نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّط فيها الضوء على العقبات التي تعتري استئناف المحادثات النووية مع إيران. ويتناول صاحبا المقالة بن ريتش، المحاضر المختص في التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة كيرتن، ولينا عادل، وهي طالبة دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بنفس الجامعة، تغيّر الكثير من المعطيات في منطقة الشرق الأوسط وما أدى به ذلك إلى تعزيز تعنت الجانبين الأمريكي والإيراني حيال استئناف المحادثات في هذا الملف الشائك.
ومع استئناف المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في خطة العمل الشاملة المشتركة في 29 نوفمبر 2021، يلوح سؤال واحد في الأفق. هل من المرجح أن يؤتي التعامل مع إيران بثمار دبلوماسية أم أنه سيكون جهداً مهدراً؟
فبعد مفاوضات عام 2015 التي أجرتها إدارة أوباما (إلى جانب ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وروسيا)، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت بمثابة جهد كبير أدى إلى الحد من الطموحات النووية الإيرانية.
وألزمت الاتفاقية، المكونة من 159 صفحة، الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين برفع العقوبات طويلة الأمد للسماح لإيران بإعادة الاستثمار الأجنبي وبيع مواردها الطبيعية على مستوى العالم دون قيود.
في المقابل، وافقت إيران على وضع مجموعة واسعة من القيود على برنامجها النووي لمدة 15 عامًا. وشملت هذه:
- الحفاظ على مستويات تخصيب اليورانيوم دون نسبة67% (المستوى المستخدم لإنتاج الوقود للمحطات النووية التجارية).
- تحديد عدد أجهزة الطرد المركزي وكمية اليورانيوم المخزنة.
- السماح بمزيد من المراقبة والتحقق والشفافية لبرنامجها النووي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- وإغلاق عدة منشآت
وأتاحت تلك الخطوات مواصلة الأنشطة المدنية المحدودة لهذا البرنامج، لكنها في الوقت نفسه قيدت التطبيقات العسكرية المحتملة في الوقت الحاضر.
الأهم من ذلك، تجنبت خطة العمل الشاملة المشتركة معالجة النشاطات الإيرانية الأخرى التي تعتبرها الولايات المتحدة وشركاؤها مزعزعة للاستقرار. وشمل ذلك دعم طهران لمجموعات مثل حزب الله في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن، ومختلف الميليشيات العراقية والسورية، فضلاً عن برامج الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي تتوسع باستمرار.
وأشار الاتفاق بوضوح إلى أن العقوبات المفروضة على هذه الأنشطة ستظل سارية وستُعامل باعتبارها قضايا منفصلة.
وإلى جانب معالجة الأزمة الفورية لانتشار نووي محتمل، كان الهدف من الاتفاقية أن تكون بمثابة تمريناً لبناء الثقة. وأعتقد القادة الأمريكيون أنهم قادرون على تمهيد الطريق أمام تقارب أمريكي إيراني أوسع عبر تقديم غصن زيتون إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني والتصرف بحسن نية. وكان من المنتظر أن تثبت الصفقة إمكانية أن تكون الولايات المتحدة شريكًا موثوقًا به في المفاوضات المستقبلية.
ثقة لم تبنى
بالطبع، الطريق إلى الجحيم ممهد بالنوايا الحسنة. وها هي الولايات المتحدة تفشل مجدداً في توقع أكبر إخفاق لها في الشؤون الخارجية: وهو نفسها.
انتخاب دونالد ترامب المفاجئ في عام 2016 أدى إلى وقوع خطة العمل الشاملة المشتركة في حالة من الفوضى. وفي الوقت الذي فصل فيه أوباما قضايا البرنامج النووي الإيراني عن أعمال إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار، نظر ترامب إلى الملفين بنفس المنظار.
وأدى هذا إلى انسحاب واشنطن من جانب واحد من الاتفاقية في مايو 2018، وتطبيق ما سمي بحملة “الضغط القصوى“، التي سعت إلى تهريب إيران لتقديم تنازلات أوسع.
حدث هذا التحول الصارخ رغم امتثال إيران لإطار عمل خطة العمل الشاملة المشتركة. واستمر الاتفاق بالفعل لمدة عام بعد انسحاب الولايات المتحدة على أمل أن يقنع الموقعون الآخرون واشنطن بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن ثبت عدم جدوى هذه الآمال، إذ لم يبدي ترامب أي تقدير للأوروبيين، وفرض عقوبات جديدة على طهران، وانخرط في أفعال استفزازية أخرى. وشمل هذا اغتيال اللواء قاسم سليماني، وهو شخصية كانت تحظى بمكانة مرموقة في إيران.
