مقالة تحريرية عن التفاعل المعقد بين الأقوال والأفعال في خضم أزمة غزة، تبحث السياقات التاريخية، وديناميات القوة، والدور المحتمل للهيئات الدولية.
رونالد إي. كون – نائب رئيس التحرير
عادةً ما ينتابني المَثَل القائل “القلم أقوى من السيف” وأنا أتأمل يائساً ثقافة الشرق الأوسط. وما يزال ذاك مهماً في الثقافة المعاصرة التي استعارت ذاك المَثَل وحفظته من ثقافات إقليمية عريقة اضمحلت وانقرضت. ومن المنطقة نفسها برزت مبادئ خالدة مثل “لا تقتل” في التوراة، وحكم حصيفة في الإنجيل مثل “فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم”. وآيات كثيرة في القرآن تدعو إلى الأمر نفسه.
ومع ذلك، ثبت أنه من الصعب، عند الحديث عن الأزمة الحالية في غزة وما يحيط بها من أحداث، أن نجد كلمات لا تقع ضحية للسيف ولا يتجاوزها الزمن. فأي تحليل أو رأي قد يكون سابقاً لأوانه في خضم القتال، ويقلقني أن لا أحد يدري أي جحيم في انتظارنا. لذلك ينبغي لنا أن نكتفي بتلك الكلمات التي نجد فيها العزاء والسلوى، وأن نتفهّم دون اتهام أو لوم. و”التفهّم” لا يُقصد به التبرير، كما أن الإدانة رد فعل أوليّ معقول.
وهذه الكلمات ينبغي أن تدعمها الحقائق المثبتة، ويجب ألا تُستخدم لوصم الطرف الآخر باعتباره (…أياً كان الوصف الذي ستختاره)، خاصةً في هذه الأجواء المتوترة. لقد أدركت الحكومات بعد وقت طويل أن كل صراع أو أزمة له أكثر من جانب واحد، وأن هناك أكثر من علم يرمز إلى شعب يعاني لافتقاره إلى الاعتراف به وبحقوقه. ولا شك أن المنطقة عموماً بها كثير من الأعلام الأخرى التي تستحق اهتمامنا، فكلها ضحية التطورات الجيوسياسية. لكنني أجد بعض السلوى عندما أرى الغضب الانتقائي وردود الفعل الأحادية المتحيزة والظالمة في انحدار.
يبدو أن الكلمات وما يقف وراءها من حقائق لم تعد تربطها أي علاقة بالأفعال. وهنا، تتبادر إلى الذهن قرارات الأمم المتحدة التي صيغت لإيجاد حلول لادّعاءات الطرفين المتعارضة ومطالباتهم بالأرض والحقيقة.
في ظل القرارات المهمَلة التي تبنّاها المجتمع الدولي، من ذا الذي غفل عن توقع الأحداث الحالية واندلاع العنف في منطقة مأزومة مثل غزة، بينما تقع على مرمى حجر منها كيبوتزات كأنها في عالم آخر تماماً؟ من ذا الذي يريد أن يُؤخذ على محمل الجد عندما يؤكد أن ما يحدث الآن ليس سوى خطوة أولى في حلقة من الأحداث كانت، رغم ذلك، مستمرة منذ عقود؟ ومن يصدّق أن أجهزة الأمن الإسرائيلية المشهود لها بالجدارة لم تتوقع هذه التطورات، رغم هاجسها الأمني بالمراقبة والحفاظ على وجود إسرائيل؟ والشيء بالشيء يُذكر، يُقال إن مصر حذّرت الحكومة الإسرائيلية مسبقاً مما يجري حالياً. بالتفكير في الأنماط المتكررة والأساليب المتبعة، سيكشف التاريخ إذا ما كان للبروباغندا والأخبار الكاذبة والصور الزائفة والحقائق الملفقة دور في ما يحدث هنا.
ومع ذلك، ليس من المستبعد أن التجاهل (المتعمد؟) للتحذيرات كان له دور مدروس. إلا أن المبالغة في ذلك التفكير وادّعاء أن أحد الأطراف تعمّد إيذاء نفسه ستكون مغالاة في التفكير التآمري، كما أنها تفتقر إلى المنطق ولا يمكن أخذها على محمل الجد، فهي ليست سوى خيال محض.
كلمات مثل “الهلوسة” و”الانفصام”، وأمثالهما من قاموس الطب نفسي، تفرض نفسها على أرض الواقع. والمصطلحات التاريخية التي كانت تذكّرنا حصراً بحقبة الحرب العالمية الثانية وما سبقها صارت تُستخدم في الحاضر مع الشعوب المنكوبة.
لقد أثبتت حماس السنّية، في سلوكها اللاعقلاني الخلاصيّ القريب من المعتقد الشيعي، أنها لا تلتزم المفاهيم المقبولة عالمياً عن “الإنسانية”. وكذلك يُظهر رد الفعل الإسرائيلي هذا الافتقار إلى المنطق وإدراك أفعالها وعواقبها.
وإذا كنا نرجو للقلم أن يصبح أقوى من السيف، فينبغي أن نأمل أن تستعيد المحكمة العليا الإسرائيلية كامل سلطاتها، ونؤمن بسلطة مؤسسات مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في نطاق صلاحياتها. وكذلك يمكن النظر في عمليات إنفاذ السلام وحفظ السلام، بما في ذلك اتفاقيات فصل القوات. ويبدو أنه عندئذ فقط، ستعود الحقوق لمستحقيها.
في نهاية المطاف، سيُستخدم القلم في أمور غير كتابة اللافتات أو نعي الضحايا أو شواهد قبورهم أو الخوارزميات التي تشكّل أفكارنا وتؤسس قراراتنا. ونأمل إذن أن يتم استخدام الأقلام المشحذة بشكل متساوٍ لكتابة البرامج الانتخابية وأوراق الاقتراع ومعاهدات السلام والنصوص المتوازنة في كتب التاريخ.
حتى ذلك الوقت، أرجو أن يرقد الضحايا كلهم في سلام.