وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إرث الزّوامل اليمنيّة الرّاسخ: “نداء إلى الحرب”

لقد تحولت الزّوامل اليمنية، التي كانت ذات يوم متجذرة بعمق في التقاليد الثقافية، إلى أدوات دعاية قوية من قبل الحوثيين وسط الصراعات المستمرة.

إرث الزّوامل اليمنيّة
متظاهرون يحملون الأعلام الفلسطينية خلال مسيرة حاشدة في العاصمة اليمنية صنعاء. محمد حويس/ أ ف ب

دانا حوراني

“ما نبالي ما نبالي – واجعلوها حرب كبرى عالمية”، هكذا ردّ حشد من المتظاهرين اليمنيّين على الغارة الجوّيّة الأولى الّتي شنّتها الولايات المتّحدة الأميركيّة والمملكة المتّحدة البريطانيّة على بلادهم في 12 كانون الثّاني تصدّيًا للوجود الحوثيّ في البحر الأحمر.

فمنذ بداية حرب إسرائيل على غزّة في 7 تشرين الأوّل، شنّ الثّوّار الحوثيّون اليمنيّون هجومًا مضادًّا على إسرائيل بقصفها المستمرّ بواسطة طائرات من دون طيّار وصواريخ، مستهدفين البواخر التّجاريّة والعسكريّة في المنطقة الإستراتيجيّة.

وبتولّيهم السّيطرة على شمال غرب اليمن، أصبح الثّوّار الحوثيّون المعروفون بصياغة الدّعايات التّرويجيّة بواسطة الشّعر، والبرامج التّلفزيونيّة، والأغاني المصوّرة الآسرة، النّقطة المحوريّة في السّرديّات العالميّة في ظلّ الحرب الإسرائيليّة المستمرّة على غزّة. هذا الاهتمام المفاجئ لم يدفعهم نحو الشّهرة فقط، بل أكسبهم معجبين جددا من حول العالم.

من بين أنجح الجهود في مجال الدّعايات التّرويجيّة هي القصيدة اليمنيّة المعروفة بـ”الزّامل” أو “الزّوامل” في الجمع، بخاصّة مع بزوغ “ما نبالي” كزامل رائع اشتهر بسرعة في الأسابيع الأولى من كانون الثّاني.

على الرّغم من تجذّرها في الثّقافة والإرث اليمنيّ، خضعت الزّوامل لتحوّل جذريّ على يد الثّوّار الحوثيّين، فتطوّرت من تعبير تقليديّ إلى أداة تأثير إستراتيجيّة في الصّراعات اليمنيّة. وأشار المراقبون إلى أنّ جاذبيّتها وأهمّيّتها الثّقافيّة وكلماتها القويّة، جعلتها أسلحة حربيّة فعّالة يستخدمها الحوثيّون لمصلحتهم.

تاريخ شاعريّ

للتّقليد الشّاعريّ المعروف بالزّوامل، تاريخ غنيّ راسخ في اليمن والجزيرة العربيّة. تروي الأسطورة أنّ اليمنيّين ابتكروا هذا النّوع الشّعريّ أوّلًا في القرن الثّالث، عندما ظهر رجال القبيلة من كهف أثناء معركة ضدّ المحاربين الرّومانيّين، بعد سماعهم أناشيد الجنّ السّاحرة.

واستمرّ اليمنيّون منذ ذلك الحين بتأليف زواملهم الخاصّة، محافظين على هذا التّقليد حيًّا.

مع بداية الحرب الأهليّة اليمنيّة عام 2015، اكتسبت الزّوامل حياة ومعنى جديدين.

فقد وجدت هذه التّعابير الشّعريّة طريقها إلى المنصّات الإلكترونيّة، منتشرة بسرعة على منصّات التّواصل الاجتماعيّ، مع جمع بعضها أكثر من مليون مشاهدة على يوتيوب وتيك توك. أمّا في صنعاء، فتردّدت في الأسواق، ونقاط التّفتيش العسكريّة، والتّجمّعات القبليّة.

حتّى الأطفال أدخلوها في ألعابهم، فيما استرسل آخرون في سماعها عبر أيّ وسيلة إلكترونيّة متوفّرة.

شرحت هانا بورتر، الخبيرة في الشّؤون اليمنيّة والحوثيّة، أنّ الزّوامل، تاريخيًّا، شكّلت وسيلة حوار في الشّجارات القبليّة. إذ كان الكتّاب ينشدون هذه الأسطر الشّعريّة للمستمعين الّذين يعيدون إنشادها، مؤسّسين بذلك شكلًا جديدًا من الحوار.

تتحرّر الزّوامل أيضًا من المعايير المهيكلة الخاصّة بالشّعر العربيّ التّقليديّ، فهي لا تلتزم بقواعد القياس الصّارمة والإيقاع الدّاخليّ، ويمكنها التّلاؤم مع أيّ احتفال أو حدث حياتيّ: أعراس، وتعارف العائلات، والمباريات الشّعريّة، والمدح، ومؤخّرًا الدّعوة إلى الحرب.

قالت بورتر لفنك: “يمكن للزّوامل أيضًا أن تملك دوافع دينيّة، لكنّ الحوثيّين، بالتّحديد، تمسّكوا بها لجانبها الأدائيّ.”

أمّا الغرض من هذه الأناشيد الآن، فهو تثبيت الحماس للقتال في نفوس المحاربين الحوثيّين ومناصريهم. إذ إنّ الصّرخات الحربيّة، المشار إليها غالبًا بـ”الصّرخة الحوثيّة”، تتبع نمطًا إيقاعيًّا مميّزًا، وتحمل خطابًا شعبويًّا ضدّ أميركا، وإسرائيل، والإمبرياليّة بشكل عامّ.

ألحان حربيّة

تتنوّع الأناشيد في اليمن بين اللّغة المحلّيّة المحكيّة واللّغة النّحويّة، مكرّمة أهل البيت –عائلة النّبيّ محمّد– باستمرار لإضافة القدسيّة. يحاكي الحوثيّون حزب الله في لبنان، بعرض أسلحتهم في الفيديوهات على وسائل التّواصل الاجتماعي، جامعين السّرديّات الدّينيّة بالحكايات الموروثة من مجتمعات اليمن القبليّة.

وبحسب الكاتبة والباحثة اليمنيّة، هدى العطّاس، يتشارك اليمنيّون حبًّا عفويًّا للشّعر واللّغة العربيّة.

ويُعتبَر الغناء اليمنيّ أيضًا أحد أقدم الأنواع الموسيقيّة العائدة إلى العصور القديمة.

قالت العطّاس لفنك: “يحبّ اليمنيّون فنّ الغناء وتتميّز كلّ منطقة بأناشيد تقليديّة خاصّة بها.”

كما أشارت إلى أنّ استخدام اللّهجة العامّيّة تميّز الزّامل عن الأنواع الأخرى من الشّعر والأناشيد، فيكتسب بذلك زامل كلّ منطقة هويّة خاصّة به، وفي سيناريو صراع قد يكون ذلك مهمًّا لجذب مستمعين محلّيّين.

إلّا أنّ الزّوامل تتعدّى الحرب إلى الحديث عن موضوعات مثل الزّراعة وتربية الماشية، بحسب قول بورتر.

وأضافت الخبيرة: “كانت هذه مرتبطة بفكرة تشجيع اليمنيّين على الاعتماد الذّاتيّ وعدم اللّجوء إلى القوى الأجنبيّة للمساعدة.”

نُشِرت هذه الأنواع من الزّوامل في سياق التّحالف بقيادة السّعوديّة الّذي فرض حصارًا بحريًّا وجوّيًّا على اليمن في بداية الحرب.

وخلال جائحة كورونا عام 2020، استخدم الحوثيّون الزّوامل لنقل خوف عامّة الشّعب من الجائحة إلى خطر العدوى المزعوم الّذي بدأه أعداءهم.

قالت العطّاس: “في ما يتعلّق بالإعلام، تُوظَّف الزّوامل لمرافقة الأخبار المُراد إيصالها إلى النّاس، وبالتّالي تبقى هذه القصائد متمحورة حول موضوع معيّن ومُحدَّثة باستمرار.”

حروب وسائل التّواصل الاجتماعيّ

أكّدت بورتر أنّ مع ظهور منصّات التّواصل الاجتماعيّ مثل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب، استخدم الحوثيّون فيديوهات مبهرجة وألحانًا جذّابة بطريقة إستراتيجيّة لزيادة نطاق انتشارهم وتعزيز شهرتهم. وبالمقارنة سريعًا بين الزّوامل القديمة والحديثة على يوتيوب نكتشف تمتّع الزّوامل الحديثة بقيم إنتاجيّة أعلا، واحتوائها على آلات موسيقيّة حديثة، لتتشابه مع فيديوهات مجموعات أخرى مدعومة من قبل إيران مثل حزب الله.

ثمّ أردفت: “أنا متأكّدة من أنّ الحوثيّين تعلّموا بعض الأمور من المجموعات الأخرى والعكس صحيح، مثل كيفيّة جعل رسائلهم أكثر جاذبيّة، وكيفيّة ابتكار فيديوهات قويّة ومصقولة. كما أنّ هناك بالتّأكيد تعاونًا كبيرًا بين الإعلام الإيرانيّ وحزب الله والحوثيّين.”

وأكملت الخبيرة قائلة إنّه غالبًا ما تُوزَّع هذه الزّوامل الحديثة عبر قنوات تيليغرام الحوثيّة، بصيغ MP3 صوتيّة أو فيديوهات سهلة التّنزيل. وأضافت أنّ كلمات هذه الألحان الجذّابة تتشبّث بالذّاكرة وتساهم عن غير قصد بترديد الدّعاية التّرويجيّة الحوثيّة في الذّهن.

وصفت بورتر حادثة في أوائل تشرين الأوّل شاهدت فيها أفرادًا من قوى الدّولة يستمتعون بسماع الزّوامل الحوثيّة في مناطق يتواجد فيها أعداء للحوثيّين.

وقالت: “عندما يستمع أعداؤكم إلى دعايتكم التّرويجيّة للمرح والتّسلية، يعني ذلك أنّكم ضليعون بما تفعلون.”

خطفت اليمن مؤخّرًا، وهي دولة تواجه ثورات ماليّة وسياسيّة واجتماعيّة مستمرّة، الأضواء بسبب دورها في الحرب ضدّ إسرائيل. لكن فيما الجماهير العالميّة مأخوذة مؤقّتًا بالمحتوى اليمنيّ المنتشر على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، الّذي يقدّم لمحة عن حضارة هذا البلد، يبقى من الضّروريّ جدًّا بذل جهود مستمرّة لحماية تاريخ اليمن الغنيّ وإرثها والحفاظ عليهما خارج سياق السّياسة والحروب، لكن تلفت العطّاس النّظر إلى عدم وجود مثل هذه المبادرات بعد.