سرعان ما تلاشت فرحة الرئيس المنتخب حسن روحاني، بعد فوزه الساحق في الإنتخابات، تحت وطأة الاضطرابات والإرباكات المتفاقمة العام المنصرم، حيث وجد نفسه في خضم وضع فوضوي توَجب عليه معالجته.
يسعى رجل الدين المعتدل من خلال برنامج إصلاح إلى توسيع الحريات الشخصية وإصلاح العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة مع الدبلوماسية الغربية، من ناحية، وإصلاح الاقتصاد المتضرر بشكلٍ حرج من ناحيةٍ أخرى، والذي وصفه في وقتٍ لاحق بـ”الخراب والحطام” الناجم عن العقوبات الغربية الصارمة ضد برنامج ايران النووي وسوء إدارة الحكومة السابقة.
ووفقاً للعديد من الخبراء، لم يبالغ روحاني بتقييمه للاقتصاد، بالنظر إلى معدل التضخم آنذاك البالغ 45% من نقطة إلى نقطة وتراجع النمو الإقتصادي بنسبة 5,8%، الذي تحسَّن منذ ذلك الحين إلى نحو 15% و2,2% على التوالي. ويتوقع صندوق النقد الدولي بأنّ يصل معدل النمو الإقتصادي هذا العام إلى 1,5%، بعد عامين من الركود.
وفي الوقت نفسه، يأمل المسؤولون أن يشهد العام االمقبل طفرة إقتصادية تنتشل البلاد من قبضة الركود، إذ لن يتم تحقيق إصلاحات حقيقية إلا في حال تمكّن الدبلوماسيون من التوصل الى اتفاق دائم حول الملف النووي في الأشهر المقبلة لاستبدال النظام المرحليّ الحالي، في مسعىً للخروج من نفق العقوبات بشكلٍ كامل. ومع ذلك، صرّحت الحكومة ضمن الحزمة الاقتصادية التي تم إطلاقها مؤخراً أنها لن تعلّق أمالها على الوعود برفع العقوبات فيما يتعلق بتعاملها مع الوضع الإقتصادي.
المكالمة التاريخية بين رئيس إيران ورئيس الولايات المتحدة الامريكية في سبتمبر 2013، وزيارة وزيرة الخارجية الإيطالية، إيما بونينو، لطهران في ديسمبر، مهدت الطريق لنظرائها في كلٍ من السويد وبولندا وبلجيكا واليونان ولاتفيا وإسبانيا والنمسا بأن يحذوا حذوها بزيارة العاصمة الإيرانية كلٌ على حدى ترافقهم وفود تجارية كبيرة بهدف تقييم الظروف الراهنة ومد جسور تعاون جديدة. بل تضاعفت الآمال ايضاً بعد توقيع الدبلوماسيين من إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن اتفاقية مؤقتة حول الملف النووي الإيراني والتي تنص على فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات جزئياً.
وبالرغم من كل هذا، لا تزال هناك تحديات جوهرية، إذ لم يلمس المستهلك الإيراني سوى القليل من التغييرات منذ تولي رجل الدين المعتدل منصبه في أغسطس الماضي. ولا تزال الأسواق المحلية تشهد ارتفاعاً مستمراً في الأسعار، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير مما يتماشى مع معدل التضخم.
لا تزال تكاليف المعيشة مرتفعة بالنسبة للكثيرين، وبخاصة في محيط الـ15 مليون نسمة، الذين يعيشون- وفق عضو البرلمان موسى سرفاتي، تحت خط الفقر. يقول مهتاب، وهو مترجم إلى اللغة الإنجليزية من سكان طهران “لم تتحسن الأوضاع على الإطلاق، بل تفاقمت سوءاً” وذلك عند مقارنة الوضع الراهن بالسنوات الأولى لتولي أحمدي نجاد منصبه، حيث بلغ النمو 8% وذلك بفضل عائدات النفط المكتسبة قبل فرض العقوبات والتي بلغت 750 مليار دولار. وأضاف “هناك أشياء كثيرة لا يمكننا تحمّل شرائها”.
