وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تراجع شعبية شبكة الجزيرة الاخبارية وقنواتٍ أخرى

Al-Jazeera headquarters
مقر قناة الجزيرة في الدوحة، قطر. Photo Carlos Cazalis / Arabian Eye

أعتبرت يوماً ما أحد أبرز وأكثر القنوات الاخبارية التلفزيونية تأثيراً في الشرق الأوسط، قناة الجزيرة، الممولة من قطر، باتت اليوم تفقد بريقها، وهو تغييرٌ يعزوه الخبراء في الحقل الإعلامي إلى مشاكل في مصداقيتها عوضاً عن الثورة في وسائل الإعلام الرقمية.

الشبكة الإخبارية التي أنشأت في عام 1996 من قِبل الحكومة القطرية الغنية بالنفط، كأول قناة فضائية إخبارية في الشرق الأوسط تبث على مدار الـ24 ساعة، خسرت الملايين من مشاهديها في السنوات الأخيرة، بعد اتهماها بالتحيز في تغطيتها للأحداث السياسية في أعقاب الربيع العربي عام 2011.
ووفقاً لقناة الجزيرة، فقد نشرت وكالتيّ أبحاث إبسوس وسيجما دراستين تبين أن قناة الجزيرة بالعربية أكثر قناة إخبارية مشاهدةً في جميع أرجاء دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا الواحد والعشرين. وفي عام 2014، ادعت الجزيرة أنّ عدد متابعيها تجاوز حاجز الـ23 مليون مشاهد، بناءً على تلك الدرسات. أي أنّ هذا يتجاوز ما نسبته 34% من جميع القنوات العربية المنافسة مجتمعين. ومع ذلك، لا تعني هذه الأرقام أنّ القناة لم تفقد متابعيها في السنوات الأخيرة.

ففي 27 مارس 2016، أعلنت الجزيرة أنها ستسرح حوالي 500 موظف من موظفيها، أو أكثر من 10% من طاقم العاملين، وذلك وفقاً لرويترز. معظم المتضررين من هذا القرار من العاملين في مقر القناة في الدوحة، وذلك وفقاً للبيان الذي أصدرته الجزيرة التي تُسيطر عليها الأسرة الحاكمة في قطر. وصرّح المتحدث باسم القناة، أنه قبل تسريح الموظفين، كان يعمل في الشبكة حوالي 4,000 موظف.
وقال مصطفى سواق، القائم بأعمال مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية بالوكالة، أنّ الشبكة اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة بتسريح الموظفين للحفاظ على مكانتها ” في ضوء التغييرات الكبيرة الجارية على الساحة الإعلامية العالمية.”

لا قيمة للأرقام

ويقول يامن صبور، وهو كاتبٌ في صحيفة السفير اللبنانية، أنّ عدد المشاهدين لم يعد مؤشراً دقيقاً على شعبية الجزيرة، حيث أنها مرت بتطورات دراماتيكية على مر السنين منذ الربيع العربي.

وقال صبور في مقالةٍ كتبها للصحيفة التي تصدر من بيروت في الأول من يناير لعام 2015، أنّ مصداقية وشعبية قناة الجزيرة اليوم موضع شك، وأنّ القناة الفضائية بشعارها “الرأي والرأي الآخر” فشلت في الحفاظ على تغطية متوازنة لثورات العالم العربي، داعمةً الثورات في حين تتجاهل وجهات نظر الأطراف الأخرى من الأنظمة.

وقال أن قناة الجزيرة اكتسبت شعبية كبيرة بين الشباب المصري خلال الثورة ضد الرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011، ولكن بعد عامين خسرت الجمهور نفسه عندما وقفت ضده في انتفاضتهم ضد الرئيس السابق محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين.

وقال صبور أن قناة الجزيرة فقدت مصداقيتها وبريقها بين ملايين المشاهدين العرب وفشلت في إدخال “حلم الاحتراف والمصداقية” إلى عالم الإعلام العربي، إذ أنها خرجت عن كونها وسيلة إعلام، وتحولت إلى غرفة عمليات للتحريض على الكراهية والعنف.

وتشير دراسة أجرتها جامعة نورث ويسترن في قطر إلى أنّ شعبية قناة الجزيرة بالعربية تتضاءل في بلدان الربيع العربي. وأظهرت الدراسة التي حملت عنوان “استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط،” أنّ قاعدة مشاهدي القناة القطرية، ومقرها الدوحة، 4% فقط في جارتها البحرين، و9% في تونس (حيث اندلعت شرارة الربيع العربي)، و20% في مصر.

ففي البحرين، كان جوجل، أكثر من أي هيئة إعلامية رئيسية، أكثر الوسائل الاخبارية شعبية، بنسبة مشاهدة تصل إلى 26%. حتى أنّ الجزيرة صُنفت في مرتبة تالية لكلٍ من البي بي سي وتويتر، حيث حلت بالمرتبة الأخيرة بنسبة 4% فقط.

أما في مصر، حصدت كل من قناة الحياة والقناة المصرية الأولى ما نسبته 23% من المشاهدة لكلٍ منها، فيما احتلت قناة سي بي سي المرتبة الثالثة بنسبة 21%. وجاءت الجزيرة في المرتبة الرابعة بنسبة 20%.

