وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

موسيقى الراب في المغرب، مشهدٌ مزدهر وديناميكي

الراب في المغرب ليس بالأمر الجديد، فقد ظهر في منتصف الثمانينيات مع فرقة Darkheads، التي أطلقت هذا الأسلوب الغنائي في البلاد بطابعٍ أمريكي. وفي أيامنا هذه، فإن الراب المغربي متنوع، سواء من حيث استخدامه للغة والتأثيرات الثقافية.

في الفيلم الوثائقي “أنا أحب الهيب هوب في المغرب،” تم تصوير الفنانين المشهورين اليوم، أمثال دي جاي كي، وآش كاين، وفناير، وإم سي بيغ، وبراون فينجر، و Mot de Passe، و FatiShow، وهم يواجهون مجتمعهم من أجل تنظيم حفلةٍ للراب والهيب هوب. يشاركون، عبر عدسة الكاميرا، أحلامهم وقيمهم وأفكارهم. تم تصوير الفيلم في عام 2007 وبعد أحد عشر عاماً، لا يزال مشهد الراب المغربي نابضاً بالحياة وأصبح جزءاً لا يُفوّت من الثقافة في شمال إفريقيا.

فقد قالت لنا نرجس بهار، وهي صحفية تعمل في مجال الإذاعة ومديرة مشرع الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمنصة البث الموسيقي Deezer، “الراب المغربي ينبض بالإبداع والثروة الثقافية واللغوية.” وأضافت “بما أن المغرب يتمتع بتنوع المناظر الطبيعية، والأصول والتأثيرات، فإن اللهجة المغربية المعروفة بـالدراجة، تنبض بالحياة ولا يتم التحدث بها بنفس الطريقة في جميع المناطق.”

وتشرح نرجس أن تطور الراب تم تسهيله من خلال سهولة الوصول إلى الإنترنت، ولكن ليس هذا فحسب: “إن أكثر من 50% من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، لذا حصلت طفرة قبل ثلاث سنوات. إن مشهد الراب، على الرغم من أنه تمكن من خلق نمطه الخاص بناءً على ما تم إحرازه في السابق، منفتحٌ جداً على محيطه والعالم بالمجمل. الفنانون منفتحون ومتنوعون، ولا يترددون بالمشاركة مع فنانيين آخرين سواء من الشتات أو من الخارج، مثل مغني الراب المغربي حليوة والتونسي بلطي في أغنية (يما).”

تحوّل مشهد الراب المغربي، الذي كانت تُهيمن عليه في البداية اللغة الانجليزية، مع انطلاق مهرجان البولفار السنوي، وهو مهرجان للأغنية الحضرية انطلق في عام 1999 ليتنافس فيه الفنانون في ثلاث فئات: الراب/ الهيب هوب، والروك/الميتال، والفيوجن. وبحسب نرجس “في المنافسات، يتوجب عليك غناء الراب بالدراجة.” وأضافت “وضع هذا أسس الراب العربي في المغرب. فرقٌ مثل آش كاين وفرقة عود ليل عناصر أساسية أيضاً، ومن أوائل المشاركين في الحركة.” وأيضاً كما تقول نرجس، فقد استفاد مشهد الراب في البلاد من الحرية التي بدأت بعد وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999.

حرية التعبير هذه بلغت ذروتها خلال الربيع العربي عام 2012، مع ظهور فنانيين مختلفين مثل محمد حوماص (المعروف باسم سي سيمو) ومعاذ بلغوات، المعروف بلقب الحاقد. فقد عالج سي سيمو في أغنية لكيليمني عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء باستخدام الكلمات التالية: “يتناولون الكرواسان على الإفطار بينما نأكل الخبز المغمس بزيتٍ رخيص. يتعشون على اللحم المشوي بينما نتقاتل على أوقية من اللحم كالديدان.” وفي مقابلةٍ له مع قناة سي إن إن عام 2012، قال: “لماذا كتبت أغنية لكيليمني؟ انظر إلى المكان الذي أعيش فيه وستفهم سبب كتابتي للأغنية. سأتحدث ببساطة: هنا في المغرب الأشخاص الذين يمتلكون السلطة، يمكنهم فعل ما يريدون، وقول ما يريدون، ولن يحكم عليهم أحد أو يقول لهم أحدٌ أي شيء.”

فقد ألقي القبض على الحاقد في 29 مارس 2012 لإهانته الموظفين العامين في أغنية “كلاب الدولة.”

ركزت الاتهامات التي وجهتها له الشرطة المغربية على محتوى كلماته ومونتاج الصور المصاحب للفيديو الذي نُشر على اليوتيوب، ومنذ ذلك الحين انسحب من المنصة، ولم يعد بلغوات مرتبطاً بها.

