وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكوليرا جائحة جديدة تهدد الشمال السوري

الكوليرا جائحة جديدة
تم تسجيل عدة حالات إصابة بالكوليرا في شمال غرب سوريا، حيث تظهر الصور بركًا من المياه الملوثة أمام خيام النازحين في بلدة كفر لوسين بمحافظة إدلب شمال شرق سوريا، في 28 سبتمبر 2022. (Photo by Rami Alsayed/NurPhoto)

منيب تيم

لم يمرّ وقتٌ طويل على تعافي سوريا من تداعيات جائحة كورونا حتى بدأ شبح مرض الكوليرا المعدي ينتشر في هذه الدولة، لا سيّما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. ومنذ الإعلان عن تفشّي الكوليرا في سوريا مطلع سبتمبر 2022، رصدت منظمة الصحة العالمية حوالي 20 ألف إصابة محتملة بالمرض. وفي الوقت الذي تقاربت فيه نسب إصابة الذكور والإناث بالكوليرا، فإن أعمار حوالي نصف المصابين بهذا المرض لا تزيد عن خمس سنوات.

يأتي ذلك بالتزامن مع تأكيد منظمة الصحة العالمية وفاة 81 شخصاً نتيجة الإصابة بالكوليرا. ولفتت المنظمة الدولية إلى وقوع معظم الإصابات في المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من البلاد. وكانت سوريا قد شهدت آخر موجات تفشّي لمرض الكوليرا في عامي 2008 و2009، حيث تركزت الحالات حينها في محافظتي دير الزور والرقة.

ويعد الكوليرا مرضاً شديد العدوى وينتج عن طريق بكتيريا “فيبريو كوليرا” المنتشرة في المياه الراكدة وغير المعالجة بالكلور الصحي. وينتقل هذا المرض عبر تناول الطعام والشراب الملوث. ويتسبب الكوليرا بالإسهال والقيء، ما يؤدي إلى الجفاف بصورة سريعة. وفي حال لم يتلقَ المريض الرعاية الفورية، فإن ذلك قد يقود إلى الوفاة في غضون ساعات.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه مرض الكوليرا من الأمراض الخطيرة التي تعلو نسبة وفيات المصابين بها، فإن علاجه والوقاية منه سهلة. وتشمل إجراءات الوقاية كلاً من ضمان نظافة الطعام والشراب، فضلاً عن غلي المياه أو إضافة الكلور إليها. كما تتضمن إجراءات الوقاية تسخين الطعام والمحافظة على نظافة اليدين.

وتعاني مناطق الشمال السوري من نقص وتلوّث الموارد المائية المخصصة للاستخدام البشري، لا سيّما في المناطق المجاورة لنهر الفرات وفي المخيّمات العشوائية التي لا تصل إليها موارد المياه. وارتفع عدد المخيمات التي تعاني من عدم توفّر المياه فيها إلى 658 مخيماً. وجاء ذلك بعد إعلان منسقي فريق استجابة سوريا عن توقف المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري عن توفير المياه الصالحة للاستخدام في 34 مخيماً جديداً.

وفي بيانٍ نُشِر مؤخراً، قال فريق استجابة سوريا إن انقطاع دعم المياه تركز في المخيمات الجديدة الموجودة في منطقة عفرين شمالي حلب والتي تعاني بالأصل من مصاعب أخرى أبرزها إصابة الآلاف من أبنائها بمرض الكورونا.

وحذّر الفريق كافة الجهات من استمرار أزمة المياه، وخاصةً في ظل تفاقم الظروف المعيشية للأفراد وارتفاع أسعار مياه الشرب في العديد من المدن والأرياف السورية. وبحسب البيان الذي نشره الفريق، فإن نسبة كبيرة من السكان لا تحصل على مياه الشرب النظيفة بشكل منتظم، ما يشكل تهديداً فعلياً لاستقرار السكان الاجتماعي والاقتصادي في أماكن وجودهم. وشدّد الفريق على أن استمرار الوضع الراهن سيجبر المقيمين في تلك المناطق على النزوح إلى أماكن أخرى بحثاً عن الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه المقبولة الجودة.