ومن بين المشاكل المُحيطة بحكومة روحاني التي تعاني ضائقةً مالية، تنفيذ المرحلة الثانية من خطة إصلاح الدعم، وهو برنامج أُسس في عهد أحمدي نجاد يهدف إلى إلغاء الدعم الحكومي عن الطاقة والمواد الغذائية في محاولة لتحديد الاسعار من خلال الأسواق الحرة والحدّ من الإستهلاك وتحقيق أكبر قدر من الوفورات وإنفاقها على قطاعات أخرى مثل الصناعة، والنقل، والزراعة، والصحة العامة، والخدمات الاجتماعية.
وعلى أرض الواقع، أدت خطة أحمدى نجاد للإصلاح إلى رفع معدل التضخم، المرتفع أساساً، بمعدلات أعلى بكثير، مما أضطر الحكومة إلى توزيع معونات نقدية شهرية بقيمة 15 دولار على جميع سكان إيران البالغ عددهم 77 مليون نسمة.
كما صرًّح وزير الاقتصاد الإيراني طيب نيا الأسبوع الماضي أن الحكومة تسعى إلى حذف أسماء 10 ملايين متلقٍ للمعونات من ميسوري الحال من قائمة المستفيدين، إذ أطلقت الحكومة في وقتٍ سابق من العام نداءً للعامة للتخلي عن استلام المعونات في حال عدم الحاجة إليها، إلا أنّهم لم يتلقوا رداَ سوى مما يقارب 2,4 مليون نسمة فقط.
وفي خطوة غير مألوفة لمسؤول إيراني، قدّم الرئيس روحاني في فبراير اعتذاره متحملاً مسؤولية ما أسماه المشكلات التي حدثت أثناء توزيع “سلة المأكولات” للفقراء بعد وفاة ثلاثة أشخاص بسبب وقوفهم في طوابير طويلة في درجات حرارة متجمدة. وكان الهدف من توزيع هذه الحصص الغذائية، التي تضمنت البيض، وزيت الطهي، والدجاج، والأرز، والجبن، خفض معدل التضخم.
كما أعلن وزير التجارة والصناعة الإيراني، محمد رضا نعمت زاده، أنّ إنتاج السيارات في الربع الأول من السنة تضاعف مقارنةً بنفس الفترة العام الماضي، عازياً السبب إلى رفع العقوبات وتحسين السياسات.
كما شهد سوق العملات استقراراً مع وجود بعض الرواسب بسبب الصدمة التي عانت منها البلاد عام 2012 في أعقاب تنفيذ عدة جولات من العقوبات الغربية، عندما خسر الريال الإيراني ما يقارب نصف قيمته أمام الدولار الأمريكي؛ حيث وصل سعر تداول الدولار حينئذ إلى 40,000 ريال، بينما يصل حالياً إلى 30,000 ريال.
وتطمح وزارة النفط إلى مضاعفة إنتاجها من النفط إلى 5,7 مليون برميل يومياً بحلول عام 2019. وفي حال تحقق ذلك، سيشّكل هذا دفعة قوية للإقتصاد، حيث تم تخفيض صادرات نفط البلاد إلى ما يقرب النصف منذ عام 2012، أي بمعدل إنتاج يقارب 1,2 مليون برميل يومياً من النفط الخام، بعد أن فرضت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عقوباتٍ صارمة استهدفت القطاع النفطي مما كان له تأثير واضح على القطاع المصرفي.
كما ألقى هذا بظلاله على قطاع السياحة الذي تأثر بالظروف الجديدة. إذ قال رئيس منظمة السياحة أنّ القطاع لطالما تمتع بزيادة بنسبة 200% في عدد السياح الأجانب الوافدين في الربع الأول من العام وفقاً للتقويم الإيراني. ووفقاً لتصريحات المسؤولين، كان يتم حجز جميع الفنادق في المدن الكبرى (طهران وتبريز وأصفهان) بالكامل تقريباً حتى نهاية العام. وقال نائب الرئيس الايراني مسعود سلطاني الفار “يتوجب على البلاد استضاقة 20 مليون سائح خلال السنوات الـ11 المقبلة”.