يمتاز لبنان عن باقي الدول العربية بجمال طبيعته الخضراء، وتعدد معالمه السياحية فمن غابتي الأرز في بشري وتنورين إلى وادي قنوبين ومغارة جعيتا، وقلعة بعلبك وصور وصيدا وجبيل. صغيرٌ ولكن متنوع، هكذا يروّج للبلاد التي يمكنك فيها التزلج على الجبال التي تغمرها الثلوج في الصباح والاستمتاع بالسباحة في البحر الأبيض المتوسط ما بعد الظهيرة.
كل هذه الميزات تسعى وزارة السياحة في لبنان إلى التركيز عليها لجذب أكبر عدد ممكن من السياح إليه. لكن لا يخفى على كثيرين اليوم أن
التلوث البيئي الحاصل على مختلف الأصعدة من تلوث الهواء إلى تلوث المياه والشواطئ اللبنانية، أصبح يشكل خطراً داهماً على الثروة البيئية اللبنانية. ويرى محللون أن السبب الأساسي وراء تفاقم مشكلة التلوث ووصولها إلى الحدود الخطرة التي وصلت إليها هو تقاعس الدولة والجهات المعنية عن إيجاد حلولٍ جذرية عبر السنين للحد من التدهور البيئي الحاصل.
ولا بد لنا من الحديث عن أزمة النفايات– التخلص العشوائي من النفايات- التي تصدرت عناوين الأخبار المحلية والدولية عام 2015، إذ لعبت هذه المشكلة الدور الرئيسي في تسليط الضوء على القضايا البيئة التي أصبحت الشغل الشاغل للمواطنين اللبنانيين.
فقد نشرت حملة “طلعت ريحتكم،” التي أطلقت جراء تفاقم أزمة النفايات في لبنان، فيديو على صفحتها الخاصة على موقع فيسبوك بعنوان “الإنذار الأخير.” ويظهر هذا الفيديو الأماكن التي تتجمع فيها النفايات على الطرقات وضفاف الأنهر وشواطئ البحار، فيديو شكل صدمة في الصحف اللبنانية والعالمية، إذ أنه أظهر حجم الكارثة التي وصلت إليها هذه الأزمة والتي عجزت الحكومة عن حلها طوال الأشهر الماضية. ومن الجدير بالذكر، أن مشكلة النفايات في لبنان تعود إلى سنين عديدة، فليس هناك بالأساس خطط واضحة وطرق سليمة للتخلص من المخلفات (سواء الصلبة أو السائلة) والنفايات في لبنان.
يتم التخلص من النفايات في لبنان بطرقتين لا ثالث لهما. الطريقة الأولى تتم عبر حرق النفايات التي ينتج عنها تصاعد الغازات السامة مثل أحادي أكسيد الكربون الذي يؤدي إستنشاقه إلى عرقلة نقل الأكسجين إلى الدماغ والقلب، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت في حال تم إستنشاقه بكميات كبيرة.
فيما يؤدي الديوكسين الناتج عن حرق النفايات إلى أثار خطيرة على الأعصاب وجهاز المناعة، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى سرطانات مختلفة، أما إنبعاث غاز أكسيد الكبريت الناتج عن عملية الإحتراق نفسها فيؤدي إلى أزمات ربو حادة.
أما الطريقة الثانية التي يتم من خلالها التخلص من النفايات الصلبة في لبنان فمن خلال المطامر، الذي يتم غالباً بشكل عشوائي في مطامر غير منظمة منتشرة في أنحاء البلاد. ولعل أزمة النفايات الحالية في لبنان قد نتجت جراء إقفال مطمر الناعمة، الأكبر في لبنان، بسبب الأضرار الجسيمة التي ظهرت على صحة المواطنين الذين يسكنون بلدات قريبة منه.
تؤدي المطامر إلى انبعاث الغازات السامة كثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى الحدّ من نسبة الأوكسجين في الهواء، كما تتغلغل النفايات لدى تحللها في الينابيع والمياه الجوفية.
وفي هذا الإطار، أصدر المجلس الوطني للبحوث العلمية بياناً أعلن فيه أنه “خلال العاصفة الرملية التي هبّت على لبنان والمنطقة، إبتداءً من 7 سبتمبر 2015 ، وبلغت ذروتها في 9 و10 سبتمبر 2015، استطاعت الوحدة البحثية، الممولة من قِبل المجلس، قياس درجة تلوث الهواء في مدينة بيروت مقارنةً بالمعدل العام السابق.”
