وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية في مراكش، ما وضع الأمن الوطني في المغرب؟

وحدة مكافحة الإرهاب في المغرب
مسؤول في المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعرض أسلحة مصادرة، بعد أن أعلنت وحدة مكافحة الإرهاب في المغرب تفكيك خلية إرهابية متطرفة ترتبط بصلاتٍ مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وتتخذ من مدينة الصويرة مقراً لها، في مدينة سلا في المغرب، 14 سبتمبر 2015. Photo Paul Schemm

انخرط المغرب في استراتيجية متعددة الأوجه لمكافحة الإرهاب على أراضيه، وزاد من تعاونه الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحكومات الأجنبية في أعقاب الهجمات الإرهابية في فرنسا في 2015.

وتقوم الاستراتيجية على التعاون الفعّال بين المديرية العامة لمراقبة التراب الأرضي والفرقة الوطنية للشرطة القضائية لتعقب وتحديد الشبكات الارهابية. وفي موازاة ذلك، تتعقب المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED)، وكالة الاستخبارات الخارجية المغربية، المقاتلين الجهاديين المحتملين وأنشطتهم في ساحات القتال الخارجية.

يتم اتخاذ هذه التدابير بسبب الأعداد الكبيرة من المغاربة الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منذ عام 2014. ففي يونيو 2014، ذكرت التقارير وجود حوالي 1,193 مغربي يقاتلون في سوريا والعراق، وذلك وفقاً للمدير العام للمديرية العامة للدراسات والمستندات، ياسين المنصوري. وفي أبريل 2015، كشف تقريرٌ صادرٌ عن لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أن أكبر القوات الخارجية من الجهاديين في العراق وسوريا كانت من المغاربة والتونسيين.

ويعتبر العامل الاقتصادي أحد عوامل الجذب الرئيسية للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” إذ يكسب الجهادي، بالمتوسط، 1400 دولار في الشهر، وهو مبلغٌ كبير بالنسبة للشبان الذين يأتون غالباً من أسرٍ فقيرة، والذين يعانون من البطالة أو يكسبون بحدود الـ150 دولاراً في الشهر بالعمل في وظائف مختلفة في أوطانهم. وبالنظر إلى أنّ العديد من المجاهدين المغاربة لم ينهوا سوى تعليمهم الإبتدائي، و10% فقط يحملون شهاداتٍ جامعية، تبدو الفرص المتاحة للتقدم الاقتصادي في بلادهم محدودة. وبالطبع هناك أيضاً أسبابٌ شخصية، على الرغم من أنّ الدين يبدو ثانوياً عندما يتعلق الأمر بالمغامرة والشجاعة في المعركة. وسواء كان يتعلق الأمر بحمل لقب “بطل” أو بكسب المال، فإن ما معدله 30 مغربياً انضموا إلى صفوف “داعش” كل شهر منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011.

وإدراكاً منها لـ”عوامل الجذب” هذه، والمخاوف، بلا أدنى شك، حول الأمن في المؤتمر المُقبل للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، والمزمع عقده في الفترة ما بين 7 إلى 18 نوفمبر2016 في مراكش، كثفت السُلطات من جهودها لمكافحة الإرهاب.

فقد أتت هذه الجهود ثمارها. فعلى سبيل المثال، على مدى الأشهر القليلة الماضية، بدأت أعداد الجهاديين المغاربة في بلاد الشام بالانخفاض، كما انخفضت بشكلٍ ملحوظ أعداد الجهاديين الجدد المنضمين إليهم. ووفقاً لمرصد الشمال لحقوق الإنسان في المغرب، سافر 16 مقاتلاً فحسب إلى سوريا والعراق خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2016. ومع ذلك، يمكن أن يُعزى هذا الانخفاض أيضاً إلى خسارة “داعش” للأراضي في كلٍ من سوريا والعراق في أعقاب الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو: ما الوضع الأمني اليوم في المغرب؟ ستكون الإجابة الأولية أن البلاد لا تزال عُرضةً للهجوم لأسباب عدة. وفقاً للتقارير الأخيرة، يواصل الجهاديون المغاربة الانضمام لصفوف “داعش” في ليبيا وتتزايد الاتصالات والتنسيق مع المتعاطفين في الوطن. ففي يوليو2016 وحده، تم التحقيق مع 143 شخصاً لاحتمال تورطهم بأنشطةٍ إرهابية، حيث ألقيّ القبض على 52 منهم. كما كشفت السُلطات المغربية أيضاً عن تزايد أعداد الخلايا التي يُقال أن لها صلات بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

وكما تُشير الصحافية مورغان وينسور “لطالما جذبت الكثبان الرملية المتموجة، والخلجان المخفية، والشواطىء الرملية البيضاء السياح الباحثين عن الاستمتاع بالمغرب دون المساومة على الأمن. هذا البلد، الذي يقع على الحدود مع المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، رُحب به لسنوات باعتباره قصة نجاحٍ في العالم العربي والملاذ الآمن الأخير في شمال افريقيا. إلا أن موجة تزايد أعداد أنصار تنظيم الدولة الإسلامية يُهدد هذا الاستقرار.”

يكمن الخطر الأساسي في أساليب تجنيد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” فعلى الرغم من الرقابة الحكومية الصارمة، حشدت المساجد المحلية الشباب وتستغل المظالم الاجتماعية والاقتصادية لتلقينهم، كما يقول المحللون.

التهديد الرئيسي الآخر للأمن المغربي هو الجهاديون العائدون، الذين يشكلون مصدراً دائماً للتطرف. فبعد أن تعرضوا للدعاية المكثفة، سيسعون إلى مواصلة جهادهم بطريقةٍ أو بأخرى.

وفي نوفمبر 2013، صرّح وزير العدل مصطفى الرميد أنّ “[المغرب] لن يكون آمناً حتى وإن عاد فحسب مئة من مئات الرجال الذين ذهبوا للقتال في سوريا.”

يتخذ العائدون أشكالاً مختلفة، فعلى سبيل المثال، تقول عدة تقارير لوسائل الإعلام أن السلطات الهولندية وضعت قائمةً تضم 250 شخصاً مزدوجي الجنسية ممن يقاتلون في صفوف “داعش،” ويُقال أن 200 منهم من أصولٍ مغربية. وفي أعقاب تصويتٍ تم في البرلمان الهولندي في مايو 2016 والذي سيشهد تجريد الجنسية الهولندية من مزدوجي الجنسية في حال انضمامهم لجماعاتٍ إرهابية، فمن المرجح أن يتجه هؤلاء المقاتلون إلى المغرب أو أن يتم ترحيلهم إلى المغرب من هولندا. بينما يعود جهاديون آخرون أدراجهم بعد التراجع الكبير في قوة “داعش” في كلٍ من سوريا والعراق، كما لا يزال هناك بعض “التائبون” الذين يعودون من ليبيا وأوروبا. وبالتالي، يشكل جميعهم خطراً على المغرب، وهو تهديدٌ يتطلب زيادة مستوى اليقظة فضلاً عن الإصلاح الهيكلي للمجالات التعليمية والدينية في البلاد إذا ما أرادوا هزيمة الإرهاب.