عندما أعلن الرئيس دونالد ترمب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد العسكري لفيلق القدس الإيراني، بغارةٍ جوية أمريكية في 3 يناير 2020، ربما كان قد وضع تصوراً مسبقاً لردٍ إيراني، بيد أنه لم يتوقع غضباً واسع النطاق.
وباعتباره عملاً من أعمال الحرب، أشعل اغتيال سليماني في بغداد، عاصمة العراق، تصعيداً كبيراً في التوترات بين إيران والولايات المتحدة، إذ طالب جميع المسؤوليين الإيرانيين تقريباً وملايين المحتجين بـ”الإنتقام الشديد.”
بعد ساعاتٍ من الاغتيال، قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن الانتقام بانتظار منفذي الجريمة. كما أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي أن الانتقام أصبح وشيكاً وأن ترمب سيتحمل تداعياته. في حين أشار اللواء حسن سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، إلى أن إيران ستوجه رداً كبيراً على الأعداء، بينما أصدر الرئيس الإيراني ووزير الخارجية ونائب سليماني، الذي سرعان ما تولى منصبه، تصريحاتٍ مماثلة.
لفهم رد الفعل العام هذا، فمن الضروري أن نأخذ في الاعتبار كيف يُنظر إلى سليماني داخل إيران. فمنذ الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات في ثمانينيات القرن الماضي، شارك سليماني في العديد من العمليات العسكرية الرئيسية في البلاد، ولعب دوراً مهماً في حصيلة الحرب. تم تعيينه رئيساً لفيلق القدس في عام 1999، بيد أن اسمه برز ضمن القوة التي كانت آنذاك مهمشة. كما أن جهوده في مواجهة الاحتلال الأمريكي لكلٍ من أفغانستان والعراق ومشاركته في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا جعله بطلاً قومياً في وطنه.
وإلى جانب إثبات نفسه كجندي وقائد عسكري، إلا أن حقيقه عمله مع جميع الإدارات والفصائل السياسية، ودعم ما اعتبره كفاحاً وطني للدفاع عن أمن وسلامة إيران، أضاف إلى شعبيته.
وبمجرد انتشار خبر اغتياله، سرعان ما انتشر أيضاً غضبٌ شعبي عارم. وعليه، في 8 يناير، ردت إيران بإطلاق صواريخ على قاعدتين أمريكيتين في العراق. ورغم أن أحداً لم يصب بأذى وإعلان ترمب أن الولايات المتحدة لن ترد عسكرياً على الضربات وسط دلائل على تراجع التصعيد من كلا الجانبين، إلا أن رد إيران – الذي لم يسبق له مثيل منذ أربعة عقود من الأعمال العدائية الإيرانية الأمريكية- ألقى بأبعادٍ جديدة على العلاقات المتوترة بالفعل بين البلدين. يمكن تلخيص هذه وفقاً لثلاثة مواضيع رئيسية.
أولاً، أصبح التقدم على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، الذي كان يأمل ترمب بتحقيقه مع إيران، بعيد المنال اليوم. فقد ألمح بعض السياسيين الإيرانيين إلى إمكانية الحوار مع واشنطن، بحجة أن ترمب يسعى لتحقيق نصرٍ دبلوماسي، وإذا ما منحته إيران ما يريد، فسيقوم بدوره بمنح إيران أكثر مما فعل أوباما. بيد أنه بعد الاغتيال، باتت الغلبة لمعارضي الحوار الذين لم يجرؤ أحدٌ على تحديهم. علاوةً على ذلك، باتوا يتمتعون بجبروت أكبر في ظل انتشار المشاعر المعادية للولايات المتحدة على نطاقٍ واسع. ويبدو أن أي تغيير في هذه الديناميات في السنوات المقبلة أمرٌ غير مرجح، لا سيما إذا ما ظل ترمب في سدّة الحكم في الولايات المتحدة.
ثانياً، يبدو أن الضربات الصاروخية الإيرانية في العراق كانت بمثابة رد فعلٍ على الغضب الشعبي وليس كرد فعلٍ نسبي على عملية الاغتيال. ففي نهاية المطاف، تريد إيران تجنب الحرب مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يدركون مكانة سليماني داخل الهياكل العسكرية والسياسية الإيرانية، يعرفون أن الندوب بعيدة كل البعد عن الإندمال. فقد تخطى اغتيال سليماني جميع الخطوط الحمراء الإيرانية الأمريكية المتعارف عليها تقليدياً. ونتيجةً لذلك، من المتوقع حدوث تغييرٍ في كيفية تعامل إيران مع الولايات المتحدة. فقد أشار المرشد الأعلى إلى هذا التحول عندما وصف الضربات الصاروخية بأنها “صفعة،” وقال إن الانتقام الحقيقي هو طرد الولايات المتحدة من المنطقة. وعليه، من المتوقع أن تتفاقم التوترات نتيجة لهذا التحول.
ثالثاً، لطالما اعتبر المسؤولون الأمريكيون الشعب الإيراني بمثابة رصيدٍ استراتيجي يجب أخذه في الاعتبار في أي سياسةٍ تتعلق بإيران، إلا أن اغتيال سليماني كان بمثابة ضربةٍ قوية لتلك السياسة. وعلى الرغم من أن حملة ترمب بممارسة ما يُسميه “أقصى قدر من الضغط” ضد إيران قد أدت إلى تفاقم صورة الولايات المتحدة سوءاً في إيران، إلا أن اغتيال بطلٍ قومي دمر بنجاح اعتبار الإيرانيين قوةً إستراتيجية لسنوات وربما لعقودٍ قادمة.
من الواضح أن وفاة سليماني أثارت رد فعلٍ لم تكن واشنطن تتوقعه؛ رد فعلٍ لم يكتفِ برأب صدع الانقسامات السياسية حول تعامل إيران مع الولايات المتحدة فحسب، بل قلب أيضاً الإيرانيين من جميع مناحي الحياة ضد الولايات المتحدة، مما أفاد المؤسسة أكثر. وحتى العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن على إيران، والتي يُنظر إليها كتدبيرٍ لحفظ ماء الوجه في أعقاب الضربات الصاروخية على القوات الأمريكية في العراق، ستساعد طهران عندما يتعلق الأمر بتعزيز المشاعر المعادية للولايات المتحدة.