ومنذ ذلك الوقت، يعيش الحاقد في المنفى في بلجيكا. ولا يزال منخرطاً بشدة بمشهد موسيقى الراب المغربي. أطلق في إبريل 2018 أغنية جديدة حملت عنوان “راكا طاكا،” حيث أضرم النار بجواز سفره وجلس يراقب الوثيقة أثناء احتراقها بينما يخاطب النظام المغربي: “لماذا تتهموني بالتآمر وتنقلوني من سجنٍ إلى آخر؟ […] إذا ما كنت متهماً، ستبقى مهما حصل، متهماً.” وقال لصحيفة آيريش تايمز: “في أغنياتي أنتقد السلطات – الملك والشرطة – وأتحدث عن حياتنا كما هي […] الراب يأتي من الشارع. إنه واضح ويمكن لمغني الراب التعبير عما يفكر فيه الناس الذين لا يستطيعون التعبير عنه صراحةً.”

Specials- Moroccan rap
شباب مغاربي يحضرون حفلة مغني الراب الفرنسي جوي ستار في 22 يوليو 2007 خلال مهرجان كازا ميوزك في الدرا البيضاء. على الرغم من المعارضة الإسلامية للمهرجانات الموسيقية ، حضر العديد من الشباب المغاربة الحفل. Photo AFP

وبحسب الفنان البالغ من العمر 40 عاماً، يوسف طالب، والمعروف بالإسم الفني “الموتشو،” فإن “الاتجاه الحالي لا يتمثل بإرسال رسائل عبر أغاني الراب، فلا أحد يهتم لهذا اليوم. ما تريده الجماهير هو موسيقى “تي راب”، والكوميديا، والعبارات المضحكة.” وقال لفَنَك، “إذا ما كنت ناشطاً، يمكنك مساعدة المنظمات من خلال فنك ولكن لا يمكن أن تتسم بالجدية كالسابق.” فقد سبق وحاز على جائزة فئة الراب/ الهيب هوب في منافسات مهرجان البولفار عام 2006، مما ساعده في انطلاق مسيرته الفنية، إذ قال لنا “في السابق، كنا نعتقد [نحن مغنوا الراب المغاربة] أننا مجرد نزعة مؤقتة، ولكننا لا زلنا هنا وأصبحنا رمزاً للشباب الحالي.” وتابع القول “ولكن هناك أساليب مختلفة لكلٍ منا، بالنسبة للشباب وحتى لأهاليهم.”

يعتبر النمط الموسيقي “تي راب” معروفاً في المغرب. يتم تعريفه من خلال محتواه الغامض والشرير والقاتم، والذي يختلف على نطاق واسعٍ بحسب الفنان. تتضمن الموضوعات الغنائية التي يتم تصويرها تجارب عن المشقة في “التي راب،” وحياة الشوارع، والفقر، والعنف، والتجارب القاسية في المناطق الحضرية المحيطة. فعلى سبيل المثال، في سبتمبر 2018، أصدر مغني الراب عصام أغنيةً منفردة حملت عنوان”كافيار،” وهي من نوع موسيقى “تي راب” والتي يأسف فيها على تجربته في المنفى الثقافي.

وبحسب نرجس، “هناك نوع من الواقع الخيالي الذي يضعه الفنانون في الأغاني، مثل الإتجار بالمخدرات، والجنس، والكحول.” وتابعت القول لنا في فَنَك، “يتحدث الفنانون أيضاً عن المشاكل التي يواجهونها في حياتهم اليومية، كحال مغني الراب في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، يتحدث المغني البنج عن مشقة انحداره من حي شعبي في أغنية “أنتي.” بينما يريد مغنون آخرون الترفيه عن جماهيرهم فحسب.”

ترى نرجس، التي تعيش في باريس وأقاربها في المغرب، أن الراب أصبح يعبر عن صوت الشباب. “بعض الشباب يتخطون الحدود،” كما تقول.

“إلا أن البعض منهم يلتزمون الحدود عما هو صحيح عندما يتحدثون عن الحشيش، على سبيل المثال. لا يمكنك قول كل شيء حتى الآن.”

مشهد الراب المغربي هو حالة خاصة في أفريقيا، حيث لا يستطيع الجميع الوصول إلى الإنترنت. وبفضل تنوعه وحيوته، وجد سبلاً للوصول إلى جمهوره محلياً وإقليمياً ودولياً من خلال العديد من عمليات التعاون.

Advertisement
Fanack Water Palestine