وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البرنامج النووي الإيراني


يعود البرنامج النووي الإيراني إلى النصف الثاني من عام 1970، عندما قرَر الشاه محمد رضا بهلوي – ولسبب وجيه جداً، كما اتضح بعد ذلك – أن النفط في باطن الأرض هو أفضل من الدولارات في البنك. فخطَط لإقامة عدد من مفاعلات نوويَة لتوليد الطاقة. وهكذا فإن برنامجه كان مختلفاً عن البرنامج الإسرائيلي، من حيث أن طابعه كان مدنياً في الأساس. ولكن لا يمكن استبعاد احتمال تحويله يوماً ما لأغراض عسكريَة. ونظراً لطموح الشاه المعلن لبناء إيران كقوة إقليمية كبرى قادرة على ‘حماية’ الخليج الفارسي، كان هذا موضوع الكثير من التكهنات خلال تلك الفترة.

بعد الثورة الإسلامية (1979)، توقف البرنامج النووي. ولكن أعيد تنشيطه في أوائل التسعينات، ربما لضمان عدم بقاء إيران دون حماية مرة أخرى، كما كانت  خلال حربها مع العراق (1980-1988). فأثناء الحرب، استخدم نظام صدام حسين أسلحة غير تقليدية (كيماوية، بيولوجية) على نطاق واسع ضد القوات المسلحة الإيرانية، كما هدد باستخدامها ضد مناطق سكانية رئيسية ذات كثافة سكانية عالية في إيران. وخلال السنوات، تحوَل البرنامج النوَوي الإيراني إلى مسألة فخر وطني. مما لا شك فيه، ومع الأخذ بعين الاعتبار الوقت الذي انقضى (مع العلم أن مشروع مانهاتن النوَوي الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية احتاج فقط لثلاث سنوات منذ بدايته إلى يوم تجربة القنبلة الأولى) كان التقدَم بطيئاً بشكل مدهش. ومن غير المعروف إذا ما كان هذا نتيجة مشاكل تقنيَة أو عوامل أخرى.

كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تراقب إيران عن كثب، والتي فرضت الدول الغربية عقوبات في حقها.تصعّد التوتر مع إيران في شهر شباط/فبراير 2006 عندما رفعتالوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً ضد إيران إلى مجلس الأمن. في تشرين الأول/أكتوبر 2009، وافقت إيران على إرسال اليورانيوم المخصّب إلى روسيا. وفي حزيران/يونيو 2011، أعلن بأن بلاده ستواصل تخصيب اليورانيوم. ويبقى النقاش حول برنامج إيران النووي الموضوع الأهم في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية

أعلنت إيران أن برنامج تخصيب اليورانيوم الذي تقوم به هو لأغراض سلمية فقط. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لم يتم تحويل المواد النووية المصرح عنها في إيران، لكنها قالت أيضاً إنها “بحاجة إلى أن تتأكد في غياب أي تدبير عسكري ضد برنامج إيران النووي”. أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران لا تطبق قرارات مجلس الأمن، وأن عليها التعاون لتوضيح القضايا العالقة وتلبية المتطلبات في تقديم معلومات عن منشآتها النووية.

عام 2007، قدّرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن إيران انتهت من “تصميم قنبلة نووية وأعمال تصنيع السلاح النووي” عام 2003. عام 2009، قدّرت الاستخبارات الأمريكية أن النوايا الإيرانية كانت مجهولة؛ ولكن في حال سعت إيران إلى صنع أسلحة نووية، فإنها “لن تتمكن على الأرجح من تحقيق ذلك قبل عام 2013″، وأقرت بـ “إمكانية عدم تحقيق ذلك إلا بعد عام 2015”. دعت إيران الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى نزع السلاح، كما دعت إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.

في قرار نادر لم يحظَ بالإجماع، صوتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على عدم امتثال إيران باتفاق الضمانات حول معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي. وبعد إبلاغ مجلس الأمن بذلك، طالب المجلس إيران بتعليق نشاطات التخصيب، وفرض عليها عقوبات عندما رفضت ذلك. وقال الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إن هذه العقوبات غير قانونية. تمكنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التحقق من عدم تحويل المواد النووية المصرح عنها في إيران، ولكن ليس من عدم وجود نشاطات غير مصرح عنها. ودعت حركة عدم الانحياز الطرفين إلى العمل من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتوصل إلى حل.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ضد إيران يفرض على هذه الأخيرة تطبيق القانون المعدل رقم 3.1 على اتفاقية الضمانات الخاصة بها؛ وتنفيذ البروتوكول الإضافي والمصادقة عليه. كما أعرب المجلس عن “مخاوفه الكبيرة” حيال عدم تعاون إيران بشأن المسائل التي تحتاج “إلى التوضيح لاستبعاد إمكانية اتخاذ أبعاد عسكرية ضد برنامج إيران النووي”. قالت إيران إن هذا القرار “المتسرع وغير المبرر سيضر بالأجواء المشجعة والضرورية” لنجاح المفاوضات وإلى تعاون لا يتخطى “إلتزاماتها القانونية تجاه المجلس”. مع ذلك، بقي الخلاف بين إيران والغرب حول برنامج إيران النووي. واحتدم الخلاف منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011 مع اكتشاف المفتشين الدوليين أدلة جديدة، وفرض الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات أشد على صادرات إيران النفطية، وتهديد إيران بإقفال مضيق هرمز، والتهديدات الإسرائيلية التي رافقها رفع الجاهزية لمهاجمة منشآت إيران النووية. في 1 آب/أغسطس 2012، خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إلى اسرائيل، ألقى خطاباً شديد اللهجة ضد إيران هدد فيه ضمنياً بهجوم عسكري أمريكي في حال قررت إيران تطوير أسلحة نووية.