مخاوف ملموسة

يقيم عبد الرزاق محمد العمر في مخيم اليمان الموجود شمال غربي سوريا. ويعاني عبد الرزاق كغيره من النازحين المقيمين في المخيّمات العشوائية من عجز التعامل مع مرض الكوليرا. وفي هذا الصدد، يقول عبد الرزاق لموقع فنك: “لدينا خوفٌ كبير بعد انتشار المرض في مخيماتنا. ابن أخي المقيم في أحد المخيمات القريبة منّا أصيب بمرض الكوليرا، وهو الآن بحالة صحية صعبة جدا. وفي الوقت الذي أتمنى فيه لابن أخي التعافي من هذا المرض، فإنني أتخوّف من احتمال إصابة أطفالي به، لأنه ليس لدينا القدرة على مواجهة مثل هذا النوع من الأمراض في هذه الظروف الصعبة”.

وتنتشر في المخيّمات العشوائية الحشرات التي تساهم بنقل مرض الكوليرا، لا سيّما الذباب وغيرها من الحشرات التي لم يسبق لأهالي المخيّمات رؤيتها. ومع ذلك، فإن الجهات القائمة على المخيّمات لا تقوم برشّها بالمبيدات الكفيلة بالقضاء على هذه الحشرات الضارة.

وبعد نزاع مستمر منذ عام 2011، تشهد البلاد أزمة مياه حادة، على وقع تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. ودفع ذلك الكثير من المواطنين للاعتماد على مياه شرب غير آمنة، وبالأخص من نهر الفرات.

ويشكو أبناء المخيّمات من عدم توفّر المياه المعقّمة في مناطق إقامتهم. وفي هذا الإطار، يقول عبد الرزاق: “المياه التي تصلنا يضاف إليها كلور غير صحي وبطريقة بدائية تلحق الضرر بالأطفال على وجه الخصوص”. وفيما أكد عبد الرزاق سعي أبناء المخيّم لتعزيز نظافته العامة ونظافة خزانات المياه الموجودة فيه بعد انتشار مرض الكوليرا، فإنه أبدى أسفه لعدم استجابة السلطات بتعقيم المياه باستخدام الكلور الصحي.

وشهد عام 2021 تسجيل عدد كبير من الوفيات بسبب جائحة الكورونا. واليوم يتكرر المشهد مع الكوليرا. وفي هذا السياق، يقول عبد الرزاق: “لا نعلم ما الذي ينبغي علينا القيام به في حال أصبنا بهذا المرض الخطير”، داعياً الجهات المعنية لتنظيم جلساتٍ توعوية تسهم في تعزيز قدرة الناس على التعاطي مع هذا المرض. كما طالب الجهات بتوزيع المواد والأدوية الكفيلة بالوقاية من هذا المرض.

وقد يؤدي انتشار مرض الكوليرا في مخيّمات الشمال السوري إلى “وضع كارثي” لاعتباراتٍ متعددة منها هشاشة القطاع الطبي فيها ولعدم توافر البنى التحتية فيها. وتشير إحصائيات “برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة” إلى الاشتباه بإصابة 762 من أبناء المخيّمات بمرض الكوليرا.

محاولات محليّة

منذ اندلاع الأزمة السورية، يعاني السوريون المقيمون في شمال سوريا نتيجة عدم توفير الخدمات الصحية المطلوبة. واعتاد النظام السوري استهداف المراكز الصحية الموجودة في المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما دفع الكثير من الكوادر الطبية إلى الهجرة إلى الخارج وساهم بتدمير القطاع الصحي برمّته. ويفسّر ضعف القدرة المحلية على الاستجابة للأمراض الوبائية التي تظهر في الشمال السوري.

