وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أشكال بديلة للحكم تزدهر في المناطق التي يُسيطر عليها المتمردون في سوريا

سوريا
في هذه الصورة التي قدمها المجلس المحلي في حلب، عمال يصلحون كابلات الكهرباء بعد غارات جوية، حلب، سوريا. Photo AP

تُمثل المجالس المحلية السورية التي يصفها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بأنها “بديل عن الحكومة المدنية الغائبة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو التي تم تحريرها مؤخراً بما أن المجالس يُديرها السكان الذين يعيشون في المنطقة،” عدة حقائق اعتماداً على المجموعات المشاركة في المنطقة التي يديرونها.

ففي المناطق التي لم يعد يسيطر عليها النظام السوري، ظهرت ثلاثة أنواع من السلطات منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011: حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، والمجالس الثورية والمجالس الإدارية المحلية. ويصف مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد أبحاث مقره في اسطنبول- تركيا، المجالس المحلية بأنها “أحد المنتجات الرئيسية للثورة السورية ذلك أنها تعبر عن التغيير في العلاقة مع العاصمة من جهة، وأداة لإدارة المرحلة الانتقالية من جهة أخرى.” وفي الوقت نفسه، تكرس المجالس الثورية لزيادة التنسيق والوحدة بين 72 فصيل متمرد في سوريا.

وفي يوليو 2016، نشر معهد البحوث نتائج مسح شمل 105 من المجالس المحلية في محافظات دمشق وريف دمشق وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية، مع التركيز على طبيعة الدور الذي تضطلع به المجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوى المعارضة القومية على وجه التحديد، على افتراض أن المجالس المحلية هي مصدر رئيسي للاستقرار خلال الأزمة الحالية وستظل هكذا في المرحلة الانتقالية المستقبلية. ووجدت الدراسة، من بين أمور أخرى، ما يلي:

  • تؤدي المجالس المحلية بشكلٍ أساسي دوراً في مجال الخدمات يستند إلى الشرعية التي تتلقاها من السكان، ولكنها في الوقت نفسه تتمتع بإمكانات كبيرة لتحقيق الفعالية السياسية.

  • تتمثل الآليات الرئيسية لتشكيل المجالس المحلية بالاتفاق العام والانتخابات، وهناك اعتماد أقل على التعيينات وجهود النشطاء الأفراد.

  • بشكلٍ عام، تتمتع المجالس المحلية بعلاقاتٍ جيدة فيما بينها وكذلك مع جماعات المعارضة القومية.

  • على الرغم من القبول العام بين المجالس المحلية حول فكرة المفاوضات، لا يترجم هذا قبولها بالهدنة المحلية.

  • أصرت أغلبية العينة على الحد من مفهوم التفاوض لدراسة سبل إنشاء مجلس حكم انتقالي.

  • تدعم أغلبية العينة لجنة التفاوض العليا، بينما باقي العينة يتخذون موقفاً معارضاً.

  • أكدت العينة أن قضية بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة أم لا، هي القضية الرئيسية التي تمنع نجاح أي مفاوضات.

  • يُفضل أكثر من ثلثي العينة هيكلاً إدارياً وطنيا للإدارة اللامركزية لسوريا وفقاً لرغبة السكان المحليين.

  • الخدمات والسلام على قائمة الأولويات للمجالس المحلية خلال المرحلة الانتقالية.

وفي مقابلةٍ أجرتها جمعية التضامن الدولية Europe Solidaire Sans Frontières (ESSF)، مع روبين ياسين قصّاب وليلى الشامي، مؤلّفا كتاب حَرْق البلد: عن السوريين في الثورة والحرب، قالت الشامي “تعمل اليوم وحدات إدارية أساسية هناك، لذا فإنها [المجالس الإدارية المحلية] مسؤولة عن توفير جميع الخدمات الاجتماعية، كما أنها مسؤولة عن إمدادات المياه، وإمدادات الكهرباء.” وأضافت “غالباً ما يعملون مع الجهات المانحة الخارجية لتوزيع المساعدات الإنسانية، أو المساعدات التي تم جمعها من المجتمع المحلي. كما يقدمون الدعم للمستشفيات المؤقتة، ومرافق التعليم المؤقتة. وفي بعض المناطق، كانوا مسؤولين أيضاً عن زراعة وتوزيع الأغذية، وتحديداً في المجتمعات التي كانت تحت الحصار، مثل داريا. وفي داريا، قاموا بإنشاء مكتبة محلية رائعة، ولديهم أيضاً خدمات قانونية. كما أنهم يقومون أحياناً بتشغيل أجهزة الأمن أو قوات الشرطة المجتمعية. يعتمد ذلك على حجمها وقدرتها.”

غير أن البقاء على قيد الحياة في هذا الوضع ليس بالأمر السهل، وقد يُشكل الوصول إلى الموارد المالية مشكلةً حقيقية. ففي مقال نشرته المنصة الإعلامية الرقمية المستقلة، Syria Deeply، في يوليو 2015، قال مصطفى، أحد أعضاء المجالس المحلية في إدلب: “ليس لدينا ما يكفي من المال لندفع لأعضائنا وموظفينا، مما سيدفعهم في النهاية إلى الاستقالة أو البحث عن مصدرٍ آخر للدخل. ممولينا مسؤولون بشكلٍ جزئي عن هذا الوضع أيضاً، إذ لا يغطون سوى تكلفة المشاريع نفسها دون الأخذ بعين الاعتبار المصروفات اليومية وتكاليف التشغيل التي نحتاجها لإنجاز المشاريع.” لا تقوم المجالس المحلية بجمع الضرائب، لذلك فإنها تعتمد كلياً على مموليها، والتي غالباً ما تكون منظمات المعونة الدولية، إلى جانب أيضاً الأسر المحلية الغنية.

وفي إدلب، التي كانت تحت سيطرة تحالف جيش الفتح الإسلامي منذ عام 2015، تم تفكيك أو تدمير جميع المؤسسات ذات الصلة بالنظام. وبدلاً منها، تقوم المجالس البلدية بإدارة المواقع، وفي إدلب نفسها، أنشأ جيش الفتح إدارة للخدمة المدنية يخضع لمجلسٍ تابعٍ للفصائل المسلحة كبديلٍ عن المجالس المحلية.

وقد كتب سام هيلر، وهو زميل غير مقيم في The Century Foundation، وهي مؤسسة فكرية غير حزبية، في مقالٍ عن هذا الموضوع أن “هذه الهيئات التي لها صلات مع الجماعات المسلحة تهدف إما إلى تسويغ قطاع إدارات وخدمات إدلب أو تعظيم سلطة مؤيديهم الحزبيين على أرض الواقع، ولكن أياً منها لم يحقق ناجحاً تاماً، ويرجع ذلك جزئياً إلى استحالة استعادة الحياة المدنية الطبيعية في ظل القصف الجوي الدوري العشوائي، فضلاً عن محدودية موارد وقدراته هذه الهيئات.”

وبالإشارة إلى المجالس المحلية التي يبلغ عددها 144 مجلساً في محافظة إدلب، أوضح هيلر أن “أهمية الكثير من المجالس المحلية تتوقف على علاقاتها بالمنظمات، وهو مصطلح شامل يشمل كل شيء من المقاولين الإنمائيين إلى المنظمات غير الحكومية الدولية. وعلى الرغم من أن بعض المانحين، الذين لا يزالون يعترفون بالدولة السورية في دمشق، يفضلون العمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية ومنظمات الإغاثة بدلاً من المجالس المحلية التي تعمل في تحدٍ لسلطة نظام الأسد، فإن معظم منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية قد خصصت للمجالس شركائها المدنيين المعتمدين على المستوى المحلي.”

