بطولة كأس الخليج فرصة لتوحيد دول المنطقة بعد سنين من العنف، تمامًا كما حصل في كأس العالم.
دانا حوراني
انطلقت النسخة الخامسة والعشرون من كأس الخليج العربي في 6 يناير الجاري في مدينة البصرة العراقية وتستمر حتى يوم 19 من الشهر نفسه. وهي المرة الثانية التي يستضيف فيها العراق البطولة بعد أن استضافها عام 1979.
وتشارك في هذه البطولة ثمانية منتخبات مقسمة على مجموعتين. وتضم المجموعة الأولى: العراق (البلد المضيف) والسعودية وسلطنة عمان واليمن، وتلتقي في ملعب البصرة الدولي (المعروف بملعب جذع النخلة). بينما تضم المجموعة الثانية منتخبات الكويت وقطر والبحرين والإمارات وتلتقي في ملعب الميناء.
وتأتي البطولة الرياضية لمنطقة الخليج بعد انتهاء كأس العالم التي شاركت فيها أربعة منتخبات عربية هي السعودية وقطر وتونس والمغرب في الفترة بين 20 نوفمبر و18 ديسمبر الماضي. وبعد أن استطاع المغرب تحقيق شعبية كبيرة بوصوله إلى نصف النهائي، فصار فخرًا للعرب على حدّ وصف المشجعين.
ورغم صغر بطولة كأس الخليج مقارنةً بكأس العالم، يرى المحللون الرياضيون والمراقبون أن لها تأثيرًا كبيرًا على العراق الذي بدأت تظهر عليه تغييرات واضحة في الاقتصاد والسياحة.
وقد عملت السلطات والمجمتع في البصرة باجتهاد للتحضير للبطولة التي مُنعوا في السابق من المشاركة فيها أو استضافتها. فقد منعت الفيفا العراق من استضافة المباريات الدولية بين عامي 2003 و2018 لدواع أمنية.
ومنذ 2010، وقع الاختيار على البصرة لاستضافة ثلاث نسخ من كأس الخليج، لكن في كل مرة كان المكان يستبدل لدواع أمنية. وقد استضاف العراق البطولة مرة واحدة عام 1979، وفاز بها المنتخب العراقي.
لكن العراق الآن يتصدر المشهد باستضافته البطولة رغم الاضطرابات السياسية والاقتصادية واعتماده على المساعدات العامة والخاصة لتنظيم تجربة لا تُنسى.
كأس الخليج
نظمت مباريات كأس الخليج العربي، للمرة الأولى، قبل 53 عامًا في البحرين. ولم تشارك فيها سوى منتخبات الكويت والبحرين والسعودية وقطر. لكن عدد المشاركين تضاعف لاحقًا ليضم أربعة منتخبات أخرى.
واحتكرت الكويت سلسلة الفوز بالبطولة التي لم يقطعها سوى العراق عام 1979 -وهو العام الذي شهد مشاركة اليمن. لكن الكويت عادت للانتصار عام 1982 حين نظمت الإمارات النسخة السادسة.
ثم فاز العراق بنسخة 1984 في سلطنة عمان، وفاز كذلك بالنسخة التاسعة عام 1988 في السعودية، وذلك بعدما فازت الكويت بنسخة 1986 في البحرين.
وانتهت سلسلة تبادل الانتصارات بين العراق والكويت عام 1990 عندما فازت الكويت وانسحب العراق. ثم قطع الرئيس العراقي صدام حسين العلاقات مع جيرانه في الخليج بعد غزو الكويت في العام نفسه، ما منع العراق من المشاركة في البطولة.
وفي عام 2004، عاد العراق إلى المشاركة بعد الإطاحة بصدام حسين. وكان سماح الفيفا للعراق باستضافة البطولة بمثابة استراحة من الاضطرابات الأهلية التي ضربت البصرة وبقية العراق في السنوات السابقة.
البصرة متجددة
تواجه البصرة الواقعة في جنوب العراق تصحرًا شديدًا نتيجة التغير المناخي بعدما كانت مجتمعًا زراعيًا مزدهرًا يعجّ بالفلاحين والصيادين وملّاك الأراضي. كما كانت موقعًا للصدامات بين الميليشيات الشيعية المتنافسة ما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية بين مؤيدي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والأحزاب الشيعية المدعومة من إيران.
ومع ذلك، فقد استحوذ الحماس على المدينة بعد استضافة البطولة. فاستقبل أهل المدينة الزوار باللوحات الترحيبية والمعالم وملصقات ترفع أعلام دول الخليج في مدخل المدينة. وعجت شوارع المدينة بمشجعي كرة القدم من دول الخليج كافة وهم يرقصون ويشجعون منتخباتهم، ما خلق أجواء احتفالية عمّت أنحاء المدينة.
وتميزت احتفالات البصرة بالموسيقى والعروض والألعاب النارية إلى جانب بائعي الطعام والهدايا الذين قدموا التذكارات والحلوى.
ويرى الصحفي والباحث العراقي أزهر الربيعي أن هذا الحدث سيساعد العراق على الخروج من عزلة سياسية واجتماعية ورياضية امتدت طويلًا.
وقال الربيعي: “لدينا اليوم زوار من دول الخليج ومن مناطق العراق الأخرى ممن لم يزوروا البصرة من قبل”.
ويرى الربيعي أن صورة العراق تغيرت نتيجة لذلك. فقد رسمت البطولة صورة مختلفة ملؤها الفرح والترحاب وحسن التنظيم، بدل صورة الاضطراب والفقر.
