خالد محمود
هل يتخلى خليفة حفتر عن الجنسية الأمريكية حتى يتمكن من الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في ليبيا؟ قد لا يكون السؤال مطروحا على هذا النحو لحسم مصير المرشح الأكثر حظوظا من وجهة نظر مؤيديه للفوز بنتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في ليبيا قبل نهاية العام الجارى.
السؤال هنا يتعلق بالرجل القوى في شرق ليبيا، المشير خليفة حفتر الذي تنازل مؤخرا عن منصبه مؤقتا كقائد عام للجيش الوطني المتمركز بشرق ليبيا استعدادا لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة على الرغم من احتمال تأجيلها.
ورغم تهديدات بمحاكمته وخضوعه للمساءلة أمام محكمة أمريكية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يبدو أن المشير حفتر في طريقه للتخلي عن الجنسية الأمريكية التي يحملها منذ أكثر من 27 عاما.
وطبقا لما قاله أحد مساعدي حفتر، فإنه بصدد إعلان ترشحه رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية وأيضا تخليه عن الجنسية الأمريكية التي يشترط قانون الانتخابات الرئاسية التي أقرها مجلس النواب الليبي مؤخرا أن يكون المرشح لخوضها لا يحمل جنسية أي دولة أخرى.
لكن المسألة ليست سهلة على هذا النحو، يقول المصدر الذي طلب عدم تعريفه: “لا تقلقنا تطورات القضية المزعومة في المحاكم الأمريكية، القانون الأمريكي لن يستطيع إجبار حفتر على المثول أمامه في قضية كيدية”، على حد تعبيره.
وقال إن الهدف من الدعوى إزاحة حفتر من قائمة المرشحين المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ينتظر حفتر، وفقا لهذا المنطق، إعلانا من مفوضية الانتخابات بشأن تحديد موعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية لتقديم أوراقه. لكن المفوضية نفت في المقابل شائعات عن تحديد الأسبوع المقبل موعدا لهذا الغرض.
جدل الانتخابات
وأقر مجلس النواب التشريع اللازم لتنظيم الانتخابات الرئاسية بقانون يتضمن 77 مادة توضح اختصاصات الرئيس وشروط وإجراءات الترشح والاقتراع.
وتسمح المادة 12 من القانون للمرشح، سواء كان مدنيا أو عسكريا، بالعودة إلى منصبه إن خسر الانتخابات، وهو ما اعتبر بمثابة قانون مفصل خصيصا لحفتر، الذي امتثل لأحد مواد القانون التي اشترطت “التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر”، بعدما كلف أبرز مساعديه ورئيس الأركان العامة للجيش الفريق عبد الرزاق الناظوري بتولي منصب القائد العام للجيش الوطني مؤقتا.
شروط الرئيس المقبل
واشترطت المادة العاشرة من قانون مجلس النواب الليبي فيمن يترشح لمنصب رئيس الدولة ألا يحمّلَ جنسية دولة أخرى عند ترشحه وألا يكون متزوجًا من غير ليبية أو متزوجة من غير ليبي وأن يكون لائقًا صحيًا لممارسة مهام الرئاسة، بالإضافة إلى تقديم إقرار بممتلكاته الثابتة والمنقولة له ولزوجته وأولاده القُصَّر داخل ليبيا وخارجها.
كما تشترط ألا يقل سن المرشح يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية وأن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل أو ما يعادله من جامعة معتمدة وأن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية وألا يكون محكومًا عليه نهائيًا في جناية أو جريمة مخلةٍ بالشرف أو الأمانة.
ويلزم لقبول الترشح لرئاسة الدولة أن يقدم المرشح تزكية من عدد لا يقل عن خمسة الاف ناخب من المسجلين بقاعدة بيانات الناخبين.
حرب الدبيبة
حفتر الذي سبق وعاش في فرجينيا يواجه حاليا اتهامات في أمريكا بانتهاك حقوق الانسان والتورط في جرائم حرب ضد الإنسانية. لكنه وبالضرورة يواجه أيضا حربا معلنة يشنها عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية بصفته وزير دفاعها وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة بالعاصمة طرابلس وأحد أبرز قيادات جماعة الاخوان المسلمين.
باعتباره وزيرا للدفاع، طلب الدبيبة من نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة، والسفارة الليبية في واشنطن، تقديم مذكرة رسمية وطلب فتح تحقيق جنائي لدى دوائر الاختصاص الأمريكية ضد حفتر باعتباره متورطا في تزوير مذكرة من وزارة الدفاع ترفض ربطه بالاتهامات وفقا لقانون العسكري الليبي.
