وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الزيدية: أقرب مذاهب الشيعة لأهل السُنة

الزيدية
رجل يمني يقرأ من القرآن في المسجد الكبير بصنعاء. المصدر: KHALED FAZAA / AFP

أحمد عابدين

عادة ما يوصف المذهب الزيدي بأنه أقرب المذاهب الشيعية إلى أهل السنة نظراً للتقارب الشديد في الرؤى بينهما، إلا أن المبدأ الأساسي للزيديين يُباعد بينهم وبين السلفيين أو متشددي السنة، حيث يرفع الزيديون مبدأ الخروج على الحاكم الظالم كأحد أهم أركان المذهب.

يرجع تسمية المذهب إلى زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (76 هجرياً-122 هجرياً)، حفيد الإمام الحُسين ووالده عليّ الملقب بـ “عليّ زين العابدين” أو “عليّ السجاد” رابع أئمة الشيعة بكل طوائفهم. وشقيقه محمد الباقر الإمام الخامس عند الشيعة الإمامية أو الاثنا عشرية.

وتعتبر الزيدية من أكثر المذاهب الثورية في عموم الطوائف الإسلامية نظراً لظروف نشأتها ومؤسسها، فلقد قاد زيد بن عليّ الثورة في العراق ضد حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، حاملاً قاعدة وجوب الخروج على الحاكم الظالم، والتي توارثتها طائفته من بعده.

وقد انتشرت الزيدية في منطقة نجد بوسط الجزيرة العربية وفي المناطق حول بحر قزوين (جنوب غرب روسيا وشمال إيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان) كما انتشرت في شمال افريقيا، وقد تشعبت الطائفة الزيدية إلى العديد من المذاهب مثل (المطرفية، السالمية، القاسمية، المؤيدية، الصالحية، البترية، السليمانية، الناصرية، الجارودية، الحريرية، الهادوية وغيرها) إلا أنها انقرضت جميعاً ولم يبقِ منها سوى الهادوية المنتشرة في شمال اليمن، وتُنسب هذه الفرقة إلى يحيى بن الحُسين بن القاسم الرسي الملقب بـ “الهادي إلى الحق” (859 ميلادياً -911 ميلادياً)، وهو مؤسس الدولة الهادوية التي استمرت في ذريته لأكثر من ألف عام حتى قيام الثورة اليمنية عام 1962 ميلادياً، وتعتبر الدولة الهادوية صاحبة أطول فترة حكم في التاريخ الإسلامي لآل البيت.

من أبرز ما يُميز الزيدية ويقربهم من أهل السُنة موقفهم من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فعلى خلاف عموم الشيعة يعتبرونهما من كبار الصحابة ويترضون عليهم، وذلك اتباعاً لما قام به المؤسس عندما ذهب إلى الكوفة فجاء إليه بعض من كبار وزعماء الشيعة بالمدينة وسألوه عن رأيه في أبي وعمر، فقال لهم “ما سمعت أحداً من آبائي تبرّأ منهما، ولا يقول فيهما إلاّ خيراً”، وكان ذلك سبب تخلي أهل الكوفة عنه في مواجهته قوات الأمويين الذين قتلوه بسهم في جبهته، وبعد دفنه تم نبش قبره وأُخرج جثمانه وقطعت رأسه وتم صلب جسده.

كذلك توصف الزيدية بأنها أكثر المذاهب الإسلامية تقبلاً للتطوير والاجتهاد الذي هو حق للجميع وليس مقتصراً على مجموعة بعينها، وهو ما ميزها عن باقي الفرق الشيعية، حيث يرى محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني، أحد كبار أئمة وشيوخ المذهب أن الزيدية ليس مذهبًا مغلقًا متمسكًا بمقولاته ومراجعه وذاكرته، بل هو نسق مفتوح للتطوير والإثراء، فمثلاً الإمامة عندهم ليست وراثية وإنما تقوم على البيعة، وتجيز وجود أكثر من إمام في وقت واحد في قطرين مختلفين، كما تخلت الزيدية عن شرط النسب الهاشمي للإمامة، فليس من الملزم أن يكون الإمام ذا نسب متصل إلى عليّ بن أبي طالب وفاطمة بن النبي، كما أنهم لا يؤمنون بالعصمة للأئمة وغيرهم باستثناء عصمة النبي محمد.

ولا يرفض الزيديون الصلاة خلف إمام من أهل السنة، ولا يقرون زواج المتعة ولا يقدسون القبور والاضرحة، كما أن المهدي لديهم ليس منتظراً ولا شخصية مقدسة ولا يعتقدون بأنّه من نسل الحسين بن عليّ ولا يعتقدون بعصمته، ولا بولادته، ولا بغيبته ولا يؤمنون برجعة الأموات إلى الحياة مرة أخرى قبل يوم القيامة عند ظهور المهدي، كما أنهم يتفقون مع أهل السنة في العبادات والفرائض إلا أنهم يُضيفون إلى الأذان عبارة “حي على خير العمل”، وصلاة العيد في مذهبهم تصح فرادى وجماعة.

ويُشكل الزيديون قرابة نصف الشعب اليمني، حيث يتوزعون بشكل أكبر في محافظات صعدة وعمران وصنعاء والجوف وحجة وذمار، بينما تتواجد اقلية صغيرة منهم في بعض مناطق جنوب المملكة العربية السعودية مثل نجد ونجران وعسير وجازان.

ويُعد الحوثيون هم أشهر الجماعات الزيدية حالياً نظراً لاشتباكهم السياسي، وهي حركة سياسية تأسست عام 1992 ميلادياً وتُدين بالمذهب الزيدي وتُنسب إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي، وتتخذ من مدينة صعدة شمال اليمن مركزاً رئيسياً لها، ويقودها حالياً عبد الملك الحوثي نجل المؤسس.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.