وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

من يحكم في الجزائر بعد 57 سنة من الاستقلال؟

Algeria- demonstration algeria
شرطة مكافحة الشغب الجزائرية يعترضون مظاهرةً طلابية في 14 مايو 2019، مع استمرار الاحتجاجات الأسبوعية في العاصمة الجزائر للمطالبة بالإطاحة بـ “النظام.” Photo AFP

استولى الجيش على الحكم في الجزائر مباشرةً بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1962. وفي عام 1965، انقلب العقيد هواري بومدين، قائد أركان الجيش، على الرئيس بن بلة آنذاك وتولى رئاسة الجمهورية إلى غاية وفاته سنة 1978. ليتولاها بعده عام 1979 وزير الدفاع العقيد شادلي بن جديد ثم في عام 1994 وزير الدفاع الجنرال اليمين زروال.

ويعتبر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أول رئيسٍ مدني للجزائر، الذي تولى الحكم سنة 1999 ولكن برضى ودعم من المؤسسة العسكرية. بدأ بوتفليقة عهده بإطلاق مبادرة قانون الوئام المدني لإطفاء نار الفتنة التي عرفتها الجزائر خلال عشرية سوداء. ومع بداية عهدته الثانية أطلق بوتفليقة قانون المصالحة الوطنية سنة 2005 ليقترن اسمه بالسلم والأمن والمصالحة في الجزائر التي بدأت تستعيد أمنها وعافيتها منذ وصوله سدة الحكم.

منذ مجيء بوتفليقة للحكم، عمل على سيطرة الحكم في يده حيث اشترط أن تكون نسبة انتخابه عالية جداً ليتمكن من فرض نفسه داخل النظام من منطلق الشرعية الشعبية. بعدها بدأ يعمل على إحكام قبضته على المؤسسة العسكرية لأنه يعرف جيداً أنها هي من ستضمن استمراره في الحكم واستطاع أن يكسب ولاءها من خلال كسب دعم اللواء أحمد قايد صالح ومن معه من قائدة القوات والنواحي العسكرية، والإطاحة بأبرز معارضيه فيها وكان ذلك بداية من سنة 2004 عندما أحال قائد أركان الجيش الفريق محمد العماري على التقاعد بسبب دعمه للمرشح علي بن فليس الذي ترشح ضد بوتفليقة في الإنتخابات الرئاسية. في نهاية المطاف، عيّن بوتفليقة اللواء صالح خلفاً للعماري سنة 2005 وأصبح الحليف الأول له في مؤسسة الجيش.

كما استطاع بوتفليقة أن يسيطر على الساحة السياسية من خلال تطويع من استطاع تطويعه وإقصاء المعارضين له حيث استولى على أحزاب السلطة وأضعف المعارضة وخلق لها الانشقاقات والتصحيحيات، واشترى ذمم البعض منها بأن أدخلهم للحكومة ومكنهم من تأسيس أحزاب سياسية أصبحت فيما بعد من أبرز وجوه الموالاة لحكمه.

قام بوتفليقة بإضعاف كل المؤسسات في الجزائر وجعلها أجهزة داعمة لحكمه ومهللة باسمه حيث امتطى حزب جبهة التحرير وأصبح رئيساً له منذ سنة 2005، وروض المعارضة من الأحزاب الديمقراطية والإسلامية وغيرها، وجعل من النقابات العمالية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وسيلة للتعبئة السياسية له ولبرنامجه. وفي مقابل ذلك شهدت فترة حكم بوتفليقة انتعاشاً محسوساً في سوق النفط العالمية، وتمكنت السلطة من استخدام عائدات المحروقات لإطلاق العديد من المشاريع العمومية في مختلف القطاعات مثل النقل والأشغال العمومية، والري والسكن وغيرها مما جعل من الجزائر ورشة كبيرة استفاد فيها بعض رجال الأعمال من مشاريع وصفقات عمومية ضخمة بدعم من محيط الرئيس أكسبتهم أموالاً طائلة فأصبح لهم نفوذ كبير أدخلهم دائرة صناعة القرار، فأصبحوا يرشحون الموالين لهم في البرلمان بغرفتيه ويتدخلون في تعيين ولاة ووزراء ومسؤولين كبار في الدولة.

في عام 2008 قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعديل الدستور من أجل أن يسمح لنفسه بالاستمرار لعهدةٍ ثالثة في الحكم. بعدها تعرض لجلطة دماغية سنة 2013 أثارت شكوكاً كبيرة حول قدرته على تسيير البلاد، إلا أنها لم تمنعه من الترشح لعهدة رئاسية رابعة فاز فيها بالأغلبية سنة 2014. في خضم هذه المرحلة ومع معاناة الرئيس من المرض، فرض شقيقه ومستشاره الخاص سعيد بوتفليقة نفسه على الساحة السياسية، حيث أخضع الجيش لعدة تغييرات أهمها تولي أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش سنة 2013 لمنصب نائب وزير الدفاع وهو الشخص المعروف بولائه لبوتفليقة، كما قام بإحالة رئيس المخابرات الجنرال محمد مدين (توفيق) على التقاعد سنة 2015 لأنه كان من بين الذين عارضو استمرار بوتفليقة في الحكم لعهدة رابعة.