وفي تونس، كان الفيسبوك أكثر الوسائل الإخبارية شعبية بنسبة 52%، بينما تذيلت الجزيرة والعربية القائمة بنسبة 9% لكل منهما.
شملت دراسة جامعة نورث ويسترن في قطر 9,693 شخصاً ممن يبلغون من العمر 18 عاماً فما فوق، بهدف تسليط الضوء على كيفية استخدام الناس في المنطقة لوسائل الإعلام، وما إذا كانوا يثقون بمصادر معلوماتهم.

صناعة المحطات التلفزيونية الفضائية في العالم العربي

وفي لقاءٍ أجريناه في Fanack مع د. باسم الطويسي، عميد معهد الإعلام الأردني، في 3 أبريل 2016، أخبرنا أنّ صناعة المحطات التلفزيونية الفضائية شهدت طفرة بعد عام 2010، حيث ازداد عدد القنوات التلفزيونية من 450 إلى حوالي 1,400 عام 2015.

وقال طويسي أنّ 91% من هذه القنوات مملوكة للقطاع الخاص، في حين أن الباقي مملوكة للدولة.
وأضاف أنّ هذا يدّل على تأثير الاستثمار السياسي في صناعة الإعلام، وليس المنافسة، مشيراً إلى أنّ قيمة الاستثمار في المحطات التلفزيونية يتجاوز حاجز الـ25 مليار دولار، في حين لا تتجاوز عائدات الإعلانات 1,5 مليار دولار سنوياً. وهذا يعني أن الاستثمارات في وسائل الإعلام في العالم العربي يحركها النفوذ السياسي الذي تسعى إليه بعض البلدان، سيما دول الخليج، بدلاً من العائدات المالية المحتملة.

وقال الطويسي أنه خلال الربيع العربي عام 2011، شوهدت شبكات الأخبار بشكلٍ أساسي كمصدرٍ للمعلومات ومنابر للنقاش العام، ولكن أصبحت فيما بعد أداةً للصراع السياسي في المنطقة، مما ألحق أضراراً بمصداقيتها.

وفي عام 2012، قال الطويسي أن شبكات الأخبار الإقليمية البارزة في العالم العربي شهدت انخفاضاً في شعبيتها بين المشاهدين بسبب قضايا تتعلق بالمصداقية، مما أدى إلى إنشاء قنوات وطنية قومية في عاميّ 2013 و2014، وبخاصة في مصر والعراق وتونس.

فقد لعبت الشبكات الاقليمية، مثل الجزيرة بالعربية، دوراً غاية في الأهمية، بشكلٍ أكبر من وسائل التواصل الاجتماعي، في الانتفاضات العربية قبل خمسة أعوامٍ في كلٍ من ليبيا ومصر وتونس.

وأضاف “كانت الشبكات الإخبارية تقود وسائل التواصل الاجتماعي. أما اليوم، فقد تغيرت الأمور، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تملك زمام المبادرة،” مشيراً إلى أنّ التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية أضعف شبكات الأخبار التي كانت تتمتع في السابق بالشعبية.
يتفق الصحفي المصري أشرف فكري مع الطويسي بأنّ تراجع وسائل الإعلام العربية الكبرى جاء نتيجة ضعف مصداقيتها والاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي.

كما أخبرنا في مقابلةٍ أجريت معه في الثالث من أبريل 2016 أن بعض الشبكات الاخبارية لم تفقد فقط مصداقيتها بين العرب، بل بات يُنظر إليها اليوم باعتبارها عدوة للجماهير بسبب تغطيتها غير المهنية.

ويقول فكري “يعود تلاشي بريق هذه الشبكات الإخبارية إلى أخطائهم بابتعادهم عن المهنية الإعلامية، وذلك فقط لتنفيذ أجندات الممولين أو الدول التي أسستها.”

فمن المعروف أنّ الحكومة القطرية تموّل تشغيل قناة الجزيرة، إلا أنها تصر أنها لم تتدخل أبداً بالسياسة التحريرية للشبكة.
ومع ذلك، في عام 2011، تم تعيين أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر رئيساً لقناة الجزيرة، في خطوة اعتبرها المحللون بأنها محاولة لتتماشى تغطية الشبكة الفضائية ذات التأثير بشكلٍ أكبر مع سياسة الحكومة. فقد تم استبدال وضاح خنفر، الصحفي الفلسطيني المولد الذي شغل منصب المدير العام منذ عام 2003، بالشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني.

ووفقاً لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في الأول من أكتوبر 2011، فلطالما كانت العلاقة بين قناة الجزيرة والأسرة الحاكمة في قطر مصدراً للجدل، إذ لطالما عملت قناة الجزيرة تحت المظلة السياسية والاقتصادية في دولة قطر، ولكن نقاد الشبكة يدعون أن العلاقة أعمق من ذلك، وأن القناة في الحقيقة مجرد ذراعٍ لحكومة صاحب السمو أمير البلاد.

ووفقاً للتقرير “ما هو واضح أنّ وجهة نظر الشبكة غالباً ما تعكس بشكلٍ وثيق أجندة دولة قطر، وهي دولةٌ يمكن ببساطة تلخيص سياستها الخارجية باعتبارها محاولة معقدة للانسجام مع الجميع في نفس الوقت. ومنذ إنشائها، كانت الجزيرة ولا تزال تمارس سياسة الباب المفتوح المماثلة لسياسة الحكومة.”

ووفقاً لرويترز، ازدهرت الجزيرة بهذا الشكل المذهل في ظل الشيخ حمد، الذي، على عكس زعماء دول الخليج الأخرى، دعم حركات الاحتجاج في الشرق الأوسط ولعب دور الوسيط في العديد من الحروب.