في رسالة الى المنقوش، قال الدبيبة إن المذكرة التي قدمها المحامي لينداسي كاسون للمحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا نيابة عن موكله حفتر مزورة ولم تصدر عن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة واعتبرها بمثابة جريمة تعاقب عليها القوانين الليبية والأمريكية.
دخول المشرى على الخط
نفس الموقف اتخذه تقريبا خالد المشري رئيس مجلس الدولة الموالي لحكومة الدبيبة، حيث بعث برسالة رسمية حملت توقيعه إلى المحكمة الأمريكية نفى خلالها احتمال تعرض المشير حفتر للمساءلة وفقا للقانون العسكري الليبي في حال خضوعه للمحاكمة.
وطبقا لنص رسالة المشري، فإن حفتر لن يكون معرضًا لعقوبة الإعدام في ليبيا في حال خضوعه للاستجواب أمام المحكمة الأمريكية، في نفى إضافي لمذكرة قانونية قدمها دفاع حفتر بالخصوص.
أصل الدعوى
خلال العام الماضي، أقامت عائلتان ليبيتان دعوى مدنية في محكمة اتحادية ضد المشير خليفة حفتر، حيث اتهموه بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان والتعذيب خلال الفترة من 2016 إلى 2017.
وتطالب الدعوى المرفوعة في شرق فرجينيا بتعويضات من حفتر، الذي توجه بعد انشقاقه على نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي إلى الولايات المتحدة خلال الثمانينيات وأمضى نحو ربع قرن مقيما في شمال ولاية فرجينيا، حيث يمتلك ممتلكات واسعة هناك، لكنه يواجه تهما في عدة دعاوى قضائية فيدرالية بالقتل والتعذيب.
تزعم الدعاوى أن مدنيين قتلوا بشكل عشوائي خلال حملات حفتر العسكرية، كما تدعي أنه اشترى وعائلته 17 عقارًا في ولاية فرجينيا بين عامي 2014 و2017، ودفعوا 8 ملايين دولار أمريكى نقدًا.
ورفضت قاضية المحكمة الجزئية الأمريكية ليوني برينكيما مرة أخرى حجة حفتر، وحددت 28 من أكتوبر ٢٠٢١ موعدًا نهائيًا لتقديم الإفادة لتمنح حفتر مهلة أسبوعين للإدلاء بأقواله أمامها كحد أقصى خلال أسبوعين.
وكانت ليوني قد رفضت مزاعم حفتر بالحصانة وسمحت للقضية بالمضي قدمًا، لكنها فصلت نجلي حفتر (صدام وخالد) كقائدي كتائب في الجيش الوطني الليبي، من قائمة المتهمين، علما بأنها وخلال الشهر الماضي، اعترضت على طلب حفتر إلغاء الدعاوى التي تتهمه بارتكاب فظائع حرب، حيث سمحت في المقابل، بتوجيه الاتهامات اليه.
على ماذا استند دفاع حفتر؟
وفي أوراق المحكمة، قال محامو حفتر إن مطالبته بالإجابة على الأسئلة ستجبره على انتهاك القانون الليبي من خلال إفشاء أسرار الدولة وإخضاعه لعقوبة الإعدام.
إحدى الحجج التي قدمها محامو حفتر هي أن المسألة هي “مسألة سياسية” لا تناسب المراجعة القضائية، وأن السماح للقاضي بإبداء رأي بشأن ما إذا كان حفتر قد ارتكب جرائم حرب يتعارض مع قدرة السلطة التنفيذية على إدارة السياسة الخارجية.
وفى السابق، أمرت برينكيما بوقف القضية لمدة 60 يومًا وطلبت رأي وزارة الخارجية الأمريكية حول ما إذا كان السماح للمقاضاة بالمضي قدماً سيتعارض مع الجهود الدبلوماسية.
ورغم أن القاضية الأمريكية أقرت الصعوبات اللوجستية وتوقعت أن يستغرق الأمر سنوات، فإن القضية ستنتقل الى مرحلة أخرى، مما قد يسمح نظريًا باستجواب تحت القسم لحفتر الذي ما زال ينفى معلومات يروجها أعداؤه على نطاق واسع بأنه عمل مع وكالة المخابرات المركزية خلال فترة وجوده في المنفى.
وفى غياب توافق الفرقاء الليبيين على قاعدة دستورية تنظم سير الانتخابات الرئاسية، فإن احتمال تأجيلها يبقى قائما، وربما يتعين التعامل معه على أنّه خبرٌ آخر محتمل ومؤجل إلى حين إشعار لاحق.