وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المدن الإيرانية الأكثر تلوثاً في العالم

Specials- Air pollution in Iran
إيرانيون يحمون وجوههم من تلوث الهواء في وسط طهران. Photo AFP

ارتفع تلوث الهواء في إيران إلى مستوياتٍ ترتقي إلى الأزمة، مما وضع الدولة تحت ضغوطٍ متزايدة. تتمتع طهران، التي تعتبر أكبر مدينةٍ في غرب آسيا بعدد سكانٍ يصل إلى 14 مليون نسمة، بأقل من 100 يوم صحي سنوياً. ويعدّ هذا مشكلةً على وجه الخصوص للمدينة التي تعدّ المركز الاقتصادي في البلاد. كما تؤدي أزمة المرور الخانقة، والافتقار إلى هطولاتٍ مطرية قوية فضلاً عن انخفاض معدل هطول الأمطار، إلى تفاقم المشكلة.

وفي عام 2012، أدى التلوث إلى وفاة ما يقرب من 4500 شخص بشكلٍ مبكر في طهران وحوالي 80 ألفاً في جميع أنحاء البلاد. وفي عام 2013، أعلنت وزارة الصحة أن 4,460 فرداً من سكان طهران توفوا بسبب تلوث الهواء، وهو ما يعادل 25% من إجمالي عدد الوفيات في المدينة كل عام. وذكرت الوزارة أيضاً ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب، فضلاً عن الزيادة في معدلات الإصابة بمجموعة متنوعة من أمراض السرطان ذات الصلة بالتلوث.

ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن أربعة من أصل أكثر 10 مدنٍ تلوثاً في العالم توجد في إيران، حيث تتربع الأهواز جنوباً على رأس القائمة. ومن أصل 1099 مدينة تم تقييمها فيما يتعلق بتلوث الهواء بشكلٍ عام، تم تصنيف طهران في المرتبة الـ82، حيث يعتقد العديد من خبراء التلوث أن الأوضاع تدهورت منذ نشر تقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2015. كما يوجد في طهران حوالي أربعة أضعاف تركيز الجسيمات الملوثة من مدينة لوس أنجلوس الموبوئة بالضباب الدخاني.

وهناك العديد من العوامل وراء المشكلة، وبحسب المسؤولين، تسبب السيارات ما نسبته 48% من التلوث في طهران والدراجات النارية ما نسبته 22%. ويقضي الشخص البالغ الذي يعيش في طهران حوالي 250 ساعة في السنة في حركة المرور. وعلى مستوى الدولة، يتم قضاء حوالي 5 مليار ساعة سنوياً في الازدحام، مما يكلف الاقتصاد حوالي 2 مليار دولار.

وفي كل عام، تضخ المركبات الموجودة في طهران والبالغ عددها 5,5 مليون ما يُقدر بـ5 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات السامة الأخرى في الهواء. وعلى الرغم من أن السلطات بدأت بمنع استيراد البنزين غير الموحد، إلا أنه ينبغي إتخاذ المزيد من التدابير للسيطرة على الوضع. وقبل إبرام الاتفاق النووي في عام 2015، ألقى العديد من المواطنين الإيرانيين والمسؤولين الحكوميين اللوم على العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والتي منعت البلاد من استيراد البنزين والتكنولوجيا اللازمة لإنتاج الغاز بشكلٍ محلي. والواقع هو أن العقوبات أجبرت إيران على استخدام معداتٍ بالية وإنتاج تركيبات سامة للنفط رخيص الثمن.

ومع ذلك، هناك وجهة نظرٍ بديلة تقترح ضرورة تقاسم اللوم، إذ يزعم بعض الخبراء أن العقوبات أوقفت المشاكل التي كانت تتراكم منذ عقود: الانفجار السكاني، وسوء الإدارة، وعدم وجود سياسة طويلة الأجل، وفي بعض الحالات، الفساد.

المصدر: World Health Organization (WHO) and World Bank Data. إضغط للتكبير. @Fanack

وعلى الرغم من أن تلوث الهواء في طهران غالباً ما يتصدر عناوين الصحف، إلا أن هناك مشاكل أعمق في أجزاء أخرى من البلاد. ففي فبراير من عام 2018، اجتاحت العواصف الترابية مقاطعة خوزستان. كما وصلت نسب تلوث الهواء في الأهواز، عاصمة المحافظة التي تعاني بالفعل من الملوثات المنبعثة من صناعة البتروكيماويات المحلية، إلى 60 ضعف المستويات الآمنة. وفي يومٍ واحد، تم إلغاء 30 رحلة جوية من وإلى الأهواز بسبب الغبار الكثيف. وأوقفت السلطات المحلية خدمات الحافلات ونُصح السكان بالبقاء في المنزل.

فهذه المنطقة مأهولة بالأقليات العربية، مما قد يُضيف المزيد من التعقيد إلى الوضع. وتلقي العديد من هذه الأقليات باللوم على السياسات التمييزية للدولة فيما يتعلق بالأزمة البيئية الحالية. وقد أدى ذلك إلى احتجاجاتٍ محلية تم قمعها من قبل شرطة مكافحة الشغب والحرس الثوري. ففي المناطق التي يوجد فيها مزيجٌ من المجتمعات الدينية أو العرقية، يمكن بسهولة تسييس المشاكل البيئية. فقد أفسدت مشكلاتٌ مثل الإهمال السياسي ونقص الاستثمار في المحافظات المهمشة العلاقاتِ بين الدولة والمجتمع لعقودٍ من الزمن. ففي خوزستان، التي تواجه ما يُعتبر أسوأ تلوثٍ للهواء في العالم، هناك عدم ثقة تاريخية بين الأقليات العربية والحكومة المركزية التي يُسيطر عليها الفرس.

كما تحدث المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي علناً عن تلوث الهواء، ويتضمن موقعه الإلكتروني على الإنترنت قسماً يتعلق بالأحكام الإسلامية المرتبطة بالتلوث الشديد. وعلاوة على ذلك، اعترف الرئيس حسن روحاني علناً بتدهور الوضع. وفي يناير 2018، طلب المرشد الأعلى من الحكومة تخصيص 150 مليون دولار لمكافحة تلوث الهواء الشديد في الجنوب، ولكن نظراً لحجم المشكلة، قد يكون ذلك قد جاء في وقتٍ متأخرٍ قليلاً.

وبالتالي، نما الجدل الدائر حول سياسة الدولة تجاه المشاكل البيئية في البلاد عندما أصبح من الواضح أن رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف أنفق خمسة أضعاف المال على البرامج الدينية بدلاً من إنفاقها على البيئة. وقد أثار ذلك غضب نشطاء المجتمع المدني وأشعل السياسات الحزبية وتوجيه أصابع الاتهام.

وعليه، سيكون من الصعب معالجة تلوث الهواء بدون جبهةٍ سياسية موحدة. وبالإضافة إلى نهجٍ شامل، هناك حاجة ماسة إلى تعاونٍ إقليمي أوثق، وهو أمرٌ غير مرجح في ظل المناخ السياسي الحالي. وإذا ما استمر الوضع الحالي في التدهور، سيصبح تلوث الهواء من أكثر القضايا السياسية والأمنية التي تواجه الجمهورية الإسلامية إلحاحاً.