وأضاف: “يتدفق الزوار على المتاحف ويتفاعلون مع السكان، وهذا يساعد العراق الذي اقترن اسمه بالصراعات لوقت طويل”.
كما ازدهر عمل البائعين المتجولين وأصحاب المحلات الصغيرة. إذ يقول الربيعي إن تدفق السياح بشكل يومي يدر الربح على محلات التذكارات والحلوى والطعام وسائقي الأجرة وغيرهم من المياومين.
فرح ولكن ليس دون حزن
وفي اليوم الأخير للحدثِ ،أفادت وكالة الانباء الرسمية (INA) أن تدافعًا بالقرب من ملعب جزاء النخلة -حيث كان من المتوقع أن يلعب العراق وسلطنة عمان في نهائي كأس الخليج العربي- أسفر عن مقتل شخصٍ وإصابة ستين آخرين بحسب ما ذكرت (CNN) وسبب التدافع لم يذكر بعد.
وقال الرّبيعي “ظهر الآلاف من المشجعينَ حتى المباراة النهائية التي أقيمت عند السابعة مساء مما أدى إلى تدافع الأشخاص بشكلٍ كبيرٍ حيث عانى الكثيرون من ضيق في التنفس ما أسفرعن وفاة شخصٍ واحد.
وأضاف أن المسؤولية تقع على عاتق المنظمين وقوات الأمن الذين لم يؤدوا وظيفتهم بشكلٍ صحيحٍ بهدف توفير بيئةٍ آمنةٍ وسليمةٍ لإستقبال الجماهير.
بعض العقبات في الطريق
كان على العراق أن يضمن توفير المرافق الرياضية الحديثة الموافقة للمعايير حتى تتسنى له استضافة البطولة. لكن بمجرد الإعلان عن استضافة الحدث، حجزت المنتخبات والشخصيات الإعلامية والعامة والوفود السياسية غالبية الغرف في الفنادق.
لذلك استضاف كثير من العراقيين الزوار في بيوتهم دون مقابل.
وقال الربيعي لفنك: “تعاونت العائلات والقبائل ورجال الأعمال لضمان وصول الزوار إلى بيوتهم أو الى المساكن المؤقتة كالخيام”.
كما أضاف: “ساعد كثير من المتطوعين صغارًا وكبارًا على التحضير لحفل الافتتاح. فحتى الأطفال والنساء كان لهم دور في الترويج للحفل سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أوعلى شاشة التلفاز”.
وقد تراوحت أسعار التذاكر في البداية بين 10 و30 دولار، لكن الربيعي يقول إنه رأى الناس يشترونها بأسعار بين 60 و100 دولار من “السوق السوداء”.
ويرى الصحفي والمحلل الرياضي محمد الغرباوي أن بطولة كأس الخليج فرصة لتوحيد دول المنطقة بعد سنين من العنف، تمامًا كما حصل في كأس العالم.
وقال الغرباوي: “تبدو الظروف أفضل رغم وجود توترات وأحداث عنف بين الحين والآخر. فالناس في المنطقة بحاجة إلى تغيير الوضع في بلادهم، لا سيما العراقيين، فهم يرغبون في الوحدة ويريدون مزيدًا من السياح والاستثمارات التي تساعد بلدهم على الازدهار”.
وقد نشب خلاف بسيط في 11 يناير عندما أعربت إيران عن استيائها من استخدام رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني لفظ “كأس الخليج العربي”. فإيران تفضّل لفظ “كأس الخليج الفارسي”، وهي نقطة خلاف مستمرة بين طهران ودول الخليج منذ سنوات طويلة.
ما حاجتنا إلى الرياضة؟
أشار الغرباوي إلى أن اهتمام وسائل الإعلام، لا سيما العالمية منها، سيؤثر في تصوير الحدث ونقله الى الجمهور الغربي. فقد تركز بعض وسائل الإعلام على الأخطاء والصور النمطية السلبية بناءً على أجنداتهم على غرار ما حدث في كأس العالم.
وإلى جانب منشورات الاحتفالات، فقد انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للاعبي الفريق اليمني وهم يتبادلون “واقي الساق” عند استبدالهم في مباراتهم أمام السعودية.
ويرى الغرباوي أن الأحداث الرياضية تستطيع تعزيز اقتصاد المنطقة وجذب المستثمرين من خارجها، بشرط أن تحسن الحكومة الإشراف عليها.
وأضاف: “تفيد استضافة هذه الأحداث جميع الفئات، طالما أن الحكومات تراها فرصةً للاستثمار، وليس مصدراً للفخر فحسب”.
ويرى الربيعي أن البطولة قد تدفع العراق إلى استضافة مزيد من الأحداث الرياضية والترفيهية في المستقبل، وأن ذلك سيخدم اقتصاد البلاد وسمعتها باعتبارها مقصدًا للسياحة في المنطقة إذا لم يتأرجح في إتجاهٍ معاكس.
وأضاف: “لطالما شعر الناس بالطمأنينة والفرح خلال الأحداث الرياضية. قد تقسّم بلاد المنطقة اختلافات هينة، لكن هذه الفرص تساعد في سد الفجوات بيننا. كما يمكن أن تستلهم البلاد من بعضها بعضًا لتستضيف الأحداث الرياضية وتنظمها في المستقبل. وعلى الرغم من ذلك يبقى الأمل موجودًا. “