وقد أشار البيان إلى أنه تبيّن أن هذا التلوث قد ارتفع بنسبة كبيرة ليتعدى المعدل العام ويبلغ ما يقارب الـ 120 ضعفاً للجسيمات التي لا يتعدّى قطرها 10 ميكروميتر، أما الجسيمات التي لا يتعدّى قطرها الـ2,5 ميكروميتر للجسيم الواحد، فقد تعدّى تلوث الهواء المعدل العام بنسبة 6 أضعاف.
ومع ذلك، لا يمكننا حصر إرتفاع نسبة التلوث في الهواء في العام المنصرم وحساب كمية إنبعاث الغازات السامة الناتج فحسب عن تراكم النفايات، لأن التلوث في لبنان يعود لأسباب عديدة، لعل أبرزها الغازات السامة المنبعثة من دواخين المصانع ومعامل توليد الطاقة.
وفي عام 2014، سجل مستشفى سيدة لبنان في جونية شرقي بيروت، القريب من معمل الزوق الحراري، 1300 حالة إصابة بالربو، و1,280 إصابة بالتهابات رئوية وتنفسية حادة، بالإضافة إلى 84 حالة إصابة بسرطان الرئة.
وتشير بعض المصادر إلى أن ثاني أكسيد الكربون الصادر من دواخين المعامل الحرارية في منطقة شكا الصناعية شمال لبنان، يؤدي بشكلٍ أساسي للإصابة بسرطان الرئة. وبالرغم من كل الوعود التي تلقتها البلديات المحلية والأهالي، إلا أنّ المشاكل البيئية الناجمة عن دواخين هذه المصانع ما زالت تتفاقم عاماً بعد عام.
وتفاقم الغازات المنبعثة من عوادم المركبات المشكلة في لبنان بشكلٍ عام، وبيروت على وجه الخصوص، إذ تعتبر العاصمة مستودعاً كبيراً للسيارات. وفي ظل عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد السيارات في لبنان، تشير الأرقام غير الرسمية إلى وجود حوالي 5 ملايين سيارة بين خصوصي وعمومي، على مساحة قدرها 10,452 متر مربع، وهو رقم مرتفع نسبياً في ظل الافتقار إلى وجود نظام نقل عام متمكن.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، يشكل تلوث الشاطئ اللبناني والموارد المائية نتيجة تصريف مخلفات المصانع في المياه بشكلٍ عشوائي مشكلة رئيسية أخرى، إذ يتم تصريف آلاف المخلفات الصناعية والملوثات في البحر كل عام، بكل ما تحمله من مواد كيمائية تشكل ضرراً مباشراً على الثروة البحرية، فضلاً عن تصريف مياه الصرف الصحي أو المياه العادمة غير المعالجة والناتجة عن المستشفيات والمنازل مع كل ما تحتويه من مواد عضوية ينتهي أمرها في أعماق البحار. وأضف إلى ذلك آثار النفط المتسرب من معمل الجية الحراري جنوب مدينة بيروت جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، مما يفاقم الوضع سوءاً.
وعلاوة على ذلك، يؤدي النمو السكاني السريع، إلى جانب تدفق حوالي مليون ونصف لاجىء سوري إلى البلاد، إلى استنزاف الموارد والدفع بقدرات لبنان إلى حافة الانهيار.
ففي عام 2014، أصدر وزير البيئة محمد المشنوق بياناً لتقييم أثر أزمة اللجوء السوري على البيئة في لبنان بناءً على دراسة قامت بها وزراته.
وقد أشارت النتائج الأولية لهذه الدراسة أن كمية النفايات التي ينتجها اللاجئون تشكل حوالي 15% من نسبة النفايات الصلبة التي كان ينتجها اللبنانيون قبل بدء أزمة اللجوء. كما أشارت الدراسة أيضاً إلى إرتفاع بنسبة مياه الصرف الصحي إلى حوالى 14%، مما قد يؤدي إلى طفح شبكات الصرف الصحي وإنسدادها. أما بالنسبة لتلوث الهواء، فقد أظهرت الدراسة ذاتها إلى إزدياد بنسبة 20% في انبعاث ملوثات الهواء جراء الارتفاع الكبير بحركة المرور في المدن التي تستضيف لاجئين بأعداد كبيرة.
وبالتالي، وبناءً على كل ما سبق، يُجمع الخبراء البيئيون والقيّمون على الجمعيات البيئية في لبنان على أن إيجاد حلول سريعة وجذرية للمشاكل البيئية التي تعاني منها البلاد قد يكون من الصعب جداً، في ظل التدهور الأمني والاقتصادي. وفي الوقت نفسه، تقترح هذه الجمعيات حلولاً قد يكون لها أثر إيجابي في الحياة البيئية اللبنانية. ويبقى المواطن اللبناني العنصر الأساسي في العمل على حماية بيئته.