انتشر الفساد وتفشى في جميع المجالات والأنشطة، ومنها المجال الرياضي، إذ أصبح الفساد مرادفاً للعمل الرياضي، وهذا بسبب المبالغ المالية الضخمة التي يتم تداولها في مختلف الرياضات.
تمثل كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في الجزائر، وهي رياضة معرضة للفساد بشتى أشكاله، ففي تقرير لموقع بي بي سي نشر على موقعها في سبتمبر 2018 تحدث التقرير كيف يتم ترتيب مباريات كرة القدم في الجزائر بسهولة بالغة في مختلف الدرجات والأصناف. فقد أصبحت الرشوة وترتيب المباريات من الممارسات العادية التي تعرفها البطولة الجزائرية لكرة القدم، إلى الحد الذي أدى إلى تبني “قائمة أسعار” شبه رسمية تحدد المبالغ المالية الواجب دفعها لشراء ذمم الحكام واللاعبين والمسؤوليين عن النوادي والرياضة الجزائرية حسب أهمية المباراة.
وحسب نفس التقرير، فالكل يعرف كيف تسيير الأمور فيها، لكن لا أحد يجرؤ على اتخاذ أي إجراء بحق المفسدين، ورغم التطرق المستمر لعديد قضايا الفساد من طرف الإعلام المحلي ومسؤولي النوادي، إلا أن الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لم تحرك ساكناً رغم تبنيها لشعار تطهير كرة القدم الوطنية من مختلف أشكال الفساد.
ومع اقتراب انتهاء البطولة الوطنية لكرة القدم بدرجتيها الأولى والثانية في يونيو 2019 والوصول لتحديد البطل والفرق المعنية بالسقوط للدرجات الدنيا والفرق المعنية بالصعود للدرجات العليا، تبلغ درجة ترتيب المباريات ودفع الرشاوي أوجها.
فقد أكد عبد المالك قوقام، مدرب فريق رائد القبة ضمن بطولة الدرجة الثانية لكرة القدم، أن عديد الأطراف من مسؤولي الفرق المنافسة على الصعود وأطراف خارج اللعبة حاولوا الاتصال بلاعبيه من أجل إقناعهم بالتخلي عن اللعب النظيف وترتيب المباراة لصالح بعض الفرق. هذه التصريحات تضاف إلى تصريحات سابقة لمجموعة من الرؤساء والمسؤولين عن النوادي الجزائرية ومن أمثلتهم رئيس اتحاد عنابة عبد الباسط زعيم، الذي كشف في تصريحاتٍ صحفية مثيرة عن تورطه في عمليات ترتيب نتائج المباريات لضمان صعود فريقه إلى الرابطة المحترفة الثانية.
ومن بين أشهر التصريحات تلك التي أدلى بها السيد محمد زرواطي، رئيس فريق شبيبة الساورة في الدرجة الأولى الجزائرية لكرة القدم، بتاريخ 25 مارس 2019 على قناة وطنية، اتهم فيها جهات وطنية ومسؤولين في قطاع الشباب والرياضة بالفساد الرياضي من خلال استعمال النفوذ واستغلال الوظيفة مستنداً على عدة وثائق. كما أشار كذلك إلى أن طريقة انتخاب خير الدين زطشي على رأس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم تمت بطريقة غير شرعية، واصفاً إياها بالتعيين من طرف وزير الشباب والرياضة السابق الهادي ولد علي أكثر من كونها انتخاباً.
أدت مزاعمه إلى تحرك الإتحاد الدولي لمكافحة الفساد الرياضي واتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص عديد ملفات الفساد الرياضي والتي من أهمها الطريقة غير الشرعية في انتخاب زطشي. لا يزال التحقيق مستمراً ولم يتم الإعلان عن أي نتائج حتى الآن.
من أوجه الفساد الرياضي في الجزائر نجد كذلك ظاهرة تناول المنشطات، وعلى وجه الخصوص مادة القنب الهندي والكوكايين. ففي تقرير للموقع الالكتروني الإخباري آخر ساعة الذي صدر أواخر يناير 2019 تطرق التقرير إلى أن جميع الرياضات في الجزائر تنخرها المخدرات والمنشطات، وأن هذه الظاهرة تعود بداياتها إلى عام 2001. فقد تم معاقبة العداء الأولمبي الجزائري سعيدي سياف من طرف الرابطة الدولية لألعاب القوى بسنتين بسبب تناوله مواد منشطة محظورة تمكن فيما بعد من إثبات براءته منها. كما تمت معاقبة الثنائي زهرة بوراس، العداءة الأولمبية اختصاص 800 متر، والعربي بورعدة، المختص في منافسات العشاري، لسنتين بسبب المنشطات وذلك على أبواب الألعاب الأولمبية بلندن سنة 2012.