في صيف عام 2012، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عقوبات جديدة كان الهدف منها عزل إيران عن سوق النفط العالمية، على أمل أن ترغم هذه العقوبات إيران على تغيير مسارها. وحتى قبل اتخاذ هذه الخطوات، تدنّت صادرات إيران النفطية بنسبة 20-30%، وانخفضت قيمة عملتها بنسبة تفوق 40% مقابل الدولار منذ 2011. غير أن تصعيد العقوبات، الذي بدأته إدارة بوش وعززته إدارة أوباما، فشل حتى الآن في تحقيق الهدف الأولي منه: إجبار إيران على إيقاف تخصيب اليورانيوم. وردّت إيران على العقوبات الجديدة بسلسلة من التحديات: أعلنت عن تشريع يهدف إلى تعطيل حركة المرور في مضيق هرمز، الممر الحيوي للسفن في الخليج الفارسي؛ واختبار صواريخ بهدف تحذير إسرائيل والولايات المتحدة.

خلال السنوات القليلة الماضية، تعرضت إيران إلى سلسلة من الهجمات الإلكترونية، ارتبط بعضها ببرنامجها النووي. وتشير التقارير إلى أن الرئيس أوباما، خلال الأشهر الأولى من ولايته، أصدر قراراً سرياً بزيادة الهجمات على أنظمة الكمبيوتر في منشآت تخصيب المواد النووية في إيران، مع توسيع استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للأسلحة الإلكترونية بشكل كبير. ومن أشهر هذه الأسلحة نذكر فيروس “ستوكسنت” (Stuxnet)، وهو عبارة عن دودة حاسوب، أو برنامج خبيث، انتشر في البرامج الصناعية حول العالم عام 2009. وتبين أن فيروس ستوكسنت، الذي طورته الولايات المتحدة واسرائيل، تمكن من القضاء على حوالي 1000 جهاز طرد مركزي من أصل 5000 كانت إيران تديرها في ذلك الوقت لتخصيب اليورانيوم. وفي أيار/مايو 2012، اخترق فيروس “فلايم” (Flame) للتنقيب في البيانات أجهزة كمبيوتر تعود إلى مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، مكتسحاً المعلومات من أجهزتهم. وفي رسالة وضعت على الموقع الإلكتروني التابع لمركز تنسيق فريق الاستجابة لحالات الطوارئ الحاسوبية في إيران، حذر المركز قائلاً بأن هذا الفيروس كان على الأرجح أكثر ضرراً من فيروس ستوكسنت. وعلى خلاف ستوكسنت، يبدو أنه لم يتم تصميم فيروس Flame لإتلاف البيانات، وإنما لجمع المعلومات سراً من مجموعة كبيرة من المصادر.

برنامج الصواريخ البالستية

لحماية البرنامج، تم نشر أجزائه على نطاق واسع فوق الأراضي الإيرانية. وربما لم تنجح أجهزة الاستخبارات الأجنبية في تحديد كل المواقع. إلاَ أن أهم قسم هو منشأة ناتانز حيث يتمَ تخصيب اليورانيوم، ومفاعل بوشهر الذي سيزود إيران بالبلوتونيوم عند اكتماله.

خلافاً لإسرائيل، فقد وقعَت إيران على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوويَة. ومثل الإسرائيليين، لم يعترف الإيرانيون أبداً بأن الهدف من برنامجهما هو صنع قنبلة نوويَة – لسبب وجيه جداً، نظراً لوجود خطر حقيقي، إذا ما اعترفوا بذلك، بتعرَضهم لهجوم من قبل إسرائيل، أو أمريكا، أو كليهما. وحتى الآن، في الواقع، هناك احتمال ضئيل على قيامهم بصنع قنبلة.  إلاَ أن إيران تمتلك بالفعل برنامجاً كبيراً ونشطاً للغاية لتطوير صواريخ بالستية. قد يصل بعضها إلى أي هدف ضمن دائرة نصف قطرها حوالي 2000 كم. وبما أن هذه الصواريخ بالكاد تمثل أهمية عسكريَة دون رؤوس حربية نوويَة، فمن الضروري افتراض أن طهران تقوم في الواقع بكل ما في وسعها لتطوير، إن لم يكن قنبلة فعلية، أو على الأقل خيار بناء واحدة بسرعة إذا ما اقتضى الأمر.

بالإضافة إلى ذلك, أثارت تقارير 2002 و 2003 بشأن الأبحاث الخاصة بتخصيب الوقود وتحويله مخاوف دولية من احتمال قيام إيران بتطوير برنامج أسلحة نووية.على رغم من ذلك, من المتعارف عليه أن إيران لا تملك حالياً أسلحة دمار شامل، وقد وقعت على معاهدات تعارض حيازة أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك معاهدة الأسلحة البيولوجية واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، إضافة إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

Advertisement
Fanack Water Palestine