وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الفنانون اللّبنانيون يعالجون الصدمة بالفن

الفنانون اللّبنانيون
صورة لفناني الجرافيتي EpS و Spaz و Exist أمام جدارية “Hope” (الأمل) التي عملوا عليها في “Le Gray Hotel” بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020. مصدر الصورة: ستيفن تشار.

دانا حوراني

ما تزال بقايا صوامع القمح، وهي الدرع الذي حمى الأجزاء الغربية من بيروت بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس 2020، شاهدة على المأساة التي خلّفت 200 قتيل وآلاف الجرحى.

ورغم مطالبات الناشطين وعائلات ضحايا الانفجار بإبقاء الصوامع حتى انتهاء التحقيقات على الأقل، أصدرت الحكومة قرارها بإزالتها في 16 مارس، وافتتحت مزادًا لاختيار الشركة التي تتولى مهمة تسوية المنطقة.

لكن وزارة الثقافة عطّلت هذا القرار بإدراج الصوامع على قائمة التراث الثقافي، ومع ذلك فإن وقع الحديث عن بقاء الصوامع من عدمه ثقيل على الباحثين عن العدالة والفنانين على حد سواء.

ترى منار علي حسن، الفنانة التشكيلية، 41 عامًا، أن الصوامع،- بعيدًا عما تحمله من أدلة-، تذكار بما حدث لا يمكن محوه على الإطلاق. وهي كذلك مصدر للإلهام والتأمل ووسيلة لمعالجة الصدمة.

وقالت: “أطلقت على أحد أعمالي ‘سننهض مجددا’ إشادةً بصوامع القمح، فما دامت قد استطاعت الصمود فإننا نستطيع كذلك”.

ومنذ عام 2019 ولبنان يتخبط في أزمات معقدة. وبسبب جائحة كورونا، والانهيار والاقتصادي، وانفجار المرفأ، بات الكثير في حالة من الاضطراب، ولم يعد الناس يستطيعون الوصول إلى ودائعهم المصرفية إلا بشكل محدود. كما أن معدلات التضخم في أعلى مستوياتها على الإطلاق بسبب انهيار قيمة العملة، ما جعلها واحدة من أقسى عشر أزمات في العالم منذ القرن التاسع عشر. وفقد كثيرون وظائفهم ومصادر دخلهم فضلًا عن مدخراتهم، مما عكس تداعيات قاتلة على مستوى المعيشة.

الفن متنفسًا

ترى منار أن الرسم بات وسيلة أساسية لإعادة توجيه المشاعر المؤلمة والدوافع المدمرة للذات. كما أنّها تلجأُ  للفن للتعبير عن غضبها من الحكومة وتوثيق الأحداث بوسيلة مختلفة.

كما لجأ الناس إلى الغرافيتي للتعبير عن آرائهم.

ويرى إبس، فنان الغرافيتي اللبناني صاحب الـ36 عامًا والمعروف برسومات “القرد” المنتشرة في أرجاء بيروت، أن الغرافيتي وسيلة لاستعادة المساحات العامة في المدينة وجعلها “حميمية” أكثر.

وقال: “أحب في هذا الفن مرونته، فالشارع مفتوح للجميع على عكس معارض الفنون التي تستهدف شريحة معينة من الجمهور، لذلك تستطيع التواصل مع جميع الناس وتوصّل لهم فنًا يشعرون بأنه يعبّر عنهم”.

الحفاظ على الثورة بالغرافيتي

لطالما كان الغرافيتي في نظر إبس وسيلة للتعامل مع المشاعر، لكنه بات يوحد الناس مع احتجاجات 17 أكتوبر، ويوصّل رسائل سياسية ما تزال سارية حتى الآن.

