وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هاشتاغ MeToo في الشعر الفارسي

هاشتاغ MeToo
صورة تم التقاطها يوم ٨ مارس ٢٠١٨ لشابة أثناء مشاركتها في تظاهرة نظمتها حركة “Non Una Di Meno” (وأنا أيضاً) على هامش فعاليات يوم المرأة العالمي في روما. المصدر: Alberto PIZZOLI / AFP.

الأستاذ الدكتور علي أصغر سيد غراب

قد يُنظر البعض إلى حملة (هاشتاغ وأنا كمان (#MeToo) على أنها ظاهرة جديدة. بيد أن الأدب الإسلامي الذي تم خطّه في العصور الوسطى يزخر بالأمثلة على التحرش الجنسي والنساء اللواتي يدافعن عن حقوقهن وسلامتهن الشخصية.

الإسكندر الأكبر والنساء غير المحجبات

أدى سلوك المُنتِج الأمريكي ومالك الاستوديو هارفي وينشتاين إلى نشوء سلسلة من ردود الفعل حول الطريقة التي يعامِل بها بعض الرجال النساء. عندما سمعتُ القصة لأول مرة، تذكرت حكاية رواها الشاعر الفارسي نظامي الكنجوي عن الإسكندر الأكبر (سنة 1209). ففي الرواية العاطفية التي كتبها باسم (الإسكندر)، يسرد نظامي كيف وصل جنود الإسكندر، الذين لم يروا امرأة لأكثر من عام، إلى سهول شعب كيبتشاك في آسيا الوسطى وكيف صادفوا نساء جميلات غير محجبات، منشغلات بحياتهن اليومية. لم يستطع هؤلاء كبح جماح أنفسهم وانقضوا على النساء. وعندما يرى الاسكندر حالة الاضطراب التي أصابت جيشه، يسرع إلى رئيس القبيلة، ويطلب منه تغطية النساء بالحجاب، معتقدًا أن غريزة الرجال ستكون أقل إذا غطت النساء أنفسهن. عندما سمع ذلك زعيم القبيلة من الإسكندر، قدم الإجابة التالية:

ليس من عادتنا أن نستر وجوهنا.
بالتأكيد، هذا ليس جزءًا من عاداتنا في كيبتشاك.
إذا كان من عاداتكن تغطية الوجوه،
نحن نغطي أعيننا في ثقافتنا. (…)
بدلا من إيذاء وجوه الناس بالخمار،
يجب أن تغطوا أعينكم بحجاب.
الناس الذين يغطون وجوههم بالخمار،
لن يروا القمر ولا الشمس.

الجواب الذي سرده نظامي على لسان الزعيم هو مدار بحث حالياً في العالم الإسلامي، حيث أن معارضي أعراف اللباس يستخدمون هذه الأبيات ذات المعنى القوي كحجة على أنه بدلاً من تعليم النساء كيفية ارتداء الملابس، يجب تحميل الرجال مسؤولية سلوكهم. نظامي هو الشاعر الفارسي الأكثر نسوية الذي أعرفه في العصور الوسطى. في هذه القصيدة، كما في ملاحمه الأخرى، تتألق النساء في صفاتهن الأخلاقية والجسدية وكذلك في تعليمهن. غالبًا ما يعلمون الرجال درسًا، ويقاتلون الرجال لحماية عفتهن ان لزم الأمر.

دفاع المرأة عن نفسها في ليلى والمجنون

يتضمن عمل نظامي عدّة حلقات تدافع فيها النساء عن أنفسهن بشكل ناجح ضد الرجال الذين يتحرشون بهنّ جنسياً. أحد الأمثلة على ذلك هو قصة “ليلى والمجنون” التي ألهمت إريك كلابتون لكتابة ألبومه الأكثر مبيعًا، والذي يُعرف عادةً بأغنية حملت اسم “ليلى”. في هذه القصة الرومانسية، يهيم المجنون في حب ليلى، لكن والديها يرفضونه ويزوجونها ضد رغبتها من ثري عربي. عندما يقترب منها زوجها ابن سلام، تصفعه ليلى على وجهه بقوة لدرجة أنه يسقط على الأرض فاقدًا الوعي، ثم تطلب منه عدم الاقتراب منها مرة أخرى لأنها لا تزال تحبّ المجنون حبّاً جمّاً:

ضربته ليلى ضربةً،
أفقدته الوعي كرجل ميت.
قالت: “إن فعلت هذا مرّةً أخرى،
فإنك ستهرب من نفسك ومنّي.
أقسم بالله الذي زيّن
حبيبي المجنون بخلقه الإلهي
نواياك الأنانية لن تتحقّق من خلالي
حتى لو سفك نصلك دمي “.

