غالباً ما تصف إسرائيل نفسها بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فلماذا تحاول الحكومة سحب الإعتماد الصحفي للجزيرة وإغلاق مكتبها في القدس؟
فقد أعلن أيوب قرا، وزير الإتصالات الاسرائيلي، في 6 أغسطس 2017 عن نيته إتخاذ سلسلةٍ من الخطوات تهدف إلى إغلاق منفذ الأخبار القطري المملوك للدولة، ذلك أنه يُستخدم من قِبل الجماعات المسلحة “للتحريض” على العنف، في إشارةٍ إلى مقابلةٍ أجرتها القناة مع إحدى الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي اتهمها رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتحريض على الاضطرابات في محيط المسجد الأقصى في القدس في يوليو 2017.
وجاء هذا الإعلان بعد أسابيع قليلة من فرض تحالفٍ خليجي بقيادة السعودية حصاراً على قطر، وإغلاق قناة الجزيرة كأحد الشروط لرفع العقوبات المفروضة.
ولطالما عارضت إسرائيل قناة الجزيرة، مدعيةً بثها تغطيةً منحازة للصراع والعنف الذي تشهده الأراضي الفلسطينية. وكتب نتنياهو على صفحته على الفيسبوك “توجهت عدة مرات إلى جهات إنفاذ القانون مطالباً بإغلاق مكتب الجزيرة في القدس. وإذا لم يُنفذ هذا الأمر بسبب تحليل قانوني، فسأعمل على سن القوانين المطلوبة من أجل طرد الجزيرة من إسرائيل”.
وانتقد المدافعون عن حرية الصحافة هذه الخطوة، واصفين إياها بالخطوة نحو الراقبة وباعتبارها آخر المؤشرات على تدهور حرية الصحافة في البلاد. وأصدر أوري درومي، مدير نادي الصحافة في القدس، بياناً صحفياً جاء فيه:
“ينظر نادي الصحافة في القدس بقلقٍ إلى إقتراح إغلاق الحكومة الإسرائيلية لمكتب الجزيرة في القدس. هناك سيادة للقانون في إسرائيل، والجزيرة، شأنها شأن أي وسيلة إعلامية أخرى، يجب أن يُطبق عليها القانون. وإلا فإن مثل هذه الخطوة لا تتفق مع كون إسرائيل دولة ديمقراطية تدعم حرية الصحافة.”
كما ذكر في رسالةٍ إلكترونية إلى Fanack “من غير المنصف أن نستضيف مؤتمراتٍ دولية لحرية الصحافة عاماً بعد عام وأن نصمت عندما تتخطى دولتنا الحد.”
وقد عمل درومي كمتحدثٍ باسم الحكومة في عهد اسحق رابين في الفترة 1992-1996، والذي أوضح “سحبت البطاقات الصحفية من الصحفيين الذين انتهكوا الرقابة، إلا أنني لم يسبق أن اتخذت أي إجراءاتٍ ضد وسائل الإعلام التي لم تعجبني تقاريرها. كنت أجادل، وأتصل بالمحرر وما إلى ذلك، ولكن كان يتم ذلك باستخدام الخطاب الوديّ، وليس باستخدام السلطات الإدارية التي كنت أتمتع بها. إن اضطهاد وسائل الإعلام التي لم تخرق القانون أمرٌ خاطىء، إذ يجعل هذا من اسرائيل دولةً مشابهةً لدولٍ أخرى أمثال تركيا أو روسيا.”
وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في لجنة حماية الصحافيين، أن “اسرائيل تمارس الرقابة تحت ستار مكافحة الارهاب منذ فترة طويلة.” وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، قدمت جمعية الصحافة الأجنبية التماساً إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، مدعية أن القوات الإسرائيلية قيدت وصول وسائل الإعلام إلى القدس الشرقية وتعرضت للصحفيين لفظياً وجسدياً. وأصدرت الجزيرة بياناً قالت فيه “أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية الضرورية إذا نفذت [إسرائيل] تهديدها بغلق مكاتبها.”
ومع ذلك، قد يكون من المستحيل تقريباً تنفيذ الحظر، حيث يجب إجراء تعديلٍ على القانون، والذي لا يمكن أن يحدث إلا في نهاية شهر أكتوبر عند إنعقاد البرلمان مرةً أخرى. ويتعين بعدها أن يمر من خلال الوزارات الحكومية وأن يوافق عليه النائب العام، الذي سيتعين عليه أن يقرر ما إذا كان هذا التعديل قانونياً أم إذا ما كان يشكل عائقاً أمام حرية التعبير. وعندها فقط يمكن أن يُعرض مشروع القانون على لجنة الكنيست للمزيد من المناقشات.
وعلاوة على ذلك، فإن معظم مشاهدي الجزيرة في إسرائيل لا يشاهدون بثها عبر شركات الكابلات أو شركات الأقمار الصناعية الوطنية، ولكن من خلال أطباق الأقمار الصناعية الخاصة التي تتلقى بث مئات القنوات من الدول العربية، والتي لا تملك السلطات الإسرائيلية السيطرة عليها.
وفي الوقت نفسه، فقدت سمعة إسرائيل بكونها نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة فيما يتعلق بحرية التعبير للجميع، رونقها.