علي نور الدين
يثير الاعتماد على الوقود الإحفوري لإنتاج الطاقة العديد من المشاكل الاقتصاديّة، وفي طليعتها تعرّض كلفة إنتاج الكهرباء لتقلّبات أسعار المشتقات النفطيّة.
هذا تحديدًا ما حصل خلال عام 2021، حين ارتفع متوسّط سعر برميل النفط بنحو 68% على أساس سنوي، مقارنة بالسنة السابقة، نتيجة خروج الأسواق من حالات الإقفال الشامل التي صاحبت تفشّي وباء كورونا سنة 2020، ما رفع الطلب على المحروقات.
وهذا ما حصل أيضًا خلال العام الحالي، بعدما ارتفع المتوسّط السنوي لسعر برميل النفط بنسبة 50% مقارنة بالسنة السابقة، نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانيّة، واستمرار معدلات الطلب المرتفعة على النفط في مرحلة التعافي من أزمة جائحة كورونا.
وهكذا، مع كل قفزة في أسعار النفط العالميّة، تقفز كلفة الكهرباء التي يتم إنتاجها بالوقود الإحفوري بالنسبة نفسها، ما يؤدّي إلى زيادة الضغوط المعيشيّة على الأسر من جهة، وارتفاع كلفة الإنتاج على القطاعات الاقتصاديّة من جهة أخرى.
إشكاليّات الاعتماد على الوقود الإحفوري لإنتاج الطاقة
إلا أنّ التقلبات في تكلفة إنتاج الكهرباء ليست الصعوبات الوحيدة الناتجة عن الاعتماد على الوقود الإحفوري لتوليد الطاقة، بل ثمّة تداعيات أخرى قد تكون أشد خطورة. فبالنسبة للدول المستوردة لمشتقات النفط، ترتفع الحاجة للعملات الصّعبة وذلك لاستيراد المحروقات بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط في السوق العالميّة، ما يربط الاستقرار النقدي لهذه الدول بأسعار النفط العالميّة.
ولهذا السبب بالتحديد، غالبًا ما يتم ربط توقعات النّمو الاقتصادي والاستقرار المالي للدول المستوردة للنفط، بأسعار النفط المتوقّعة خلال الفترات المقبلة. ولهذا السبب أيضًا، غالبًا ما تشهد أسواق النفط تجاذبات قاسية بين الدول المنتجة للنفط، التي تملك مصلحة دائمة بارتفاع الأسعار، والدول المستوردة للنفط، التي تضغط باتجاه إجراءات تضبط أسعار النفط.
أما أهم ما في الموضوع، فهو أن كلفة إنتاج الكهرباء عبر أرخص أنواع الوقود الإحفوري، باتت أعلى بنحو أربع مرّات من كلفة إنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، وفقًا لأرقام الوكالة الدوليّة للطاقة المتجددة.
مع الإشارة إلى أنّ الأرقام نفسها تُظهر أنّ الطاقة التي تم توليدها باستخدام الطاقات المتجددة خلال العام الماضي، قد وفّرت نحو 55 مليار دولار من تكاليف إنتاج الطاقة، التي كانت ستترتّب لو تم إنتاج هذه الطاقة عبر الوقود الإحفوري. وبهذا المعنى، وبعد انخفاض كلفة إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسيّة بنسبة 88% بين 2010 و2021، بات استعمال الوقود الإحفوري لإنتاج الكهرباء مسألة مكلفة للغاية مقارنةً بالبدائل المتاحة في مجال الطاقة المتجددة.
أهميّة الاعتماد على الطاقة المتجددة في المنطقة العربيّة
وفي النتيجة، ثمّة ما يكفي من أسباب لدفع المجتمعات اليوم باتجاه الطاقة المتجددة، كبديل عن الطاقة التي يتم توليدها باستخدام الوقود الإحفوري وبالنسبة لدول المنطقة العربيّة بالتحديد، ثمّة أسباب إضافيّة تدفع بهذا الاتجاه، تتصل بمعدلات النّمو السكّاني الكبيرة، والتي تفوق معدلات النّمو العالميّة، وهو ما يدفع تلقائيًّا باتجاه ارتفاع الطلب على مصادر الطاقة.
وبالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من الدول العربيّة المستوردة للنفط من أزمات نقديّة حادّة وطويلة الأمد، كحال لبنان وسوريا والسودان ومصر. وهذه الأزمات تتفاقم اليوم مع كلّ ارتفاع في أسعار المواد الأساسيّة في الأسواق العالميّة، ومنها النفط، نتيجة تزايد الضغوط على ميزان مدفوعات هذه الدول مع ارتفاع كلفة المواد المستوردة.
ومن الناحية العمليّة، تنعم المنطقة العربيّة بإمكانات كبيرة على مستوى الطاقة المتجددة، وخصوصًا لجهة امتيازها بأعلى سطوع شمسي على سطح الكرة الأرضيّة، أي أعلى نسبة تعرّض لأشعة الشّمس. إذ وبحسب دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تستفيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من شعاع شمسي تتراوح إنتاجيته بين 4 و8 كليوواط/ساعة على المتر المربّع، بسبب موقعها على سطح الكرة الأرضيّة.
كما تمتاز بانخفاضِ في معدّل تواجد الغيوم، ما يسمح لها بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسيّة لأقصى عدد ممكن من أيّام السّنة. ولمعرفة أهميّة هذه الطاقة المتجددة، تكفي العودة إلى أرقام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، التي تشير إلى أنّ كلّ كيلومتر مربّع من أراضي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتلقّى قدرًا من الطاقة الشمسيّة سنويًّا بما يعادل إنتاجيّة 5.1 مليون برميل من النفط الخام.
ببساطةٍ، بإمكان المنطقة العربيّة أن تستفيد من الطاقة المتجددة بشكلٍ كبيرٍ، بما لا يقتصر فقط على تأمين حاجات سكّانها وقطاعاتها الاقتصاديّة من الطاقة، بالإضافةِ إلى استجرار الطاقة الكهربائيّة وتصديرها إلى مناطق أخرى حول أنحاء العالم.
مع الإشارة إلى أنّ بعض الدول العربيّة، كمصر مثلًا، تملك أساسًا خطوط ربط كهربائي تصلها بالعديد من الدول الأوروبيّة والأفريقيّة، ما يمثّل قاعدة لبنية تحتيّة يمكن استخدامها لتطوير منظومات تصدير الطاقة الكهربائيّة.
مشاريع الطاقة المتجددة القائمة في المنطقة العربيّة
رغم كلّ هذه الفرض المتاحة، تقتصر مشاريع الطاقة المتجددة الوازنة والطموحة على أربع دول عربيّة، هي مصر والإمارات العربيّة المتحدة والمملكة العربيّة السعوديّة والمغرب.
مع الإشارة إلى أنّ العديد من الدول العربيّة تملك بدورها برامج ومشاريع صغيرة ومخططات لإنتاج الطاقة المتجددة، إلا أنّ نطاق هذه المشاريع مازال صغيرًا مقارنة بحاجات هذه الدول للطاقة الكهربائيّة، ما يبقيها في نطاق الاعتماد الشديد على الوقود الإحفوري لتوليد الطاقة.
وتحل مصر اليوم في صدارة السّباق نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، حيث أكّد محمد الخياط رئيس هيئة الطاقة المتجددة أنّ بلاده رفعت نسبة مساهمة الطاقات المتجددة من إجمالي إنتاج الكهرباء المصري إلى حدود ال20%، ما يمثّل نسبة مرتفعة قياسًا بسائر الدول العربيّة.
كما تطمح مصر في الوقت الراهن، من خلال مشاريع جديدة، إلى رفع هذه النسبة إلى حدود الثلث بحلول العام 2025، بما يتضمّن إنتاج نسبة 16% من الكهرباء المصريّة من طاقة الرياح، و7% من الخلايا الشمسيّة، و10% من الطاقة الكهرومائيّة. مع الإشارة إلى أنّ سائر الطاقة المنتجة من المصادر التقليديّة ستعتمد على الغاز المستخرج من الحقول المصريّة نفسها، ما يؤمّن للبلاد إلإكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
من ناحيتها تركّز استراتيجيّة الإمارات على مشاريع الطاقة الشمسيّة، حيث من المفترض –بحسب خطتها للطاقة- أن تعتمد بحلول العام 2050 على الطاقة المتجددة لتأمين 50% من الطاقة المُنتجة في البلاد، مع الاعتماد على الطاقة النوويّة لتأمين 25% من الإنتاج الكهربائي. وبذلك، سيتقلّص الاعتماد على الوقود الإحفوري، بما يحصر استعماله بتوليد ربع الطاقة الكهربائيّة التي تحتاجها الإمارات فقط.