نظامي يطرح موضوعاً حساساً في هذه الحلقة، فبحسب الشريعة الإسلامية، ليلى هي زوجة ابن سلام الشرعية وعليها أن تلبّي احتياجات زوجها الجنسية. حقيقة أن ليلى، وهي متزوجة، تحبّ رجلًا آخر يجعل الوضع أكثر تأثيراً. يخلق نظامي الكثير من التوتر في هذا المشهد، حيث يشكّك في الأعراف الدينية والاجتماعية.

كتاب الملوك (شاهناماه)
مخطوط من كتاب الملوك (شاهناماه)، ويظهر فيه الإسكندر الأكبر وهو يقابل روشاناك، ابنة داريوس، متحف والترز للفنون. المصدر: CreativeCommons.

لا يقدّم نظامي إجابة، لكن الأوصاف السلبية لابن سلام وصف ليلى له بهذه الطريقة تظهر تحيّزه للمنظور الأنثوي. وللتأكيد على عقم محاولات ابن سلام لكسب ود ليلى، فإنها تُقارن بالمصباح والقمر، وزوجها بالريح:

عند رؤية هذا المصباح اللامع
سارع كالريح لإيجاد حل،
غير مدرك أنه حتى لو قدّم كنزًا،
فإن المصباح لن يتّفق مع الريح.
عندما عاد من رحلته إلى وطنه،
تاق إلى الاتحاد مع ذلك القمر، ليلى.
وكأنه نسي هذا القول:
“لا أحد يجب أن يعانق القمر.”

نظامي، مؤلف هذه الرواية العاطفية الرائعة، لا يسمح بالاغتصاب الزوجي. يحترم ابن سلام المساحة الجسدية لزوجته ليلى ويموت أخيرًا من الإحباط.

شعر ضد المجتمع الأبوي

تتضح أهمية نظامي كشاعر نسوي في العصور الوسطى عندما ننظر إلى حالاتٍ أخرى من التحرش الجنسي في الأدب الفارسي. ومن الأمثلة على ذلك أعمال زاله قائم مقامي (1883-1946)، التي يُعتبر شعرها وثيقة شخصية تصوّر حياتها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في إيران. بعد تزويجها رغماً عنها وهي تبلغ من العمر 15 عاماً من رجل في الأربعينيات من عمره، تهرب زاله من زوجها تاركة وراءها ابنها. تمّ لم شملها بابنها بعد 26 عامًا. يتميز شعرها بتناوله لمجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالمرأة كالحمل والإجهاض ووضع المرأة في المجتمع الذكوري. وهي تنتقد زوجها بشدة وتصوّره في العديد من قصائدها كشخص سطحي لا يقدم أي احترام أو حب. قد تشير المقاطع التالية أيضًا إلى الاغتصاب الزوجي، عندما يقترب منها زوجها في منتصف الليل. الأمر الفريد من نوعه هو كيفية وصف زاله ببلاغة لتوجب إخضاع جسدها لرغبات زوجها رغماً عنها، وكيف أن هذا الجماع يؤدي إلى حمل غير مرغوب فيه، وكيف ترى نفسها كأم. هذه قصيدة قويّة جدا تصوّر مصير النساء المتزوجات رغما عنهن:

رأيت تلك الليلة، بلا أي رغبة قلب
اتفقت مع جسدي على الخضوع لزوجي
حمّلت قلبي عبئاً
وصفته بطرق مختلفة.
بسبب هذا العبء الثقيل،
جعلت خصري الضيق كمظلة شجرة الدردار،
ليس بالحب، ولكن بالفطرة أطعمته
دون تكوينه بعقل فَطِن.
وضعته على صدري، وأعطيته الحليب، ثم غادرت:
الكلب يفعل نفس الشيء كما فعلت.

النهاية المحزنة التي تتوصل إليها في قصيدة أخرى تمثّل تجاربها المؤلمة بشكل لا يصدق مع زوجها غير المرغوب فيه:

تمنيت ألا تظهر الفتيات رؤوسهن
من رحم أمهاتهم.
وإذا لم يستطعن البقاء في الرحم،
أن يسلمن أرواحهن في الرحم،
أو يمددن أيديهن للمطالبة
بحقوقهن المسلوبة.

قد يُنظر إلى حملة (هاشتاغ وأنا كمان #MeeToo) على أنها ظاهرة جديدة، لكن هناك العديد من الأمثلة في الأدبيات عن مواجهة التحرش الجنسي. لحسن الحظ، هناك رجال مثل نظامي يدينون بوعي وبشدة أي علاقة جنسية غير مرغوب فيها خارج إطار الحب.

لقراءة المزيد، يرجى الاطلاع على:

[1] أصغر سيّد غوهراب، (٢٠١٤) مرآة الندى: شعر علم تاج زلة قائم مقامي، كامبردج: مطبعة جامعة هارفارد، سلسلة مؤسسة “ILEX”.
[2]أصغر سيّد غوهراب، (٢٠٠٣) ليلى والمجنون: الحب، والجنون والشوق الغامض في رومانسية نظامي الملحمية. لايدن/ بوسطن: إي جيه بريل.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://leidenmedievalistsblog.nl في ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧.