وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تهاوي حركة فتح

Mahmoud Abbas
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقائد سابق لحركة فتح في قطاع غزة محمد دحلان في مدينة رام الله, 18 ديسمبر/كانون الأول 2006 Photo AP /Kevin Frayer

منذ وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات نهاية عام2004 بات واضحاً للعيان بأن حركة فتح قد بدأت تفقد بريقها رويداً رويداً كحركة تحرير شعبية، وأن هناك من يزاحمها على رفع راية الصعود للمراكز الأولى وتبوء المركز الأول التي كانت قد حافظت عليه في قلوب الفلسطينيين على مدى أكثر من أربعة عقود.

وبعد وفاة عرفات خلفه رفيق دربه القديم محمود عباس (المعروف أيضاً بأبو مازن) ليتبؤ منصب أمين عام حركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت حركة فتح بحاجة إلى شخصيات من ذوي الكفاءة الذين من شأنهم الحفاظ على هيبتها ومكانتها، بعد أن كانت في الماضي وعلى مدى سنوات طويلة ترفع من شأن من ينضم إليها بغض النظر عن مستواه وقدراته الفردية.

وفي عام 2006، خسرت فتح الانتخابات التشريعية الفلسطينية في أول عرس ديمقراطي تشهده البلاد أمام غريمها الإيديولوجي الرئيسي، حركة حماس. آنذاك، أرجع الكثير من المحللين السياسيين فوز حركة حماس إلى الضعف والوهن الذي أصاب حركة فتح بسبب عدم ضخ قيادات وكفاءات شابة تعيد الحيوية داخل أطرها التنظيمية المختلفة. وعلى حدّ قولهم، عكست نتائج هذه الإنتخابات استياء الرأي العام الفلسطيني بشكلٍ عام وجماهير حركة فتح على وجه الخصوص من قيادة الحركة.

حالة خيبة الأمل من نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية إنعكست في المؤتمر السادس للحركة في أغسطس عام 2009 حيث أفرزت نتائج المؤتمر واقع جديد ببروز عدد لا بأس به من القيادات التي قاربت أو تجاوزت الستون عاماً من العمر والتي مازالت تسمى “شابة” حسب المفهوم داخل أطر حركة فتح. وكان من الواضح أن الرعيل الأول في حركة فتح لم يترك مساحة لعدة عقود من الزمن لمواكبة الأجيال وإعطاء الفرصة للقيادات الشابة في تبوء مراكز صناعة القرار داخل الحركة.

الانقسام

ومن بين أولئك الذين لطالما بقوا خارج إطار دائرة قيادات فتح، محمد دحلان. وعلى الرغم من فوز محمد دحلان بعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، إلا أن دحلان أثناء إنعقاد المؤتمر نفسه بدأ في شن هجوم لاذع على الرعيل الأول ومنهم أبو مازن. كيف لا وقد كان دحلان قد شن هجوما لاذعاً ضد رمز الوطنية الفلسطينية بنظر العديد من الفلسطينيين ياسر عرفات نفسه عام 2003.
كان واضحاً للعيان بأن دحلان يريد إزاحة عباس لأخذ مقعده في المستقبل القريب، الأمر الذي لم يغفل عنه أبو مازن قط، مما حدى بمحمود عباس (من مواليد عام 1935) بعد فترة وجيزة من المؤتمر إلى إزاحة محمد دحلان ليس فقط من مركزية حركة فتح وإنما فصله بشكل نهائي من الحركة. فضلاً عن ذلك، تمت محاكمة دحلان فيما بعد غيابياً والحكم عليه بالسجن سنتين بعد إدانته بالتشهير في عام 2014، كما فتحت السلطة الفلسطينية تحقيقاً في مزاعم فساد ضد دحلان في أواخر العام المنصرم.

حالة طرد دحلان وعدد من مؤيده من حركة فتح تعكس حالة من عدم الرضا من قبل قيادات شابة ترفض أن يتم تجاوزها من قبل الرعيل الأول للحركة. في الواقع، يعتبر دحلان ظاهرة حقيقية موجودة داخل المستويات العليا لحركة فتح والتي تنتظر فرصة إقتناص الفرصة وإزاحة من تبقى من الرعيل الأول. ولا تزال هذه الظاهرة موجودة وبخاصة في قطاع غزة.
بدون أدنى شك فالمؤتمر السابع لحركة فتح الذي كان محدداً له أن يُعقد نهاية شهر يناير/ يوليو لهذا العام، والذي تأجل الى أجل غير مسمى بسبب الخلافات الجمة بين أعضاءه، يحمل بين طياته ليس فقط تجديداً للطاقات وضخ دماء جديدة، بل يحمل بين طياته أيضاً إستحقاقات ما بعد عباس.