وفي حديث خاص لموقع فنك، أبدى الدكتور محمد شهم مكي، مدير مختبر الرصد الوبائي في إدلب، تخوّفه من انتشار مرض الكوليرا في المخيّمات. وقال الدكتور مكي في هذا الصدد: “نتخوف من إمكانية ارتفاع الإصابات لأعداد أكبر في مناطقنا بسبب ظروف الحرب والاكتظاظ السكاني الكبير الذي تعاني منه المخيمات. وبصفةٍ عامة، فإن انتشار مرض الكوليرا يزداد في الأماكن ذات الاكتظاظ السكاني الكبير والتي تعاني من سوء شبكات الصرف الصحي. وبطبيعة الحال، فإن هذين العاملين ينطبقان بصفةٍ خاصة على المخيمات الموجودة في منطقتنا”.

وبحسب الدكتور مكّي، فإن معالجة المصابين بالكوليرا ستجري في مراكز علاج متخصصة في حال استمرار ارتفاع الإصابات بهذا المرض. وفي الوقت الذي لفت فيه مكّي النظر إلى ما يتم بذله من جهود لرفع الاستعدادات والقدرات الكفيلة بمواجهة مثل هذا النوع من الأمراض والأوبئة، فقد دعا الدول المانحة لبناء مراكز متخصصة تعزّز من قدرة الاستجابة للأوبئة.

وشدّد مكّي على الحاجة إلى مساعدة الدول التي تمتلك خبرة في كيفية التعاطي مع هذا النوع من الأمراض، لا سيّما الدول ذات الخبرة في مجال “الإصحاح” المائي وشبكات المياه والصرف الصحي.

وسبق أن ناشد فريق “منسقو استجابة سورية” الأمم المتحدة، عبر وكالاتها والدول المانحة، للعمل على تسريع إجراءات مكافحة الكوليرا في مخيمات سوريا، وذلك من خلال توفير الإمكانات اللازمة لها لتمكينها من مواجهة مرض الكوليرا الذي بدأ بالانتشار.

انتشارٌ إقليمي

الكوليرا جائحة جديدة
صورة تم التقاطها يوم 26 أكتوبر 2022 لطاقم طبي يهتم بالمرضى الذين يتلقون العلاج في تفشي مرض الكوليرا الضمة في جناح في قاعة مسجد تم تحويله إلى مستشفى ميداني في بلدة بيبنين في قضاء عكار شمال لبنان. إبراهيم شلهوب/وكالة الصحافة الفرنسية

على وقع تفشي المرض على الأراضي السورية، أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض في 21 أكتوبر 2022 عن انتشار وباء الكوليرا في بلاده بصورةٍ متسارعة. وأكد الأبيض حينذاك تسجيل 5 وفيات في لبنان جراء الإصابة بالمرض حتى الآن، علماً بأن الغالبية العظمى من المرضى الموجودين في لبنان، وعددهم يزيد عن 200 مصاب، من النازحين السوريين. وبحسب تقرير مراقبة الكوليرا الذي نشرته وزارة الصحة العامة اللبنانية يوم 31 أكتوبر، فإن إجمالي عدد الأشخاص الذين ماتوا جرّاء الإصابة بالكوليرا وصل إلى 17 شخص. ووصل إجمالي عدد المصابين إلى 1.447 شخص.

وتجدر الإشارة إلى تواجد حوالي 1.5 مليون سوري في لبنان، موزّعين على مخيمات في الشمال والبقاع.

أما في الأردن، فقد رفعت السلطات الأردنية من حالة التأهب لديها خوفا من انتشار الكوليرا. وجاء ذلك بعد اكتشاف عدد من الحالات التي يشتبه إصابتها بالمرض. وبحسب ما نقلته وسائل إعلام أردنية عن الدكتور رائد الشبول، أمين عام وزارة الصحة للرعاية الصحية الأولية والأوبئة، فإن الوزارة اتخذت الإجراءات اللازمة للتعامل مع 3 حالات يشتبه إصابتها بالكوليرا. وقبل أيام، عزّز الأردن من إجراءات الوقاية المرتبطة بالتعامل مع السلع والمنتجات الزراعية والعصائر القادمة من سوريا.