وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وجد ضالته في الترجمة: هل يزداد نشر الأدب العربي باللغة العبرية؟

Israel- The Yacoubian Buildin
نُسخ من رواية “عمارة يعقوبيان” للكاتب المصري علاء الأسواني تُعرض في مكتبة في القاهرة في 29 أكتوبر 2010. أثارت الترجمة العبرية للرواية المصرية الأكثر مبيعاً من قِبل دعاة سلام إسرائليين، غضب الأسواني الذي يدعم المقاطعة الثقافية لإسرائيل. Photo AFP

خلال العصر الذهبي للأندلس في إسبانيا في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، كانت الترجمات وسيلةً شائعةً لنقل المعرفة. فقد كانت الترجمة من العربية إلى العبرية، وبالعكس، مألوفة، وأثرت كل ثقافةٍ على الأخرى من خلال أعمال الفلاسفة والمثقفين والشعراء العظماء من المسلمين واليهود.

أما في العصور الحديثة، فقد أصبح التفاعل بين اللغتين أقل بالرغم من أصولهم الساميّة المشتركة. كما أضرّ الصراع الذي دام 70 عاماً بين إسرائيل وجيرانها العرب على تدفق الترجمات. وتعتبر هذه عقبة حقيقية أمام الوصول إلى ثقافة ومجتمع الطرف الآخر وفهمه. وفي عام 2017، بات يُنظر إلى اللغتين بريبةٍ متبادلة.

وخلال تسعينيات القرن الماضي، كان هناك بضع أماكن في إسرائيل يمكن للمرء أن يجد فيها أعمالاً أدبية باللغة العربية، ومن ضمنها بيت كافيه يافا ف ي مدينة يافا، ومكتبة المستعمرة الأمريكية في القدس، التي توفر أيضاً ترجماتٍ باللغة الإنجليزية للأعمال. وعليه، ألهِمت الناشرة يائيل ليرر لتأسيس دار نشر الأندلس المستقلة، التي تم اختيار اسمها بعنايةٍ فائقة- لسد الفجوة في هذا المجال. فقد نشرت 22 كتاباً لكتّاب عرب بارزين أمثال محمود درويش، ومحمد شكري، وحنان الشيخ، وهدى بركات، وإلياس خوري قبل أن تتوقف عن العمل في هذا المجال عام 2009 لعدم اهتمام القرّاء الاسرائيليين. وقالت ليرر التي أشارت إلى تصلب المواقف الاسرائيلية تجاه تصلب العرب بعد فترةٍ من الإنفتاح وما رافقها من حبٍ للاستطلاع في أعقاب عملية السلام (المحتضرة حالياً)، “حتى أن من الصعب إستيراد الكتب باللغة العربية وتخليصها من الجمارك.”

وثمة عقبة أخرى أمام ترجمة الأدب العربي إلى اللغة العبرية وهي السياسة والخوف من “تطبيع” العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل أو الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.

بيد أن العقبات التي تواجه الترجمة تنطبق على كلا الطرفين، إذ يرفض العديد من الأدباء العرب منح حقوق الترجمة لناشرين بالعبرية. فقد غضب الكاتب المصري علاء الأسواني، صاحب رواية عمارة يعقوبيان الأكثر مبيعاً، عند معرفته أن روايته ترجمت إلى العبرية ونشرها على الإنترنت المركز الإسرائيلي الفلسطيني للدراسات والبحوث، ومقره القدس.

ومع ذلك، ووفقاً للصحفي في صحيفة هآرتس الاسرائيلية، أيال بيزاوي، فلربما هناك مؤشراتٌ على تزايد الاهتمام بين الجمهور الاسرائيلي مرةً أخرى.

ففي السنوات الخمس الماضية، تمت ترجمة أكثر من 20 كتاباً من اللغة العربية إلى العبرية. معظم الكتب من كتب الخيال العلمي العربي المعاصر بالرغم من أن بعضها من كتب الشعر. ويكتب بيزاوي في هذا الصدد “كما أن هناك أيضاً مجموعات من القصص القصيرة، مثل مجموعة المختارات الأدبية ثنائية اللغة- بالعربية والعبرية- Shtayim/Athnaan (كيتر 2014)، بالإضافة إلى القصص العربية المترجمة في المجلات مثل الطبعة العبرية لمجلة غرنطة أو موقع Maaboret متعدد اللغات.”

وتعزو تامي تشابنيك، رئيسة تحرير الطبعة العبرية من عمارة يعقوبيان، تزايد الاهتمام بالأدب العربي إلى الربيع العربي، إذ تقول أنّ الكتّاب العرب باتوا يرغبون في ترجمة أعمالهم إلى اللغة العبرية كما أن القرّاء الاسرائيليين يبدون المزيد من الاهتمام بقراءتها. وهذا بدوره يعزز من المبيعات ويغذي نجاح الكتب المستقبلية التي تتم ترجمتها إلى العبرية.

وأوضحت تشابنيك أن الربيع العربي كان تعبيراً عن الحرية. ونتيجةً لذلك، تقرّب العالم العربي من اسرائيل وبات يُنظر إلى البلاد بازدراءٍ أقل. فقد أحدث الربيع العربي صدىً في إسرائيل عام 2011، مُسلطاً الضوء على الفوارق الاجتماعية في البلاد، وهو موضوعٌ متكرر في الأدب العربي.

وقال إيلي عمير، وهو أول كاتب إسرائيلي يترجم عمله إلى العربية في مصر من قِبل حسين سراج، إنه كان هناك موجات من التقارب والابتعاد على مر السنين.

إذ قال “تبدد الجو الاحتفالي الذي عشته في التسعينيات عندما ذهبت إلى مصر من أجل أول مؤتمرٍ حول كتابي باللغة العربية،” وذكر أيضاً أن المركز الأكاديمي الإسرائيلي، وهو مركز ثقافي في القاهرة يضم مكتبة باللغة العبرية، يكافح من أجل البقاء.

وفي الوقت نفسه، أضاف أن العديد من الصحفيين والكتاب العراقيين كتبوا بحنين عن فقدان الطوائف اليهودية ويتواصلون مع المؤلفين الإسرائيليين الذين يكتبون عن بغداد.

ولكن ماذا عن التقارير الإعلامية عن توثيق العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج؟ هل أدت هذه إلى زيادة الاهتمام بالأدب العربي؟ فبحسب الباحث يوناتان مندل من معهد فان لير في القدس “علينا أن نتذكر أن الخطاب الإسرائيلي الرئيسي يعتبر الثقافة العربية أجنبيةً بالنسبة لإسرائيل. وبالتالي، يعامل اليهود الإسرائيليون اللغة والثقافة والسياسة العربية، وما إلى ذلك، بأنها أقل شأناً ودون احترام. ويمكن القول بأن إعلان “التعاون الاقتصادي” مع “الدول العربية المعتدلة” ليس سوى محاولة إسرائيلية لتجاهل الحقيقة الواضحة: الاحتلال المستمر والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحقيقة أن الفلسطينيين ليس لديهم دولة خاصة بهم.”

وكما بيّن التاريخ، تعتمد ترجمة الأدب العربي إلى العبرية اعتماداً كبيراً على التوقيت والمواقف السائدة لقبوله ونجاحه.