وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في العراق، موسيقى الهيفي ميتال موسيقى شيطانية

لا تعتبر موسيقى الهيفي ميتال حديثة العهد في العراق، فالبرغم من الحرب والدمار والأزمات، تمكنت بعض الفرق من التشكل منذ العقد 2000، نذكر منها على وجه الخصوص أكراسيكاودا (Acrassicauda) ودارك فانتوم (Dark Phantom). ومع ذلك، غالباً ما تواجه فرق الهيفي ميتال الكراهية والرفض بسبب نمطها الموسيقي.

تعتبر فرقة دارك فانتوم، التي تشكلت في عام 2009 من قِبل أبناء العمومة مراد خالد وريبين هاشم، أول فرقة ميتال في كركوك والتي تركز على الثراش ميتال والديث ميتال. وفي مقابلةٍ لنا مع خالد، عازف الجيتار في الفرقة، أخبرنا في فَنَك إنه “بعد الحرب العراقية عام 2003، حصلنا على بعض الأقراص المدمجة لموسيقى الروك والميتال من الجيش الأمريكي لأننا كنا نحب الاستماع للموسيقى الغربية.” وتابع القول “في وقتٍ لاحق، حصلت على قرصٍ مدمج لأغاني فرقة ميتاليكا من أحد الأصدقاء الذي طلب مني الاستماع لهم لأنهم مذهلون، وهذا ما فعلته. شاهدت بعدها مقاطع فيديو للفرقة وعروضهم وأحببت موسيقاهم جداً… كنت مهتماً بالمواضيع المختلفة التي كانوا يطرحونها؛ إذ لم يتحدثوا عن الحب والرومانسية كما اعتدنا في الموسيقى الشرقية. لذا فكرت بأن أشتري جيتار، وأتعلم العزف وأعمل على تأسيس فرقةٍ موسيقية.”

تعالج فرقة بلاك فانتوم قضايا مثل الفساد السياسي والديني، وبحسب المغني مير شەماڵ “نرى فيهم أسباب جذرية لجميع المشاكل في بلدنا،” وأضاف “من خلال طرح هذه المواضيع، نأمل بأن يصبح الناس أكثر وعياً وأن نساعد في التغلب على هذه المشاكل.” إلا أن موسيقاهم تخلق مشاكل أيضاً، إذ اعترف قائلاً: “[هذا النوع الموسيقي] لا يحظى بشعبية بل مكروهٌ وسيء السمعة. تعتبر موسيقى الشيطان، ويواجه أولئك الذين يعزفونها أوقاتاً عصيبة أثناء حفلاتهم أو حتى في حياتهم اليومية العادية.”

في حين قال لنا خالد، “تعرضنا للهجوم مراتٍ عديدة من قبل المساجد أو على الفيسبوك.” وأضاف “من الصعب حقاً العثور على أشخاص يهتمون بالفن، وخاصة الميتال، وقد عانينا الكثير منذ أن بدأنا. نقوم بكل شيء بأنفسنا – التسجيل وتصوير مقاطع الفيديو والعمل على توفير المال لشراء المعدات الموسيقية. قدمنا الكثير من العروض الموسيقية مجاناً لتقديم موسيقانا للأشخاص وتركهم يستمتعون بها. أيدنا البعض منهم، بينما ألغى البعض عروضنا لأنهم لا يقبلون هذا النوع من الموسيقى. بل إننا تعرضنا للطرد من الاستوديو الخاص بنا. حاولنا [البحث عن مكانٍ آخر]، لكن مالكي العقارات لا يرغبون في تأجير عقاراتهم لأشخاص يعزفون موسيقى الميتال، لذا نقوم بالعزف والتمرن في منازلنا.”

وعلى الرغم من هذه التحديات، قدمت فرقة بلاك فانتوم عروضها في المدن الرئيسية في كردستان العراق بما في ذلك أربيل والسليمانية ودهوك، والتي كانت معظمها في مهرجاناتٍ مع فرق أخرى بحمايةٍ من قبل القوات المسلحة. ووفقاً مير شەماڵ “تلقينا ردوداً مبشرة من بعض الأشخاص الذين قدمنا عروضنا أمامهم، لكن الأغلبية لم تظهر أي دعمٍ، بل غادر بعضهم الحفلة الموسيقية،” وتابع “بعض الناس معجبون بما نقوم به، وخاصة جيل الشباب، فهم يأتون إلينا ويخبروننا بأننا مصدر إلهامٍ لهم، ولكن غالباً ما يغادر كبار السن والعائلات الموجودين عندما نبدأ العزف.”

كما يعرب مير شەماڵ عن أسفه لعدم وجود مشهد مزدهر لموسيقى الميتال في العراق، مع وجود حفنة من الفنانين والفرق الموسيقية الجديدة الناشئة قصيرة الأجل أو التي تركز على موسيقى الروك والسوفت ميتال. وأضاف خالد “تفرقت العديد من الفرق وغادر العديد من الموسيقيين البلاد بسبب الأوضاع.”

فقد كان هذا حال واحدةٍ من أولى فرق الهيفي ميتال في العراق، أكراسيكاودا، التي سُميت تيمناً بإسم أحد أنواع العقارب السوداء، والتي حصل أفرادها على اللجوء في الولايات لمتحدة الأمريكية في عام 2009. فالفرقة التي تأسست عام 2001، بدأت تقديم عروضها في ظل حكم نظام صدام حسين واجتذبت اهتماماً دولياً بعد أن كتبت عنها مجلة فايس عام 2003. وفي عام 2007، قام المخرجان إيدي مورتي وسوروش ألفي من مجلة فايس بإعداد فيلمٍ وثائقي غن قصتهم، الذي لم يقتصر على تتبع قصص حياتهم فحسب بل سلط الضوء أيضاً على فوضى الحرب من حولهم.

وفي فبراير 2009، كتب الصحفي بن سيساريو في صحيفة نيويورك تايمز واصفاً الظروف التي دفعت الفرقة إلى مغادرة العراق إلى الأبد: “عانت فرقة أكراسيكاودا الأمرين باعتبارها فرقة روك خلال زمن الحرب في بغداد. فقد تعرض المكان الذي تتمرن فيه للقصف، كما وصِف أعضاء الفرقة بعبدة الشيطان ووصلتهم تهديداتٌ بالقتل لعزفهم موسيقى ذات طابع غربي. عانوا بعدها من عامين من العذاب كلاجئين في سوريا وتركيا، والوقت يمضى وهم يحلمون بعزف الروك في أرض الأحرار.”

وبعد مرور عامٍ على وصولهم إلى الولايات المتحدة، وبعد تسع سنوات من تشكيلها، أصدرت أكراسيكاودا اسطوانة مطولة حملت عنوان Only the Dead See the End of the War (الموتى وحدهم يشهدون نهاية الحرب) في مارس 2010. وبعد خمس سنوات – ومع الأموال التي تم جمعها من التمويل الجماعي- أصدرت الفرقة أول ألبومٍ كامل بعنوان جلجامش.

بالعودة إلى العراق، وفي ظل حربٍ مختلفة ومصالح سياسية مختلفة تعمل على تقسيم البلاد، لا تزال موسيقى الهيفي ميتال مُستهجنة إلى حدٍ كبيرمن قِبل المجتمع المحافظ. ودون سلامٍ أو حتى انفتاح، لا يملك هذا النمط الموسيقي سوى القليل من الحظ ليحظى بقبولٍ واسع الإنتشار في المستقبل القريب.