وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نجاح المرأة في مشهد الراب المغربي

Moroccan rap
جمهور يحتفلون أثناء أداء أحد الفرق في مهرجان كناوة وموسيقى العالم في 13 يونيو 2014. يُتيح المهرجان السنوي الفرصة أمام موسيقيي الكناوة لتقديم عروضهم أمام الجماهير الدولية إلى جانب العزف برفقة موسيقيين أجانب. Photo: FADEL SENNA / AFP

صوفيا أكرم

تشتهر موسيقى الراب والهيب هوب والتراب على نحوٍ واسعٍ في المغرب، إذ أن معانيها السياسية المبطنة التي تنطوي عليها غالباً ما تجعل منها منصة أساسية للنساء المغربيات اللواتي يرغبنّ برفع شارة النصر في وجه النظام الذكوري. ومع ذلك، يقول البعض إن هذا النوع الموسيقي لا يتعلق فحسب بإرسال رسائل اجتماعية وبأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت اليوم تُملي الاتجاه الموسيقي. وبالتالي، يعتمد النجاح على إرساء أسسٍ سليمة لاستراتيجيتك.

يعتبر الهيب هوب المغربي أحد أكثر الأنواع الموسيقية شهرةً بين أوساط الشباب المغربي، إذ كان متواجداً بشكلٍ من الأشكال منذ الثمانينيات وتأثر إلى حدٍ ما بالاتجاهات الأمريكية، إلا أن هذا لا يعني أن سمةً فريدة من موسيقى الهيب هوب لم تظهر في البلاد، التي تمتاز بإيقاعات الكناوة في شمال افريقيا، وتقاليد الشعر الصوفي وآلات النقر الإفريقية.

وبحسب ما قالت نرجس بهار لفَنَك، المديرة السابقة لمشروع الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمنصة البث الموسيقي ديزر، إن مشهد الراب في المغرب تمكن من إنشاء نمطه الخاص بناءً على ما تم إحرازه في السابق ويواصل تطوره من التأثيرات المحيطة به.

ومع تطور التكنولوجيا، شهدت شعبية الراب إنتشاراً واسعاً لوحظ حوالي العام 2015.

بهذه الطريقة، دخلت الوافدة الجديدة هدى أبوز إلى المشهد. فقد شاركت نجوم كبار مثل إلجراندي توتو ودون بيج ودراجانوف أغنيتهم الجديدة “أور سيري،” لتحصد برفقة المؤلفين المشاركين 19 مليون مشاهدة على اليوتيوب منذ إطلاق فيديو الأغنية منذ يناير 2020 والعدد آخذٌ في الازدياد.

أطلقت الطالبة البالغة من العمر 24 عاماً من تطوان، والمعروفة بإسمها الفني ”إختك،” (التى تعتبر كلمة غير لائقة باللهجة المغربية حسب النبرة وسياق استخدامها ) أغنيتها المنفردة التي حملت عنوان “كيك أوف” بعد شهر.

فقد أجرت وكالة رويترز مؤخراً مقابلة مع الفنانة وكاتبة الأغاني حيث كشفت أن اسمها ليس فقط المثير للجدل ولكن كلماتها الصريحة أيضاً:

“نجوت من الحرب والمخدرات والجنون والحب. فشلنا مرات عديدة لأننا نساء في مجتمع ذكوري”

لا تعتبر أبوز المرأة الوحيدة التي اقتحمت المشهد الغنائي الذي يُهيمن عليه الذكور، إذ يُقال أن مغنية الراب منال “غيرت اللعبة” وساعدت في تمهيد الطريق أمام فنانات أخريات للوصول بسهولة إلى عالم الهيب هوب.

فقد قالت لمنصة البث المباشر سبوتيفاي في وقتٍ سابق : “بمجرد أن بدأت بغناء الراب، صدم العديد من الأشخاص. بالنسبة لأولئك في المغرب، الراب للرجال وليس للنساء. أعتقد أن الإنتقادات جعلتني شخصاً أقوى.” حظيت أغنيتها “سلاي” بحوالي 50 مليون مشاهدة على اليوتيوب.

كما تعتبر قرطاس النسا وإيلي بنت الستاتي من مغنيات الراب اللواتي دخلنّ أيضاً عالم الهيب هوب. ونعم، تغني بعضهنّ ضد النظام الذكوري.

وكما تقول أبوز في أغنيتها “كيك أوف”- “نعم أكتب أفضل منك بالرغم من أنك تعتقد أني مجرد فتاة.”

تقول منال أيضاً إنها تعالج قضايا تشعر أنها مهمة من خلال موسيقى الهيب هوب، مثل التحرش الجنسي والقوالب النمطية الجنسانية.

ومع ذلك، يقول الباحث في كينجز كوليدج لندن ،أمين غوليدي، الذي تعمق في ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي، إن أي اختلافٍ في القضايا التي يتم تناولها في هذا النوع ترجع بشكلٍ أساسي للأجيال وليس النوع الاجتماعي.

وبحسب ما قالته منال فإن الرغبة في تأليف الأبيات حول قضايا تهمها جعلت من الهيب هوب وسيلةً طبيعية لموسيقاها أكثر من موسيقى البوب أو السول.

وتعتبر السياسة والعدالة الاجتماعية من المواضيع الشائعة التي يتم تكرارها في هذا النوع الموسيقي طالما أنها لا تتخطى الخطوط الحمراء لحرية التعبير التي تعتبرها الدولة غير مقبولة.

تعلّم الكناوي، وهو مغني راب من مدينة سلا، هذا الدرس بطريقةٍ صعبة إذ سُجن بعد إطلاقه أغنيةً انتشرت انتشاراً كبيراً حيث إنتقد فيها الشرطة والملك والظروف الاجتماعية التي تؤثر على الشباب المغربي، والتي حصت 13 مليون مشاهدة على اليوتيوب.

ويقول العديدون إن السلطات المغربية جعلت من الكناوي عبرةً للآخرين.

ومع ذلك، يبتعد بعض المغنين عن الهيب هوب السياسي، ويترفع المزيد من الفنانين عن السياسة لكسب قلوب وقول الجماهير.

وبحسب ما قاله الموتشو لفَنَك فإن “الاتجاه الحالي لا يتمثل بإرسال رسائل عبر أغاني الراب، فلا أحد يهتم لهذا اليوم. ما تريده الجماهير هو موسيقى “التراب” والكوميديا والعبارات المضحكة.”

بالواقع، حققت إيلي بنت الستاتي نجاحاً كبيراً في مملكة شمال افريقيا بتركيزها على شكلٍ أكثر قسوة من موسيقى الراب ويُسمى التراب، الذي بات اليوم واحداً من أكثر الأساليب الموسيقية إنتشاراً في المغرب.

تُعرف موسيقى التراب بمحتواها الجريء وأجواءها الهادئة، والتي على الرغم من انتشارها برفقة موسيقى الأندرجراوند في أتلانتا- جورجيا، إلا أنها شهدت انتشار شعبيتها عبر شمال المحيط الأطلسي لتزدهر في المدن المغاربية مثل مكناس وفاس والدار البيضاء، من خلال منصات الإنترنت المجانية مثل اليوتيوب والساوندكلاود.

ووفقاً لبيانات عام 2020، فإن ما نسبته 64% من المغاربة متصلون بالإنترنت، ويقضون ما متوسطه ثلاث ساعات في تصفح الإنترنت يومياً، مع امتلاك كل مستخدم للإنترنت حوالي 5,5 حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع التوافر الواسع للأدوات الرقمية والهواتف الذكية في المغرب، فإن تزايد شعبية موسيقى التراب أمرٌ منطقي.

لهذا السبب أصبحت فنانات الهيب هوب أكثر شهرةً في السنوات القليلة الماضية، ويمكنهن الآن، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التأثير في ساحة يهيمن عليها الذكور.

وبحسب ما قاله غوليدي لفَنَك: “لا مزيد من الحرّاس، فالأمر يتعلق بك وبموهبتك، وبصراحة تامة، قدرتك على التلاعب بخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي.”

ويُضيف غوليدي إن النظام البيئي لوسائل التواصل الاجتماعي هو الذي يهم أكثر من الموسيقى الفعلية لتحديد مدى الشعبية أو الشهرة الذي قد تحصل عليها أغنية جديدة.

“العديد من مغنيات الراب ليس لديهن مشكلة في” التصرف” بشكلٍ علني مثل أقرانهن من الذكور ومشاركة حياتهن عبر الإنترنت، مما يثير الجدل والنقاش،” على حد تعبير غوليدي، ويتابع: “وبصرف النظر عن الراب، تعرض وسائل التواصل الاجتماعي التنوع المذهل للمجتمع المغربي.”

ومع ذلك، تعتقد منال أن الأمر يتطلب أكثر من التمتع بالموهبة وإرسال الرسائل والتكنولوجيا للمضي قدماً في عالم موسيقى الراب، إذ تعتقد أن الأمر يتطلب التضامن:
“الأمر الذي نحتاجه هو مساعدة بعضنا البعض. أعتقد إذا ما كان لدينا المزيد من التواصل والمزيد من الحب بين الفنانات، نستطيع جميعاً التعبير عن أنفسنا بشكلٍ أفضل. في النهاية، يتعلق الأمر بالموسيقى والفن ومشاركة الرسائل.”