وبالمثل، فإن البطولة الوطنية لكرة القدم تعج بعدة حالات لتناول المخدرات. فيوسف بلايلي، لاعب اتحاد العاصمة سابقاً، تم معاقبته بأربع سنوات من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بسبب تناولة للكوكايين، ونفس الأمر بالنسبة للاعب مولودية الجزائر هشام شريف الوزاني الذي عوقب بسنتين لتناوله نفس المادة المحظورة.
وفي هذا السياق كشف رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المنشطات السيد رضوان مكشر أن 1,33% من الرياضيين الذين أخضعوا لفحوصات تناول المنشطات في سنة 2016 كانت نتيجة اختبارهم إيجابية، وهي نسبة أكبر من تلك المسجلة على المستوى العالمي والمقدرة بـ 1,20%. وفي سعيها للتقليل من ظاهرة المنشطات في الرياضة الوطنية، رصدت الجزائر مبالغ مالية معتبرة للقيام بالتحاليل وأخذ العينات لفحصها، ومن أمثلة ذلك ما تقوم به للاعبي الدوري المحترف لكرة القدم بقسميه حيث تخصص مبلغ يقدر بـ 30 ألف دولار أسبوعياً لإخضاع 64 لاعباً للتحاليل في كل جولة.
وبصرف النظر عن كرة القدم، تمثل مشاركة الوفود الرياضية الجزائرية في مختلف المحافل الرياضية الدولية نوعاً آخر من أنواع الفساد المتفشي في الرياضة الوطنية، وكمثال على ذلك مشاركة الوفد الجزائري في الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو البرازيلية سنة 2016. فقد تزامنت هذه الدورة مع إطلاق عدة تصريحات إعلامية في حق مسؤولين بالرياضة الجزائرية متهمة إياهم بالفساد وخيانة الأمانة وتحويل الأموال الموجهة لدعم الرياضيين إلى غير ذات الأهداف التي رصدت من أجلها.
ومن أمثلة ذلك التصريح الناري الذي أطلقة البطل الأولمبي في سباق 800 و1500 متر العداء توفيق مخلوفي، حيث اتهم القائمين على الرياضة الجزائرية بالفساد وخيانة الأمانة والإهمال وتحويل المشاركة في مثل هذا المحفل الدولي إلى رحلة سياحية أضرت بسمعة الجزائر.
هذه التصريحات تمر دائماً مرور الكرام ولا يتحرك لها المسؤولون على الرياضة الجزائرية من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة لذلك، حيث رفض الوزير السابق للشباب والرياضة الهادي ولد علي عند استقباله للوفد العائد من الأولمبياد فتح أي تحقيق بخصوص تلك التصريحات، مؤكداً على إجراء تقييم شامل وهادئ لهذه المشاركة التي اعتبرها إيجابية ومشرفة.
كانت تصريحات الوزير ولد علي منسجمة مع تصريحات كل من رئيس اللجنة الأولمبية مصطفى بيراف ورئيس الوفد الجزائري المشارك في الأولمبياد عمار براهمية. ومع ذلك، يبدو أنها محاولة لامتصاص الغضب وموجة الانتقادات لهذه المشاركة المخيبة.
وفي عالم كرة القدم، قلل رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم السيد خير الدين زطشي من ظاهرة ترتيب وشراء المباريات في البطولة الوطنية بمختلف مستوياها، معتبراً أنها ظاهرة عالمية ولا تقتصر على الجزائر فقط، كما وصف التقارير الإعلامية حول الفساد الرياضي بأنها فارغة ولم تحمل أي جديد. وعلاوةً على ذلك، أرجع السبب في عدم تحرك الاتحادية من خلال فتح تحقيق إلى عدم وجود الأدلة المادية التي يستند إليها، داعياً الأطراف التي تحوز على هذه الأدلة إلى تقديمها من أجل مباشرة الإجراءات القانونية رفقة السلطات القضائية المختصة.
مع استفادة العديد من الأشخاص مادياً من الفساد، فمن غير المحتمل أن يقوم أحدٌ بتقديم أي أدلة.