ويمكن ملاحظة حالة مختلفة في الغوطة الشرقية، وهي منطقة يسيطر عليها جيش الإسلام، حيث أنشئت أيضاً مجالس محلية، فضلاً عن مجالس للمحافظات، ولجنة عامة وسلطة عامة للتقاضي. إن التعامل مع الفصائل المسلحة ليس سهلاً دوماً على المدنيين الذين يحاولون تنظيم ومساعدة مجتمعهم. وقال يوسف صدقي، مساعد باحث في مركز الشرق للسياسات في دبي، لـFanack: “اعتقل جيش الإسلام العديد من القادة المدنيين في مناسباتٍ عديدة وهدد أيضاً بقتلهم أو اعتقالهم ليكون الزعيم الوحيد فحسب في الغوطة الشرقية.” وتابع “عملوا بجد لإضعاف أي مؤسسةٍ مدنية ويحاولون دوماً أن يكون لهم علاقات بأشخاص في هذه المؤسسات”. وأيضاً، الناس هناك لا يدفعون الضرائب ولكنهم يساهمون في الخدمات الأساسية مثل صنع الخبز من خلال دفع رسوم رمزية.

كما أظهرت دراسة أجراها معهد السلام السويسري، وهو معهد أبحاث للسلام موجه نحو الممارسة، عن تجربة المجالس المحلية من أربع مدن، هي دارة عزة ومعرة النعمان وزملكا وكفر تخاريم ونوى، أنه على الرغم من التقدير العالمي لاستفادة المواطنين من خدمات المجالس الإدارية المحلية، إلا أنه كان هناك العديد من الانتقادات. “وجه المشاركون في الدراسة انتقاداتٍ شديدة للمجالس الإدارية المحلية، على سبيل المثال من حيث القدرة المؤسسية والمحسوبية والافتقار إلى أو التمويل غير المتسق وغير الموثوق به. وعلاوةً على ذلك، لم يشعر المواطنون في معظم مناطق دراسات الحالة بأنه تتم استشارتهم على نحوٍ كافٍ، وأن النساء والفئات الأخرى، في معظمها، غير مشمولات في المجالس الإدارية المحلية. كما اشتكى المشاركون في الدراسة من التوزيع غير العادل للخدمات والإغاثة، ويشعرون بأن المساعدات والخدمات تتشكل بأولويات الجهات المانحة أكثر من الاحتياجات الفعلية والواقع على الأرض.”

غير أن مواطناً من دير العصافير، أحد أحياء الغوطة الشرقية، الذي طلب منا أن نطلق عليه اسم بسام عزالدين، كان إيجابياً جداً بشأن المجالس المحلية التي وصفها بأنها “لبنات بناء المجتمع.” وأضاف: “إنها هيئات تنفيذية وفعالة في المجتمع. وكمواطن أعيش في الغوطة، أرى أن الإدارة المدنية هي الأفضل لتولي المسؤولية. إن بناء المجالس المحلية له فضلٌ كبيرٌ في حياتي ويؤثر على حياة الجميع اليوم.” كما يعتقد أن هذه المنظمة يمكن أن تساعد في بناء سوريا أفضل في المستقبل. “يجب أن تخدم القرارات السياسية الشعب، لذا يجب التعبير عنها ويجب أن تصدر عنها أو عن من يمثلها. فالمجالس المحلية أفضل نموذجٍ للتمثيل الشعبي في القرى والبلدات الصغيرة والأحياء والضواحي، لمخاوف ومشاكل ورغبات المواطن العادي. فالمجلس المحلي هو الأقرب إلى مخاوف الشعب والأكثر ارتباطاً بهم مباشرة، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة بين المجلس والعامة سليمة وغير فاسدة.”

أكثر من مجرد تجربة، يمكن لهذه المجالس المحلية ونماذجها المختلفة للحكم أن تكون محورية في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الاعتراف الروسي المتزايد بقيمة المجالس المحلية في تعزيز الحوار بين جميع الأطراف المشاركة في النزاع.