وما فعله سعيد بوتفليقة مع الجيش فعله مع حزب جبهة التحرير الوطني، أين قام بإحكام قبضته عليه من خلال إفراغه من مناضليه الحقيقيين ودعم الكثير من الدخلاء وأصحاب المال الفاسد لتولي القيادة ونفس الشيء كان مع باقي الأحزاب مثل التجمع الوطني الديمقراطي وتاج والحركة الشعبية الجزائرية.

يعود طرح سؤال من يحكم الجزائر لزمنٍ بعيد، ويستمر طرحه إلى الآن، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها الجزائر في الوقت الحالي. وبحسب مقالٍ منشور على الموقع الالكتروني لقناة الجزيرة بتاريخ 7 مارس 2019، فقد تمكن المثلث المتكون من عائلة الرئيس بوتفليقة وبعض الجنرالات، سياسيين وبعض رجال الأعمال يشكلون جميعهم دوائر متشابكة وأحادية المركز من إدارة شؤون السلطة في الجزائر.

خلال الـ20 سنة الماضية، كان القطب الأول من هذا النظام هو عائلة الرئيس بوتفليقة، حيث أن بوتفليقة منذ توليه الحكم قرّب أفراد عائلته وجعلهم مستشارين له وأصبح لهم نفوذ كبير داخل النظام بتدخلهم في تعيين المسؤولين ومنح الامتيازات لرجال أعمال. أما الجيش فهو القطب الثاني في نظام الحكم، وحالياً الرجل الأقوى هو قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح. حيث أن جهاز المخابرات الآن تتباين الآراء حوله بشأن الدور السياسي الذي يلعبه في الجزائر منذ إحالة الجنرال محمد مدين “توفيق” على التقاعد في سنة 2015.

تعد مجموعة أصحاب المصالح القطب الثالث المكون لثالوث السلطة في الجزائر، حيث شجع نظام بوتفليقة على ظهور رجال أعمال نافذين لا يخفى على أحد علاقتهم بالنظام في الجزائر، ومن أمثلتهم علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات سابقا، وكذلك رجل الأعمال رضا كونيناف وإخوته، الذي يتصدر قائمة أثرياء الجزائر.

ومع إعلان بوتفليقة عن نيته في الترشح لعهدة خامسة مع بداية فبراير 2019 حتى بدأت المسيرات الرافضة له والداعية إلى إسقاطه وإسقاط نظام حكمه، ومع ضغط الشارع من خلال المسيرات الحاشدة والمليونية التي ينظمها ومطالب الجيش بضرورة الاستجابة لم يجد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عاماً، وحاشيته من مخرج سوى الاستقالة مجبراً في الثاني من أبريل، وذلك خضوعاً للضغط المتزايد الممارس من القوتين السابقتين (الشعب والجيش).

على الرغم من أن استقالته كانت نهاية أطول حكمٍ في شمال إفريقيا، إلا أنها لم تحل المأزق السياسي. وبالرغم من اعتقال العددي من رجال الأعمال المقربين من النظام، بما في ذلك اعتقال رئيس منتدى المؤسسات علي حداد ثم الإخوة كونيناف، واستقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز وأخيراً إنهاء مهام الأمين العام لرئاسة الجمهورية حبة العقبي، إلا أنه يبدو أن الجزائرين، في الوقت الحالي، عالقون ببقايا هياكل سلطة بوتفليقة.

وعلاوةً على ذلك، يستمر صراع الجنرالات في الجزائر، إذ لا يمكن الفصل بين إقالة رئيس جهاز المخابرات اللواء عثمان طرطاق والصراع المستمر منذ عقود بين جهاز المخابرات وقيادة أركان الجيش، لا سيما أن هاتين الجهتين تلعبان دوراً كبيراً في إدارة شؤون البلاد وثرواتها منذ الاستقلال، هذا الدور الذي عاد للواجهة منذ بداية الحراك الشعبي.

في خضم هذه الإضطرابات، أثبت صالح أنه شخصية براغماتية للغاية الذي لا يتحرج من التخلي عن الأصدقاء أو الإطاحة بالخصوم. فقد أصبح الآن في مركز اللعبة السياسية والعسكرية في البلاد، فهو من يدير البلاد حالياً في ظل هذه المرحلة الانتقالية ويبقى السؤال مطروح إلى أين ستصل طموحات الجنرال القوي؟

أخيراً، يمكن القول أن بوتفليقة استلم السلطة وبقيّ فيها بدعمٍ من العسكر. وخلال العقدين التاليين، استطاع أن يقلص من نفوذ العسكر ويركز الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية. ولربما أن المفارقات أن الرفض الشعبي الواسع لترشحه لعهدةٍ خامسة منح مرةً أخرى العسكر بسط سيطرتهم على مقاليد الحكم في الجزائر.