وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإمام الشيعي المنعزل- آية الله العظمى السيستاني لا يزال ذو تأثير كبير في العراق

آية الله العظمى السيستاني. Photo Rex

لأكثر من نصف قرن، كانت ولا تزال مدرسة الراحل آية الله العظمى الإمام أبو القاسم الخوئي (1899-1992) منهلاً لا حدود له للأفكار والمعرفة الإسلامية الشيعية. فقد خرّجت هذه المدرسة عشرات الفقهاء ورجال الدين وكبار الشخصيات الذين أخذوا على عاتقهم متابعة ونشر نظامه العقائدي، ولاية الفقيه، في كل من المدينتين المقدستين، النجف في العراق وقم في إيران، وتثبيت التفسيرات النصية الدقيقة وبخاصة من القرآن. واشتهر منهم اليوم في العراق، سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني، وهو واحد من خمسة رجال دين ممن يحملون لقب آية الله العظمى حالياً في النجف في العراق.

ولد آية الله العظمى السيستاني، في 4 أغسطس 1930 (9 ربيع الأول 1349 هجري) في مدينة مشهد الإيرانية، رابع أكبر مدينة في البلاد، والتي تشتهر بضريح الإمام رضا (ضريح علي بن رضا).

وفي عام 2015، لا يزال السيستاني ذو الـ84 عاماً، بالرغم من أنه هزيل البُنية، نشطاً وكما يُقال حاد الذكاء وينخرط في جميع القضايا الدينية في النجف في المسائل التي تتعلق بالدين والدولة. وفي سن مبكر، على غير عادة، وبعمر الواحد والثلاثين، حاز السيستاني على أعلى مستويات الإنجاز الدينية، “درجة الاجتهاد،” والتي بدأ بدراستها بجديّة في سن الثانية عشرة مما يخوله إصدار أحكامه الخاصة على الأسئلة الدينية.

ومنذ الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، تُشاهد صور السيستاني في كل مكان في العراق، على الجدران، وواجهات المتاجر، ولافتات الشوارع، والمنازل، والمدارس، والمستشفيات، في جميع أنحاء البلاد. وحتى في بعض الأحياء السُنية، حيث يقوم بعض الأشخاص إما بالتعبير عن تضامنهم مع أشقائهم المواطنين الشيعة من جيرانهم، أو كسياسة تأمين مُحنكة في حال قامت إحدى المليشيات الشيعية المعروفة، وبخاصة جيش المهدي الموالي للزعيم الشيعي ورجل الدين مقتدى الصدر، بزيارة الحي.

وقال الزعماء السُنة، عبدالرؤوف السامرائي وحارث الضاري للوفود الزائرة أنهم يقدرون السيستاني جداً، حيث يعتقدون أنه شخصية تدعو إلى وحدة الشعب. أما الشخصيات العلمانية، مثل الرئيس العراقي الكردي جلال طالباني (2005-2014) والزعيم العربي صالح المطلك من بين زعماء آخرين، ذكروا ذات الأمر.

ويعتبره الممثلون الخاصون من الأمم المتحدة شخصية وطنية تدعو إلى توحيد الشعب وتم التماس استشارته ومساعدته في التخطيط لجهود المصالحة الوطنية. وكان يُنظر إليه آنذاك، وحتى الآن، باعتباره أكثر شخصية عراقية ذات تأثير.

وعندما فجر الإرهابيون مرقد الإمام العسكري الشهير، أحد أقدس المزارات الشيعية في المدينة القديمة ذات الأغلبية السُنية، سامراء، أوائل عام 2006، دعى السيستاني إلى الوحدة الوطنية وعدم الرد بعنف مما ساعد في تهدئة الأوضاع، وربما منع البلاد من التورط في حرب طائفية شاملة. وكرر السيستاني ذات الأمر عند تفجير المرقد ذاته مرة أخرى في يونيو 2007 (هذه المرة دون وقوع أي ضحايا أو إصابات).

وبعد أن استولى مسلحوا “داعش” على مدينة الموصل في يونيو 2014، خرج آية الله العظمى السيستاني من العُزلة التي فرضها على نفسه في محاولة أخيرة لكبح جماح الجهاديين، وأقنع النخبة السياسية الشيعية في العراق باستبدال رئيس الوزاء نوري المالكي، والحفاظ على دولة موحدة في ظل حكومة يقودها الشيعة. وبعد ثلاثة أيام من سقوط الموصل، في 13 يونيو، أصدر السيستاني دعوة لحمل السلاح داعياً جميع الرجال العراقيين القادرين على العمل الانضمام إلى قوات الأمن أو إلى أحد الميليشيات الشيعية ذات الأعداد المتزايدة.

وبالرغم من إتقانه اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وقدرته على التحدث بها بطلاقة وإن كان بلكنة فارسية ثقيلة، إلا أنّ آية الله العظمى السيستاني يُفضل التحدث بالفارسية مع وفود الأمم المتحدة والوفود الدولية الأخرى. ويحضر ابنه محمد رضا، الذي تدرب أيضاً في مدرسة الإمام الخوئي، وفي الحوزة العلمية في النجف- المدرسة الدينية الشيعية الشهيرة في النجف، جميع لقاءاته. ويُعتبر ابنه باحثاً في الإسلام الشيعي واللغة العربية، كما أنه بمثابة كبير مستشاري والده وغالباً ما يعمل كمترجم له.

وعلى الرغم من وجود أربع رجال دين آخرين ممن يحملون لقب آية الله العظمى في النجف الأشرف، النجفي والحكيم والفياض وبحر العلوم، إلا أنهم غير معروفين خارج النجف، ولم يشكلوا أي تهديد بالنسبة للسيستاني. ومع ذلك، يشكل السيد مقتدى الصدر تهديداً له، إذ يعتبر رجل الدين البالغ من العمر 40 عاماً من أكثر العراقيين الشيعة جرأة وصراحة في رفضهم للاحتلال الأمريكي.

وبينما كان السيستاني راضٍ عن الإطاحة بنظام صدام حسين، ذكرت تقارير إخبارية في تلك الفترة مراراً وتكراراً، رغبة السيستاني إنهاء الإحتلال الأمريكي لتكون البلاد بمنأى عن العنف.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles