كل من إسرائيل وحماس وفتح والمجتمع الدولي يحملون المسؤولية لتأخر إعدة إعمار غزة.
عُقد في أكتوبر 2014 مؤتمر دولي للمانحين لإعادة إعمار غزة في القاهرة، حيث اختتم المؤتمر بتعهد الحكومات المشاركة تقديم 5,4 مليار دولار من المساعدات للفلسطينيين تخصص نصفها لإعمار غزة التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية في يوليو 2014. في حين كان من المفترض استخدام الأموال المتبقية لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية حتى عام 2017.
ومع ذلك، وضع المانحون الدوليون شرطين مسبقين، من ضمنها أن تشرف حكومة الوفاق الوطني التي شكلت حديثاً على ملف إعادة الإعمار وأن تستلم بشكل كامل المعابر الرئيسية لقطاع غزة، حيث كانت الشروط واضحة بعدم تدخل حركة حماس التي مازالت تسيطر على قطاع غزة بشكل فعلي منذ عام 2007.
لذا برز في الأفق عدة تحديات سياسية وأمنية أمام حكومة الوفاق الوطني التي لم تنجح في سد الهوة بينها وبين حركة حماس، فمازال عناصر حكومة حماس السابقة يرفضون بشدة عدم مشاركتهم في مهمة إدارة المعابر الرئيسية بقطاع غزة مع المسؤولين الجدد في حكومة الوفاق الوطني الأمر الذي جعل عملية إعادة الإعمار مرهونة بشكل قوي بمدى تمكن حكومة الوفاق الوطني من إدارة المعابر التجارية لقطاع غزة، حيث تشترط أيضاً إسرائيل آلية مراقبة مشددة حول عملية إدخال مواد البناء الخاصة بالإعمار و ذلك تخوفا من أن يتم استعمال هذه المواد في عملية ترميم أنفاق يستخدمها الذراع العسكري لحركة حماس بقطاع غزة.
اتهامات متبادلة
ومع تأخر إعادة الإعمار بغزة بدأت الاتهامات تتصاعد بين حركتي فتح وحماس، وبدأ كل طرف يتهم الآخر بمسؤوليته عن التأخير في الإعمار، ففي حين تنظر حركة حماس الى مفهوم حكومة الوفاق الوطني بأنها قائمة على مبدأ الشراكة؛ تنظر حكومة رام الله ومن خلفها حركة فتح الى اعادة الوضع كما كان عليه قبل منتصف عام 2007. الإختلاف في وجهات النظر هذه أوصل اتفاقية المصالحة الموقعة في شهر أبريل عام 2014 إلى أفق مسدود آدى الى تفاقم وتصاعد الاتهامات بين الحركتين.
وخلال جلسة عقدها نواب حماس في غزة بتاريخ 14 يناير2015 حذر القيادي في حركة حماس، خليل الحية، من أن استمرار الحصار الإسرائيلي وتأخير إعادة إعمار القطاع من شأنهما زيادة “التطرف والإرهاب” وتابع “هذه صرخة، ونحن نحذر من تداعياتها لأنها ستطال الجميع بلا استثناء”.
وفي 18 يناير عام 2015، اتهم محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الرئيس محمود عباس شخصياً عن التأخير في إعادة إعمار غزة حيث قال “الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية هو المسؤول عن التأخير في بدء إعمار غزة و إغلاق معبر رفح حتى الآن”.
ورداً على اتهامات حركة حماس للرئيس الفلسطيني بمسئوليته عن تعطيل الإعمار، صرَّح الرئيس محمود عباس خلال حديث له عبر وسائل الإعلام التونسية بتاريخ 22 يناير 2015 “إن تأخر إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية التي استمرت 51 يوماً يعود لعدم تمكن حكومة الوفاق الوطني من تولي مسؤولياتها في القطاع أو الإشراف على المعابر الحدودية.”
ومما لا شك فيه بأن الطرفين ساهما بتعنتهما في حالة إنعدام الأفق الذي وصل به الحال بقطاع غزة وعدم البدء في عملية الاعمار والتي يدفع ثمنها بالمقام الأول المواطن الفلسطيني بالقطاع.
حصار إسرائيلي و تردد دولي
يُذكر أن عملية إعادة إعمار غزة ترتبط بشكل كبير مع مدى إمكانية دخول مواد البناء من إسرائيل إلي قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري. وقد حمّل جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، إسرائيل كامل المسؤولية عن الحصار على قطاع غزة وعرقلة عملية الإعمار حيث أكد “أن المسؤول الأول والأخير عن تأخير إعمار غزة هو الجانب الإسرائيلي وأن ما يتم إدخاله يومياً من مواد بناء عبر معبر كرم أبو سالم هو معظمه مخصص لصالح القطاع التجاري والمؤسسات الدولية ولا يتعلق بشكل مباشر بمشاريع إعادة إعمار غزة”.
أما الخبير الاقتصادي عمر شعبان فقد صرح “أن من أهم أسباب تأخير إعادة إعمار غزة تعود إلي تعطل المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وتردد الدول المانحة في إرسال الأموال بسبب تردي الأوضاع السياسية والأمنية بقطاع غزة” وحمَّل شعبان أيضاً المسؤولية في التأخير بالإعمار إلى لجنة الأمم المتحدة التي تشرف على عملية إعادة الإعمار والتي وصف آلية عملها في متابعة ملف الإعمار “بالبطء الشديد والبيروقراطية”.
غضب شعبي و قلق أممي
وقد ألقت عملية تأخير تحويل الأموال الدولية المخصصة لمشاريع إعادة الإعمار بظلالها على الوضع الإنساني بقطاع غزة، حيث شهد القطاع تدهوراً كبيراً في الأوضاع الإنسانية مما أدى إلى تزايد حالة الغضب والتذمر لدى سكان قطاع غزة خاصة تلك الفئات التي تدمرت بيوتهم أثناء الحرب الأخيرة بسبب عدم تحسن أوضاعهم المعيشية وعدم تعويضهم عن خسائر الحرب.
وقد برزت أهم علامات السخط الشعبي خلال يوم الأربعاء بتاريخ 28 يناير 2015 عندما أمطر العشرات من قطاع غزة ممن فقدوا منازلهم مكاتب الأونروا وروبرت سيري، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط في غزة بالحجارة وحاولوا اقتحام مكاتب الوكالة. وما أشعل فتيل الغضب إعلان الأونروا وقف مساعداتها لتعويض المتضررين من الحرب، فضلاً عن كونه تعبيراً عن استيائهم من تأخير عملية الإعمار.
وتعليقاً على هذه الاحتجاجات، قال أدهم أبو سلمية، رئيس الحركة الشعبية لكسر الحصار والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية أمام مكاتب الأمم المتحدة “لم نكن نتمنى أن نصل إلى هذه المرحلة ولكن وضعوا الشعب الفلسطيني في زاوية الموت البطيء واليوم العالم يمارس العقاب الجماعي بحق الشعب الفلسطيني بمشاركة الاحتلال”. وشدد أبو سلمية أنه في الوقت الذي يعيش فيه قطاع غزة بلا مياه وغاز طهي وكهرباء، بالإضافة إلى إغلاق المعابر وبنية تحتية مدمرة، تأتي الدول المانحة لتوقف مساعداتها وتتنصل من تعهداتها. وحمّل أبو سلمية المجتمع الدولي والدول العربية التي تعهدت بتقديم مساعدات مالية المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة وإلحاق الضرر بعشرات آلاف الأسر التي دمرت منازلها خلال الحرب.
وفي الوقت نفسه، ونتيجة لمحاولة اقتحام مقرات الأمم المتحدة بغزة حمّل روبرت سيري، المبعوث الأممي لعملية السلام، حركة حماس المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة موظفي الأمم المتحدة وعملياتها في غزة. وبرر سيري عبر تصريحات صحفية له أن سبب تعطّل إعادة الإعمار في قطاع غزة يعود إلى غياب التعاون بين السلطة وحماس وقال “نحتاج حكومة قادرة على تحمل المسؤولية”. وأكد سيري الحاجة إلى وجود إدارة فعالة ومستقرة في غزة، محذراً من أن المانحين الدوليين قلقين حول إرسال الأموال دون رؤية هذه الإدارة في المكان.
ومن جانب آخر، أصدرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” عدة تحذيرات بخصوص احتمال عودة الصراع مرة أخرى لقطاع غزة، حيث عقد مدير عمليات “الأونروا” في قطاع غزة روبرت تيرنر في تاريخ 4 فبراير 2014 مؤتمراً صحفياً صرح من خلاله أن الوضع في قطاع غزة أسوأ مما كان عليه قبيل الحرب الإسرائيلية الأخيرة في يوليو2014. وعبر تيرنر خلال لقائه مع الصحافيين في غزة عن خشيته من تجدد الصراع في القطاع مجددًا في حال لم يتغير المسار الحالي للأوضاع خاصة في ظل الإحباط الذي يعاني منه الشعب في القطاع المحاصر.
وأكد تيرنر أن “الأونروا” أجبرت على قرارها بوقف صرف المساعدات النقدية لعشرت الآلاف من المتضررين ولم يكن أمامها خيار آخر بسبب نقص التمويل الدولي اللازم لذلك وذكر أن الوكالة لم تتلق سوى135 مليون دولار فقط من أصل 720 مليون دولار طلبتها من مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة الإعمار بغرض برنامج دعم إصلاح المنازل المتضررة جزئيا وتقديم إعانات الإيجار للنازحين.