وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بسبب أغنية انتقادية، اعتقال أحد مغني الراب في المغرب يُثير الجدل حول حرية التعبير

Gnawi
Photo: AP / M. Elshamy

في بداية نوفمبر 2019، تم إلقاء القبض على مغني الراب المغربي الكناوي بالقرب من مدينة سلا.

تسببت عملية الاعتقال في إثارة ضجةٍ في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا حيث حدثت بعد يومين من إصدار الكناوي أغنية “عاش الشعب،” برفقة الفنانين الملقبين بـ”ولد الكرية” و”لزعر،” والتي حصدت أكثر من 13 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب، وتنتقد الشرطة والملك وتدين الظروف الاجتماعية التي تؤثر على الشباب المغربي.

من جهتها، قالت السلطات إن اعتقال مغني الراب جاء بعد اتهامه بإهانة الشرطة في مقطع فيديو سابق نشره على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، شكك البعض في الرواية الرسمية.

وقالت الصحفية سميرة جدير لموقع الأخبار الهولندي Nos.nl: “يعتقد الجميع أنه من قبيل الصدفة أنه تم اعتقاله بعد يومين من [إطلاق الأغنية]،” وأضافت “كان بالفعل مراقباً من الشرطة. أعتقد أنهم كانوا يخططون بالفعل لاعتقاله، ولكنهم كانوا ينتظرون فرصة جيدة.”

كما تعتقد جدير أيضاً أن شعبية الأغنية لعبت دوراً في اعتقاله، إذ قالت “يمكنك التعبير بحرية في المغرب، لكن بمجرد أن ترى السلطات أنك تجذب أتباعاً، بنظرهم، أنت تشكل خطراً على المجتمع.”

وقال المقربون من الكناوي، مثل مغني الراب حمزة، الذين اعتادوا غناء الراب معاً في فرقة باسلين، للموقع الإخباري يا بلادي إن صديقه “كان يواجه بالفعل مشاكل مع الشرطة منذ 15 يوماً.” كما قال أن أغنية الكناوي الأخيرة كانت “صرخة طلباً للمساعدة من شابٍ ترك على الهامش.”

وبالفعل، كان للأغنية صدى واضح، إذ كتب موقع اليوم 24 “نحن نواجه أغنية سياسية لم يسبق أن عرفها المغرب من حيث الوضوح والدقة وقوة الرسالة وسرعة الانتشار.”

وعليه، عبر آلاف الأشخاص عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كان رد فعل غالبيتهم إيجابياً. فقد كتب أحد الأشخاص على موقع فيسبوك، “هذا هو، قيل كل شيء في الأغنية.”

تدعي الأغنية، من بين انتقاداتٍ أخرى، أن الحكومة “تزود الناس بالمخدرات” حتى لا يثوروا. كما تحذر من أن المغرب سيصبح “دولة فارغة” في عام 2020 لأن الجميع يهاجرون، وأن الملك “يخدع الجميع.”

كما تستخدم الأغنية كلمة “عاش الشعب،” في رفضٍ واضح لشعار “عاش الملك،” فضلاً عن ذكر “رجل الريف” و”الرجل الحر وراء القضبان،” التي يُعتقد أنها إشارة إلى الاحتجاجات في شمال البلاد الأكثر فقراً وناصر الزفزافي، قائد حراك الريف الذي حُكم عليه بالسجن 20 عاماً في عام 2018.

من جهتها وصفت منظمة العفو الدولية اعتقال الكناوي بـ”الاعتداء المروع على حرية التعبير.”

ومن الجدير بالذكر أن المغرب يتمتع بقوانين حرية تعبير ليبرالية نسبياً، مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى في العالم. ومع ذلك، انتقدت جماعات حقوق الإنسان الدولة على نطاقٍ واسع، حيث سجنت عشرات الأشخاص بسبب خطابهم السلمي منذ عام 1999 عندما أصبح محمد السادس ملكاً. ويشمل ذلك الصحفيين المتهمين بالإساءة إلى القضاء، والتشهير ونشر الأخبار الكاذبة، وكذلك مغني الراب لإهانتهم الشرطة.

وبالفعل، تم إجراء إصلاحات، خاصة فيما يتعلق بقانون الصحافة. لكن قانون العقوبات لا يزال يجرم بعض حرية التعبير بما في ذلك التحدث ضد الإسلام والملكية والتحريض على السلامة الإقليمية، أي قضية الصحراء الغربية. وعلى وجه الخصوص، تعتبر هذه القضايا الثلاث “خطوطاً حمراء” لا يمكن للمغاربة تجاوزها من ناحية قانونية.