أربعة مناصب مهمة يتم التباحث في شأنها لحقبة ما بعد عباس. رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئاسة السلطة الوطنية ورئاسة المجلس التشريعي بالإضافة إلى رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني التي تقاد من قبل سليم الزعنون الذي تجاوز عمره أيضاً الثماني عقود منذ سنتين.

وبالإضافة إلى تيار دحلان والمجموعة التي يُمثلها، درج ما يسمى في المجتمع الفلسطيني في السنوات الاخيرة الشخصيات المحورية داخل حركة فتح والتي لها الثقل الأكبر في صناعة القرار الفتحاوي الداخلي. هذه الشخصيات كونت فيما بينها تيارات خاصة بها داخل أطر الحركة سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري أو المجلس الإستشاري وحتى داخل قيادات الإقليم والمناطق سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ومن هذه الشخصيات كل من توفيق الطيراوي وجبريل الرجوب ومحمد إشتيه ومحمود العالول وجمال محيسن وحسين الشيخ بالإضافة الى عزام الاحمد الذي تم إستدراجه مؤخراً في إحدى اللقاءات التلفزيونية وإظهاره كمنتقد للرئيس وبالتالي بدأت تضعف قوته. وهناك أيضاً الحاضر الغائب دائما مروان البرغوتي، الذي أعتقل من قِبل السلطات الإسرائيلية عام 2002، صاحب الرؤية الثورية الذي يستطيع تجنيد وحشد عدد كبير خلفه من الإطر المختلفة وخاصة من أطر الحركة في الجذور.

وفي ظل القرارات التي تم إتخاذها في إجتماعات اللجنة المركزية كان هناك تصميم من قبل رئيس حركة فتح محمود عباس بتحديد عضوية المؤتمر السابع بألف عضو فقط، موزعين كالتالي: حوالي 200 عضو يمثلون أعضاء اللجنة المركزية ومجلسي الثوري والإستشاري، وحوالي 100 عضو يمثلون المكاتب الاقليمية، بالإضافة الى حوالي 400 عضو يمثلون المكاتب الاقليمية في الضفة الغربية، وحوالي 300 عضو يمثلون مكاتب قطاع غزة.
والآن تتنافس الشخصيات المحورية في فتح من أجل استقطاب دعم المشاركين في المؤتمر. ومع ذلك، تكمن المعضلة الحقيقية في عملية إستقطاب الأعضاء الذين سوف تفرزهم الإنتخابات الأولية في قطاع غزة. حيث تشير التوجهات بالإضافة إلى إستطلاعات الرأي الداخلية بأن غالبية الأعضاء التي يمكن أن تفرزهم الإنتخابات في قطاع غزة من ضمن الموالين لمحمد دحلان، وبدون أدنى شك استطاع دحلان المحافظة على أنصاره في قطاع غزة ومدهم مالياً في فترة تم أهمالهم من قبل رئاسة حركة فتح في الضفة الغربية.

ومن المفترض أن تقوم المكاتب الاقليمية لحركة فتح في غزة، كحال المكاتب الإقليمية الأخرى في أي مكان، بانتخاب ممثلين عنها في المؤتمر السابع، ولكن علّقت شخصيات قيادية في حركة فتح في الضفة الغربية العملية برمتها إذ لم يتم عقد سوى مؤتمرين للأقاليم داخل قطاع غزة من أصل سبعة أقاليم، حيث لم تفز الشخصيات الموالية لتيارات الضفة الغربية بالنتائج المرجوة بالرغم من أنّ تلك القيادات سمحت بعقد هذين المؤتمرين فقط بعد ضمان أن رجال دحلان سيخسروا المعادلة.

المتتبع للشأن الفتحاوي في فلسطين يرى بأن الحركة تتأكل بشكل منهجي وأصبح الولاء للذات أكبر بكثير من الولاء للحزب ومستقبله. هنا يطرح السؤال نفسه: ماذا سيحصل في حال أصاب الرئيس عباس أي مكروه؟

ولو أفترضنا أن هناك ما بين ثلاث إلى أربع تيارات مختلفة داخل حركة فتح تعمل جاهدة على الإستحواذ على المناصب الأربع المذكورة سابقاً، سيكون هناك إنشقاقات مُحكمة في الحركة، مما سيؤدى إلى بقاء حركة حماس كأقوى قوة على الساحة الفلسطينية.