ينتمي معظم المسلمون في العالم إلى الطائفة السُنية، المخالفة للطائفة الشيعية. ويُقدر أن السُنة يشكلون ما نسبته 89-90% من المسلمين في العالم البالغ عددهم 1,6 مليار، بينما يشكل الشيعة النسبة المتبقية. في بعض الأحيان، يوصف مذهب أهل السنة بـ”الاتجاه السائد” للإسلام، ليس فقط بسبب التفوق العددي للسنة، بل أيضاً بسبب طبيعة مذهب أهل السنة باعتباره العقيدة “المألوفة” وطريقة ظهوره وتطوره كرد فعلٍ على الشيعة وغيرها من المدارس اللاهوتية في الإسلام. فقد كان ينظر رواد مذهب أهل السنة إلى هذه المدارس اللاهوتية، مثل المعتزلة، باعتبارها غير مستقيمة لانحرافهم عن “نهج الأغلبية،” وهو مفهوم أساسي في المذهب السني.
ما هو الإسلام السني؟
تُشتق كلمة “أهل السنة والجماعة” من الكلمة العربية السُنة، التي تعني “الممارسة المتبعة” حتى قبل ظهور الإسلام. وفي السياق الإسلامي، تُشير إلى كل أثرٍ عن النبي محمد، من قولٍ أو فعل، من الأمور الأساسية والشؤون اليومية إلى القضايا الرئيسية مثل سلوكه في الحروب والحياة الاجتماعية والمسائل المالية.
يُطلق السواد الأعظم من علماء السُنة عليها اسماً أطول، أهل السُنة والجماعة، أو “أولئك الذين يتبعون أثر النبي ويلتزمون بالاتجاه السائد، والمجتمع الموحد.” ويمكن اعتبار أن هذه التسمية تحمل دلالة الفكر القويم المرتبط بمفهوم الوحدة حول نهج النبي بدلاً من الإنشقاق إلى جماعات وطوائف بدعية. وبالنسبة للمحافظين بين العلماء السنة، تعتبر هذه التسمية أيضاً شكلاً من أشكال المعارضة للبدعة (الأفكار الجديدة التي لا تحمل جذوراً في سنة النبي؛ الانحرافات عن السنة).
وفي هذا المقال، يُستخدم مصطلح “السنة الأوائل،” بدلاً من “سني” فحسب، للدلالة على أوائل السنة الذين بدأوا في التطور كتيارٍ مميز حوالي القرن العاشر. ومع ذلك، في واقعٍ معاصر أكثر تعقيداً، هناك العديد من الاختلافات بين أكثر من مليار شخصٍ يُعرفون بأنهم سنة.
الخلفية التاريخية
السُنة نظير الشيعة
يُنظر عادةً إلى السنة خلافاً لما ليسوا عليه: شيعة. فقد ظهرت الطائفة الشيعية بعد وفاة النبي محمد عام 632، في سياق الحربين الأهليتين الشهيرتين بين المسلمين (الفتنتين الأولى والثانية) اللتان اندلعتا وسط خلافٍ حول مسألة من سيخلف النبي كزعيم سياسي وروحي للمسلمين.
ويعتقد الشيعة أن ابن عم النبي وصهره، علي بن أبي طالب، ينبغي أن يكون أول خليفة للمسلمين، وليس الرابع كما حدث بالفعل. كما يعتقدون أن أحفاده أحق في الخلافة من بعده. وفي الوقت نفسه، يعترف أولئك الذين وصفوا في وقتٍ لاحق بـ”السنة” بالخلفاء الثلاثة الذين سبقوا علي (صحابة النبي أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان) بكونهم خلفاء شرعيين للنبي، على الرغم من أنهم يعترفون بعلي باعتباره الخليفة الرابع وأحد صحابة الرسول الأتقياء.
علم الحديث المبكر
يعتقد المؤرخون أنّ السنة الأوائل التي نعرفها اليوم ظهرت وتبلورت في القرنين التاسع والعاشر. ويربط الباحثون نهوض مذهب أهل السنة بتسنيد الحديث المنظم (أقوال النبي كما ذكرها ناقلوا الحديث) كمجالٍ للدراسة والبحث للمسلمين في وقتٍ مبكر، وتطوير هيئة متماسكة للأحاديث التي سيتم جمعها- القرن التاسع- في عددٍ من المجلدات التي اعتبرها العلماء المعاصرون “كتب الحديث الستة،” (كتب الصحاح). وقبل تأسيس علم الحديث الرسمي، قدّر المسلمون ونقلوا الحديث إلا أنه كان في الغالب شفوياً. عزز علماء القرن التاسع منهجية توثيق الحديث.
تم التوصل إلى نقطة هامة رئيسية تتعلق بكيفية نظر السنة لأهمية الحديث باعتباره قاعدة رسمية للشريعة الإسلامية من خلال عمل الفقيه محمد بن إدريس الشافعي (767-820)، مؤسس إحدى مدارس الفقه الأربع. فقد اعتبر الشافعي أن الحديث هو ثاني أكثر المصادر مصداقية للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم.
يخالف السنة، جزئياً، الشيعة حول الحديث، فلا تلقى جميع الأحاديث التي يعتبرها السنة موثوق بها، نفس القبول لدى الشيعة. ومن المفهوم أن الشيعة يعترفون بالمقام الأول بأقوال النبي التي نقلها علي بن أبي طالب، ابن عم النبي وصهره، وذريته إلى المسلمين. وبالتالي، لدى الشيعة مجموعات حديث خاصة بهم.
معارضة ابن حنبل للمعتزلة
يرتبط ظهور مذهب أهل السنة أيضاً بالفقيه أحمد بن حنبل (780-855). وكحال الشافعي، أسس ابن حنبل واحدة من مدارس الفقه الإسلامي التقليدية. وكونه رائداً في دراسة الحديث، كرس نفسه لجمع أقوال النبي كما ذكرت من قبل أصحابه، والتحقق من صحتها. وبذلك، سافر إلى عدة مدن في العالم الإسلامي.
ويشتهر على وجه الخصوص بمعارضته للمعتزلة، وهي جماعة من علماء الدين الذين تأثروا بالطرق الفلسفية الإغريقية، والذين غالوا في استخدام العقل بدلاً من النقل (الالتزام الصارم بالتقاليد). وفي دفاعه عن التقاليد، تعرض ابن حنبل للجلد والاضطهاد من قبل خليفة المسلمين، المأمون، بسبب تحديه محاولة الأخير فرض عقيدة المعتزلة.
شهدت هذه الفترة من التاريخ الإسلامي ظهور تسمياتٍ مثل “أصحاب السنة.”
الأشعري: دور المعتزلة السابق في تطور مذهب أهل السنة
على الرغم من دور العلماء مثل الشافعي وابن حنبل في تطور مذهب أهل السنة، يُعزى تأسيس عقيدة سُنية جوهرية لأبو الحسن الأشعري، وهو معتزلة سابق الذي “بنى قاعدة فكرية وسطية” بين التقليديين والمعتزلة، وذلك باستخدام المهارات الجدلية والفلسفية التي اكتسبها بعد مخالفته للمدرسة اللاهوتية.
عقيدة ومبادىء أهل السنة الأوائل
تقليدياً، يمتاز أهل السنة الأوائل بالتزامهم بعددٍ من المبادىء الأساسية، مثل إيمانهم بالحديث ومفهوم “الإجماع بين المسلمين،” كمصادر للشريعة الاسلامية، بالإضافة إلى غياب السلطة الدينية السُنية المشابهة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والبابا للمسيحيين الكاثوليك، والكنيسة القبطية والبابا للمسيحيين الأرثوذكس في مصر أو الأئمة الـ12 وعلماء الشيعة الاثني عشرية.
وهناك أربعة مدارس فقهية تقليدية (الشريعة الإسلامية أو الفقه) التي أسسها علماء السنة الأوائل على مدى القرنين الثامن والتاسع: المذهب الحنفي، الذي أسسه أبو حنيفة النعمان (699-767)؛ والمذهب المالكي الذي أسسه مالك بن أنس (715-795)؛ والمذهب الشافعي الذي أسسه الشافعي (767-820)؛ والمذهب الحنبلي الذي أسسه ابن حنبل (780-855).
قام تلاميذ كل من العلماء الأربعة بتطوير مدارسهم الفقهية بعد وفاة الآباء المؤسسين. ويرى علماء السنة التقليديون أن هذه المدارس الأربعة (المعروفة أيضا بالمذاهب) هي أربعة مقاربات للفقه وأربع طرق للاجتهاد (المنطق الفردي، استناداً إلى التفسيرات الفردية للكتاب المقدس).
ووفقاً لعلماء السنة التقليديين، ينبغي أن تُستمد الشريعة الإسلامية من واحد من أربعة مصادر: في المقام الأول من القرآن أو من السنة النبوية (التي بدورها مستمدة من الحديث) كثاني أفضل خيار للمسائل غير الواردة في القرآن الكريم. والمصدر الثالث للشريعة الإسلامية هو الإجماع الذي توصل إليه العلماء المسلمون والمجتمعات الإسلامية، وخاصة في القرون الأولى للإسلام. والرابع هو القياس (الاستنتاج بالمقارنة الدقيقة).
وعليه، أصبحت المذاهب السنية تقتصر على أربعة بحلول القرن الحادي عشر. وقبل ذلك، في القرن العاشر، تم الاعتراف بالمزيد من المذاهب باعتبارها مناهج تتسم بالاحترام لدراسة الشريعة الإسلامية.
وعلى الجانب الشيعي، أسس جعفر الصادق المذهب الجعفري. ويعتبر الشيعة الإثني عشرية الصادق، سليل علي بن أبي طالب، إماماً، بينما يعتبره السنة علامة وليس إماماً. كما أن هناك المذهب الزيدي لدى الشيعة الزيدية.
مذهب أهل السنة الحديث
يُقال عادةً “أغلقت أبواب الاجتهاد” في القرن الحادي عشر تقريباً. لم يتم تأسيس المزيد من المدارس المنهجية للشريعة الإسلامية، وركز علماء السنة بدلاً من ذلك على دراسة الشريعة الإسلامية من خلال المذاهب الأربعة التي تم إنشاؤها بالفعل. ويواصل العلماء إصدار الفتاوى حول المسائل التي تنشأ في الحياة اليومية للمسلمين، إلا أن أحكامهم تستند بشكلٍ أساسي على المناهج الأربعة القائمة.
ومع ذلك، وعلى مر القرون التالية، ظهرت مجموعة من “الإصلاحيين” بين علماء السنة، الذين دعوا إلى ضرورة “فتح أبواب الاجتهاد.” ومن المثير للاهتمام، أن بعض هؤلاء “الإصلاحيين” كانوا محافظين إلى حدٍ ما، إذ كانت دوافعهم تتمحور حول ما اعتبروه ضرورة العودة إلى أساسيات الإسلام الأصيلة ورفض التطورات والبدع التي ظهرت على مر الزمن وانحرفت عن مسار الإسلام. ومن الأمثلة على ذلك أحمد بن تيمية (1263-1328)، الذي ولد لعائلة من العلماء الحنابلة، ودعا إلى الاجتهاد، لكنه في الوقت نفسه كان يعارض اتجاهات مثل الشيعة والصوفية والفلسفة، حيث اعتبارها “مزيفة.”
ومن بين الاصلاحيين البارزين محمد عبده (1849-1905) من مصر الذي عاش وقت الاحتلال البريطاني للبلاد. دعا عبده الذي يعتبره المراقبون “حداثوي،” أيضاً إلى الاجتهاد وشدد على أهمية التعليم. فقد تطلع إلى التوفيق بين الإسلام والنموذج الغربي، الذي كان يحب، وفقاً للمؤرخين. ومن الفتاوى البارزة التي أصدرها عبده، رفض تعدد الزوجات وقبول المؤسسات الغربية مثل التأمين.
واليوم، لا يقتصر مذهب أهل السنة بأي حالٍ من الأحوال على نموذج السنة الأوائل التقليدي الذي ظهر وازدهر في القرون الأولى من الإسلام. فقد أيدت الحركات السنية، والمؤسسات، والمفكرين المستقلين، وحتى الأفراد العاديين من السنة مختلف فروع ومدارس الإسلام السني- من العلمانية إلى الإسلام السياسي- ومن الوهابية والسفلية إلى الرؤى الليبرالية والتقدمية للإسلام. وهذه ليست سوى بعض الأمثلة القليلة على قائمة طويلة من الإختلافات.