ومع ذلك، في عام 2018، احتلت البلاد المرتبة 135 على مؤشر حرية الصحافة العالمي. وفي عام 2019، أعربت جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة والشبكة الأورو-متوسطية للحقوق عن قلقها إزاء الاعتداءات والمحاكمات المتكررة ضد الصحفيين والأفراد والجمعيات التي تمارس حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتظاهر.

وفيما يتعلق بالهيب هوب المغربي، جادل بعض المعلقين بأن مساحة تعبير أغاني الراب عن المظالم والأفكار المتعلقة بالشواغل الاجتماعية والسياسية قد تضاءلت.

ووفقاً لمجلة TelQuel، ولد الكناوي، واسمه الحقيقي محمد منير، في حي الإنبعاث الفقير في سلا وبدأ حياته المهنية في موسيقى الراب في عام 2011 بأغنية “مافيوزي” حول الجريمة في الأحياء الفقيرة الحضرية والنزاع بين الشرطة والشباب. اكتسب شعبية مع أغنية “العسكر” التي أطلقها برفقة مغني الراب Larmy Sla، التي تحاكي أغنية Gangster’s Paradise لمغني الراب الأمريكي كوليو عن المرؤوسين في الجيش، إذ أدى الكناوي الخدمة العسكرية بين عامي 2007 و2013.

وبالرغم من أنه صنع اسمه بنفسه، إلا أنه فضل البقاء ضمن المغنيين المستقلين. فبعد أن فقد والديه، أصدر في عام 2017 واحدة من أنجح أغانيه بعنوان “شتي ديب،” التي عكست أسلوباً معاصراً مع الاستمرار في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية الكبيرة.

على العكس، انتقل مغنوا الراب الآخرون في المغرب من عالم الأندرجراوند ليعبروا عن أفكارهم السياسية صراحةً. ففي مقالٍ حول جانبي مشهد الراب المغربي، كتبت كريستينا مورينو الميدا، زميلة في كلية كينجز كوليدج لندن، “يُنظر غالباً إلى ثقافة الهيب هوب وموسيقى الراب على أنها إما أمثلة على خيارٍ مشترك وتسويق من جهة، أو كجزءٍ من حركة تمرد سرية من ناحية أخرى.”

ومع ذلك، حتى أولئك الذين يختارون الانضمام إلى التيار السائد يمكنهم تجاوز الموضوعات الحساسة. ويمكن مقارنة اعتقال الكناوي بقضية سابقة لمغني الراب الملقب بـ”الحاقد،” والذي تم اعتقاله في 11 مايو 2012، حيث اتُهم باستخدام صور مسيئة في مقطع الفيديو الخاص بأغنية أصدرها عام 2010 بعنوان “كلاب الدولة” التي تدين تحيز الشرطة بحسب خلفية الشخص الاجتماعية والاقتصادية.

وبالمثل، كان هناك شكوك في أن اعتقاله مرتبطٌ بالأغنية، التي تم إصدارها قبل عامين وكانت معتدلة مقارنةً بإدانة مغني الراب الآخرين لاعتداءات الشرطة، ولا سيما الأغنية المصورة لمغني الراب “دون بيغ” التي حملت عنوان “ما بغيتش،” التي تظهر فيها عبارة “تباً للشرطة” بوضوح على الحائط.

وقالت مورينو الميدا إنه من المرجح أن يكون الاعتقال مرتبطًا بدعم “الحاقد” للربيع العربي. وفي سياق مشابه، قالت إن اعتقال الكناوي يرسل رسالة إلى شباب آخرين ممن يرغبون في معالجة القضايا المماثلة من خلال الموسيقى بأنهم قد يتعرضوا للمشاكل دون ما يُشير إلى وجود أي مشاكل في حرية التعبير.

وبالرغم من الأصداء الإيجابية التي حظيت بها أغنية “عاش الشعب،” إلا أن مشهد موسيقى الأندرجراوند لا يحظى دوماً بنفس الإيجابية.

وفي هذا السياق، قالت مورينو الميدا: “إن النقد الرئيسي الذي تسمعه من عشاق الراب والجمهور عموماً في المغرب هو أن مغنيّ الراب هؤلاء كانوا يعرفون ما سيتعرضون له، [عرفوا أنه] سيضعهم في دائرة الضوء لأن الخطوط الحمراء واضحة جداً.” وأضافت “لهذا السبب نتحدث عن الكناوي اليوم.”