وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ختان الإناث في مصر: قوانين أكثر صرامة ضد “العادة الاجتماعية.”

palestine-human-rights-activists-demonstrat-against-virginity-tests-fanach-hh1024px
نشطاء يتظاهرون ضد دعوة أحد المُشرعين خضوع الطالبات لفحصٍ للعذرية قبل قبولهنّ بالجامعات. Photo AP

صدر في أواخر سبتمبر 2016، تسجيلٌ صوتيّ ينطوي على تصريحاتٍ مثيرة للجدل على لسان عضو البرلمان المصري، إلهامي عجينة، حيث صرّح بضرورة خضوع الطالبات لفحصٍ للعذرية قبل دخولهنّ الجامعات.

وفي وقتٍ سابق من الشهر نفسه، أثار الجدل بادعائه ضرورة خضوع الفتيات للختان، أي إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية للفتاة لـ”التقليل من الشهوة الجنسية.”

فقد جادل البرلماني أن الرجل المصري ضعيف، وبالتالي لا يستطيع تحمّل إمراةٍ بشهوةٍ جنسية كبيرة. وجاءت هذه التصريحات رداً على تعديلٍ تشريعي صدر في أغسطس 2016 والذي يفرض عقوباتٍ أكثر صرامة على الممارسين لهذه العادة.

ضرب تعليق عجينة على وترٍ حساس، فوفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن اليونيسيف في سبتمبر 2016، خضعت ما نسبته 87% من النساء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 49 عاماً في مصر للختان، والتي تعدّ واحدة من أعلى النسب في العالم.

ولا يُعتبر عجينة عضو البرلمان الوحيد الذي يُثبت أحقية هذه الممارسة. ففي يوليو 2016، صرح الطبيب والنائب أحمد الطحاوى أن ختان الإناث “ضرورة” من وجهة نظرٍ طبية ودينية. وأضاف الطحاوي “عندما نترك الأنثى من غير ختان، يحدث تلوث فى هذه المنطقة، وإثارة جنسية غير مرغوبة تؤدى إلى مشاكل كبيرة.”

هذا ورفعت التعديلات الأخيرة على قانون ختان الإناث في مصر العقوبة المحتملة بالسجن لمن يمارس عادة الختان من سنتين إلى ما لا يقل عن خمس سنوات وأقصاها سبع سنوات. كما اعتبرت ختان الإناث جناية بدلاً من جنحة، واتسع نطاق المسؤولية الجنائية ليشمل العيادة أو المستشفى حيث يتم إجراء ختان الإناث.وفي حال أفضى الختان إلى “تشوه دائم” أو وفاة الفتاة، ينص القانون على سجن الطبيب لمدة 15 عاماً.

ففي عام 2012، حاول البرلمان الذي كان يُهيمن عليه آنذاك الإخوان المسلمون، إبطال أول قانون يُجرم ختان الإناث، والذي أقر في عام 2008. وفي يناير 2015، شهدت مصر أول إدانة لطبيبٍ أجرى عملية ختانٍ بعد وفاة الفتاة. أمضى الطبيب ثلاثة أشهر في السجن، على الرغم من الحكم عليه بأكثر من عامين.

وفي بيانٍ مشترك، رحبت جماعات الدفاع عن الحقوق الشخصية بالتعديلات التشريعية الأخيرة، إلا أنها أعربت عن مخاوف إزاء سيادة مادة واحدة في القانون التي “تعفي مرتكب الجريمة من العقاب في حال ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم.” ووفقاً للبيان، تسمح المادة للمخالفين بتجنب العقوبة بالإدعاء بوجود سندٍ طبي لإجراء مثل هذه العملية للفتاة.

كما انتقدت الجماعات الحقوقية أيضاً عدم وجود آليات إنفاذٍ واضحة في القانون، ذلك أن التعديلات الجديدة لم تقدم “أي وسيلة للتغلب على مشكلة عدم الإبلاغ عن [الختان].”

من جهةٍ أخرى، يبدو أن انتشار الختان في مصر آخذٌ بالتناقص بشكلٍ بطيء. ففي دراسةٍ أجرتها اليونسف عام 2013، قُدرت نسبة النساء المصريات اللواتي خضعنّ للختان واللواتي تتراوح أعمارهم ما بين 15-29 عاماً، بـ91%. وذكرت نفس الدراسة أنّ 35% فقط من النساء في مصر يؤمنّ بضرورة وضع حدٍ لهذه العادة. ويُظهر هذا الرقم الأخير، سيما في ضوء التصريحات العلنية للنواب، التحديات القائمة لمواجهة مثل هذه العادة. فالبنسبة للغالبية من المصريين، لا يزال ختان الإناث عادةً إجتماعية.

وتؤكد داليا عبد الحميد، من المركز المصري للحقوق الشخصية، هذه العادة الاجتماعية. وقالت لـFanack أن “أكثر من نصف الشابات [تحت سن الـ30] على قناعة باستمرار الختان،” وذلك وفقاً لمسحٍ أجرته وزارة الصحة عام 2014.

كما تنتقد عبد الحميد التشريع الجديد، ذلك أنه “لا يعكس إرادة سياسية حقيقة.” وتقول أنه مع بقاء الختان باعتباره عادةً إجتماعية، لن يكون تغليظ العقوبات الحل. وتُضيف “من غير العادل سجن أفراد الأسر عندما لا يكون هناك برامج لزيادة الوعي.”

وبدلاً من ذلك، تدعو إلى إتباع نهجٍ شامل، مع التركيز على التثقيف والتوعية للتخلي عن هذه العادة. فعلى سبيل المثال، ترغب عبد الحميد في رؤية “برنامج شامل للتوعية الجنسية،” وأن يتم إدراجه في المناهج المدرسية، والذي من شأنه التعامل مع قضايا مثل العنف القائم على أساس الجنس والصحة الجنسية والإنجابية وختان الإناث.

وتشير جميع الدراسات الرئيسية حول هذه العادة في مصر أن التعليم وختان الإناث يرتبطان بعلاقة عكسية قوية. بعبارة أخرى، عندما يكون تعليم المرأة منخفضاً، فإن احتمال خضوعها للختان أعلى بكثير. وإلى جانب ذلك، فإن الختان أكثر شيوعاً في المناطق الريفية مما هو عليه في المدن. ووجدت منظمة الصحة العالمية عام 2008 أنّ معدل انتشار الختان في المدارس الخاصة في المدن بلغ 9,2% فقط، بينما يصل في المدارس الحكومية في الريف إلى 61,7%.

وهناك سببٌ آخر يؤكد أن تشديد العقوبات ليس حلاً بحد ذاته، ذلك أنه “من الصعب جداً الإبلاغ عن الجريمة،” كما تقول عبد الحميد. فغالباً ما تكون الفتاة صغيرة جداً، ويتم الختان بالإتفاق ما بين الأهل والطبيب، وفي أجواء سرية. وتصف عبد الحميد مناخ عدم الإبلاغ باعتباره “يعكس فشل الحكومة في تغيير القناعات،” وتعتقد أن “حواراً اجتماعياً صادقاً” فحسب من شأنه تغيير ذلك.

وإلى جانب ذلك، تنتقد عبد الحميد حملات التوعية الحالية، والتي غالباً ما تركز على الجانب الديني والمخاطر الطبية. كما تُدين “الاحتيال على النساء” في هذه الحملات، والتي غالباً ما تعرض فتيات يبكينّ، مما يُساهم غالباً في وصمة العار التي تُحيط بالختان وتؤدي إلى ثنيّ النساء عن التحدث صراحةً عن هذه المسألة. وتُضيف “لا تنتهي الحياة بعد الختان، ذلك أنه غالباً ما يُسند إلى سببٍ طبي. ينبغي على النساء التحدث عن تجاربهنّ. بعض الفتيات تعرضنّ للأذية، والبعض أقل من ذلك.”

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، يتم تنفيذ 82% من ختان الإناث من قبل الكوادر الطبية المؤهلة. وينبغي أن تعالج حملة التوعية الأسباب الجذرية لختان الإناث، والتي تصفها عبد الحميد بـ”القناعة أن ختان الإناث يحمي استقامة الفتيات.” وتوضح، أنه غالباً ما يخشى الناس في مصر أنّ عدم خضوع الفتيات للختان، سيجعلهنّ يملنّ إلى ممارسة الجنس قبل الزواج. ففي مصر، تعتبر ممارسة الجنس قبل الزواج من المحرمات الكبيرة، كما أن الشكوك حول عذرية الفتاة، في معظم الأوساط الاجتماعية، من شأنه أن يفسد فرصها بالزواج.

وتدعم دراسة صادرة عن وزارة الصحة وجهة نظرها، والتي تُشير إلى أن نحو 45% من النساء بين سن 15-49 عاماً يؤمن أن الختان يمنع الزنا. ومع ذلك، تعتقد أكثر من نصف النساء أنّ ختان الإناث واجبٌ من ناحيةٍ دينية.

وبالنسبة لعبد الحميد، فإن التحدي الأكبر لمواجهة هذه الظاهرة لا يزال يتمثل بالافتقار إلى الإرادة السياسية. ومع دعم أعضاء البرلمان لمثل هذه العادة علناً، يمكننا تفهم الإحباط الذي يكتنفها. ومع ذلك، لا تزال عبد الحميد متفائلة: “التغيير أمرٌ يمكن تحقيقه إذا ما توفرت الإرادة السياسية.” وبالتالي، فإنها تشهد حركة ذات قاعدة شعبية قوية ضد ختان الإناث، والتي قد تكون قادرةً على تعبئة الشباب. وتُضيف “نحن بحاجة إلى بيئة أكثر ديمقراطية، مع وجود حيزٍ للمنظمات والنشطاء المناهضين لختان الإناث.”