وأكد تحول ترامب الجذري وجهات نظر النخبة الإيرانية الممتدة منذ فترة طويلة حول الازدواجية الأمريكي، وأضر بمحاولة أوباما الليبرالية غير المعهودة لبناء علاقة عمل مع طهران
بعد شعورها بالخيانة، بدأت إيران في تصعيد التوترات في الشرق الأوسط – بما في ذلك قصف منشآت معالجة النفط السعودية – واستأنفت تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز المستويات المتفق عليها في خطة العمل المشتركة الشاملة.
التشبث بالمواقف
كان كثيرون يأملون في أن يؤدي فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 إلى تحرك واشنطن بسرعة لإعادة إشراك طهران والعودة إلى اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة. كان الوقت عاملاً حاسماً في ظل وجود روحاني، المؤيد الرئيسي للاتفاق في إيران والمقرر أن تنتهي ولايته في أغسطس. (استُبدل بالرئيس الأكثر تحفظًا وتشدداً إبراهيم رئيسي).
مع ذلك، لم يكن بايدن كأوباما، وعلى الرغم من مشاركتهما للعديد من نفس أعضاء طاقم العمل، فإن إدارته سرعان ما مارست أساليب أكثر تحفظاً واعتداداً بالنفس في سياستها الخارجية.
بدلاً من تقديم فعل يثبت حسن النية لتنقية الأجواء السيئة، أشار بايدن إلى أنه يتوقع أن تستأنف إيران الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة قبل تقديم أي تنازلات أمريكية. في اجتماع مجموعة العشرين الشهر الماضي، أعادت الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا التأكيد على هذه الرسالة في بيان مشترك، يقول:
“إن عودة الامتثال بخطة العمل المشتركة الشاملة ستؤدي إلى رفع العقوبات إلى جانب تأثيرات طويلة الأمد لصالح النمو الاقتصادي الإيراني. لن يكون هذا ممكنا إلا إذا غيرت إيران مسارها”.
غير أن الدبلوماسيين الإيرانيين يريدون أن تصحح الولايات المتحدة خيانتها وأن ترفع العقوبات قبل أن تبدأ طهران في الامتثال للاتفاق مرة أخرى.
لقد أدى هذان الموقفان المستعصيان وغير المتوافقين حتى الآن إلى إفشال أي جهود لإحراز تقدم ذي مغزى في المفاوضات.
بالنسبة لكلا الطرفين، من الواضح أن الشروط السابقة لخطة العمل الشاملة المشتركة لن تفي بالغرض – خاصة لأن مطالب كلا الطرفين حالياً لم تعد مقتصرة على المناقشات النووية والظروف الاستراتيجية الأوسع في المنطقة قد تغيرت.
في عهد بايدن، تحول تركيز الولايات المتحدة نحو مواجهة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والتعافي محليًا من جائحة فيروس كوفيد-19. ويعني هذا الأمر فك الارتباط بالشرق الأوسط بوتيرة بطيئة، ما أخر قضية إيران في قائمة أولويات واشنطن (على الأقل مقارنة بعام 2015).
قد تكون إيران متخوفة أيضًا بسبب الاحتمالية الكبيرة لتولي بايدن فترة رئاسية واحدة (مع وجود فرصة، رغم ضآلتها، أن يخلفه ترامب). وتدرك إيران أيضًا أن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة قد لا يكون مثلما كان سابقاً، وأن التمهل قد يكون أفضل مسار للعمل.
بصيص من الأمل؟
على الرغم من هذا الكآبة، هناك سبب يدعو إلى تفاؤل محدود وهو مستمد من التلميحات المستترة لكلا الجانبين.
وافقت إيران على العودة إلى المفاوضات في 29 نوفمبر دون رفع العقوبات الأمريكية أولاً. ويمكن اعتبار هذا بادرة سلام معتدلة.
وقد التقى مسؤولون أمريكيون مؤخرًا بممثلين من دول الخليج في المملكة العربية السعودية لمناقشة القنوات الدبلوماسية المحتملة مع طهران. كما ناقشوا تعميق العلاقات الاقتصادية بمجرد رفع العقوبات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
يشير هذا الإعلان المتفائل إلى أن صانعي السياسة الأمريكيين يتمتعون على الأقل بإمكانية التوصل إلى نتيجة إيجابية والتحرك للأمام عبر المفاوضات – على الرغم من الضغط الكبير الذي يمارسه الجمهوريون في الولايات المتحدة وإسرائيل في الاتجاه المعاكس.
لكن من الصعب إجراء تنبؤات في ظل الوضع الموحل الذي انزلقت إليه المفاوضات الدبلوماسية. قد يكون هناك طريق لإنعاش خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن إذا كان هذا ممكنًا، فسوف يتطلب الأمر إعادة تأسيس مستوى من الثقة لا يبدو أن أيًا من الجانبين منفتحًا على قبوله أو تعزيزه في ظل المناخ الدبلوماسي الفاتر الحالي.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 28 نوفمبر 2021