ثغراتٍ في الإغاثة، عن طريق تضمين جميع الجهات الفاعلة التي تقدم الإغاثة عبر الحدود، لكن الوكالات التابعة للأمم المتحدة، التي تتخذ من دمشق مقراً لها، وشريكها الهلال الأحمر السوري، كانت هي من يتخذ القرار النهائي، الذي يأتي متأثراً سياسياً بنفوذ الحكومة السورية”.

ولا تزال الجماعات تواصل ضغوطاتها على الأمم المتحدة للمساعدة في منع النظام من استخدام الحصار والتجويع كـ”سلاح حرب.” إلا أنّ الأمل ضئيل باتخاذ وكالات الأمم المتحدة، المتمركزة في دمشق، موقفاً حازماً في النطاق الأوسع لانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري، أم أنها ستكون قادرةً على حماية المدنيين من التهجير القسري من مناطق معينة تُسيطر عليها المعارضة، مثل ضواحي دمشق.