ويوضح إبس قائلًا: “بفضل الاحتجاجات، أصبح بإمكاننا الرّسم على جدران وسط المدينة في بيروت بعد أن كنا ممنوعين من ذلك”

وتبع إبس فنانون كثر في إبداع أعمال فنية في المناطق الحيوية للمدينة التي احتضنت أغلب الاحتجاجات، لا سيما جدران مبنى البيضة في وسط المدينة، التي صوّر عليها فنانو الغرافيتي  مظاهر الثورة.

ولهذه الأعمال أهميتها التي يراها إبس في قدرتها على إبقاء ذكرى انتفاضة 17 أكتوبر، وإبقاء هذا التاريخ للأجيال القادمة.

وقد لاحظ سباز، فنان الغرافيتي وصديق إبس، بمساعدة صديقهم إكزيست، أن العديد من الناس مهتمون بالمشاركة في رسم الغرافيتي لأنهم يعتبرونه وسيلة سهلة وسريعة للتعبير عن غضبهم دون اللّجوء إلى العنف. وبعد فترة وجيزة بدأ سباز يقدّم ورشَا صغيرة للمتظاهرين في الشارع.

قال سباز لفنك: “عادةً ما يقتصر وسط بيروت على الأثرياء. لكن باستعادة تلك الأماكن وشخصنتها، جعلنا من الغرافيتي طريقتنا في مقاومة النظام”.

ويستلهم إبس وسباز أعمالهما الفنية من الأحداث الجارية. ولأن الوضع في لبنان لا يبدو أنه يتحسن، فهما يشعران بأن بعض أعمالهما السابقة ما تزال راهنية.

فعلى سبيل المثال، رسم إبس عام 2012 مقبس كهرباء ضخمًا كتب عليه “القوة للشعب”. وما يزال ذلك الشعار الثوري يعكس فشل الحكومة في توفير الطاقة الكهربائية لمواطنيها.

الفن من الشعب إلى الشعب

بعد انفجار مرفأ بيروت، كلفت إدارة فندق لو غراي إبس برسم جدارية لها روح إيجابية لرفع معنويات الناس، وصرف الانتباه عن الدمار، حسب قوله.

فتعاون إبس وفريقه من فناني الغرافيتي لرسم جدراية “الأمل” التي تظهر فيها حمامتا سلام. وتقع الجدراية الفنية التي تغطي واجهة الفندق في مدخل وسط المدينة.

وقالت ريتا سعد، مديرة العلاقات العامة في فندق لو غراي: “رغم الانفجار، أبقينا على سلوكنا الإيجابي وحافظنا على الأمل. وأردنا أن نعبّر عن هذا السلوك من خلال الفن”.

لكن إبس يصف الجدراية قائلًا: “الرسالة جميلة، لكني أشعر بأن وضعنا ميؤوس منه”.

ولا تهدف كل أعمال إبس، 36 عامًا إلى توصيل رسائل فقط.فهي بحسب ما قال لفنك، وسيلة لعقد الصلات بين الناس ومنحهم طريقة يستطيعون إعادة توليفها وسرد قصصهم من خلالها. فعلى سبيل المثال، باتت شخصية القرد التي ابتكرها وجهًا مألوفًا لسكان بيروت.

وقال إبس: “قابلت شابًا في فرنسا كان بلا مأوى في لبنان لمدة أسبوعين، وقال لي إنه اعتاد أن ينام بجوار الجدران المرسوم عليها القرد لأنه كان يشعر عندها بالأمان. كما قال لي أن آخر غروب شاهده في بيروت كان بجوار جدارية مرسوم عليها القرد”.

وكذلك يرى سباز الغرافيتي وسيلةً لكسر الحدود. ورغم استخدامه له للتعبير عن تفضيلاته  فهو يرى أن على الفنانين مسؤولية إضافية وهي التعبير عن المعارضة.

وقال: “يحاول النظام السياسي في لبنان قمعنا بكل الطرق الممكنة. لكننا ننتج أعمالًا تضمن لنا تجديد ثقافتنا. وبهذه الطريقة لا يمكنهم إسكاتنا”.