في المقابل، حققت السعوديّة السّنة الماضية أعلى نسبة نموٍ عربيّةٍ في توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، بعدما زادت إنتاجيّة مصادر الطاقة المتجددة لديها بنسبة 301% خلال العام الماضي. ومن المفترض بحسب مخططات السعوديّة أن ترتفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة من إجمالي الكهرباء المنتجة محليًّا إلى حدود ال30% خلال العام 2030. مع الإشارة إلى أنّ السعوديّة تملك أيضًا مجموعة من الخطط لتطوير منظومات نقل الكهرباء واستجرارها، بما يسمح لها لاحقًا بتصدير فوائض الطاقة التي تولّدها السعوديّة إلى دول الجوار.
أخيرًا، تبدو مخططات المغرب الأكثر طموحًا من بين جميع الدول العربيّة، في ما يخص تطوير منظومات إنتاج الطاقة الكهربائيّة. حيث تخطط المغرب لزيادة حصّة الطاقة المتجددة من إجمالي الكهرباء التي تنتجها إلى حدود ال52% بحلول عام 2030، فيما تمكنت البلاد بالفعل من زيادة هذه النسبة إلى حدود ال37% عام 2021. مع العلم أنّ هذه النسبة توزّعت ما بين طاقة الرياح بنسبة 13.4%، والطاقة الشّمسيّة بنسبة 7.03%، والطاقة الكهرومائيّة بنسبة 16.57%.
المطلوب أكثر بكثير
كل ما سبق، يؤكّد التفات هذه الدول العربيّة الأربعة لأهميّة الطاقات المتجددة لاستقرارها الاقتصادي، ولتقليص الآثار البيئيّة التي يخلّفها استعمال الوقود الإحفوري. إلا أنّ نطاق هذه المشاريع مازال متواضعًا جدًا قياسًا بإمكانات المنطقة العربيّة، نظرًا لاقتصاره على أربع دول فقط، وغيابه عن الغالبيّة الساحقة من دول المنطقة العربيّة.
أمّا السبب الأساسي لاقتصار المشاريع على هذه الدول الأربعة، فغالبًا ما يتصل بمحدوديّة الموارد الماليّة المتوفّرة في معظم الدول العربيّة، والتي يمكن أن يتم استثمارها في مصادر الطاقة المتجددة. وحتّى هذه الدول الأربعة، مازالت تعاني من تأخّرٍ في تنفيذها لبعض مشاريع الطاقة المتجددة المنصوص عنها في الخطط الرسميّة، ما سيعني التأخّر في تحقيق نسبة الإعتماد على الطاقات المتجددة المستهدفة في الخطط العتيدة.
في خلاصة الأمر، ولكي تتمكن دول المنطقة العربيّة من الاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة بالشكل الأمثل، على هذه الدول البحث في بعض نماذج الشراكة مع القطاع الخاص، التي يمكن أن تسمح باستقطاب الاستثمارات الأجنبيّة إلى قطاع الطاقة، للمساهمة في توليد الطاقة النظيفة بأسعار منخفضة.
كما على هذه الدول أن تطوّر منظومات الرّبط الكهربائي في ما بينها، لتمكين الدول التي بدأت بالاستثمار في مجال الطاقة المتجددة من تصدير فائض الطاقة الموجود لديها، للدول التي تعاني اليوم من نقص في الطاقة المُنتجة.
أمّا أهم ما يمكن القيام به، فهو إنشاء صناديق استثماريّة مشتركة، تمكّن الدول التي تملك فوائض في الرّساميل من استثمار أموالها في مشاريع الطاقة النظيفة في دول أخرى، ما سيحقق المنفعة للطرفين في الوقت نفسه.