دانا حوراني
وصل موسم السياحة المكتظ إلى ذروته في مدينة ألانيا الواقعة في جنوب تركيا.
وتجتذب المدينة السياح لما فيها من حياة ليلية صاخبة، ومأكولات شهية، وشواطئ نظيفة، وبضائع رخيصة، والأخيرة هي الأهم.
لكن، يشهد هذا العام انخفاض أعداد السياح الروس الذين كانوا يشكّلون غالبية الزوار في الماضي.
إذ اعتبرت المديرة التنفيذية لاتحاد منظمى الرحلات السياحية فى روسيا، مايا لوميدزى، في تصريح أدلت به لصحيفة دنيا التركية أنه سيكون من الجيد أن يزور تركيا مليونا سائح روسي هذا العام، وهو تراجع بارز في عدد السياح الروسيين الوافدين إلى تركيا، والذي كان قد بلغ في العام الماضي 4.7 مليون زائر.
ورغم عدم تسجيل أرقام رسمية عن عدد السياح في ألانيا، فقد قال المرشد السياحي في المدينة، خليل توغوز، لفنك إن أعداد السياح تراجعت كثيرًا نسبة للسنوات الماضية.
وأضاف توغوز: “أعيش في ألانيا وأعمل فيها منذ عام 1997، وكان الأوروبيون يمثّلون غالبية السياح حتى عام 2005. أما بعد عام 2005 وصولًا إلى العام الماضي، فقد حلّ الروس محلهم، لكن الأعداد سرعان ما بدأت تعود الى ما كانت عليه في السابق “.
وقال توغوز إنه من المبكر الجزم بأن الحضور الأوروبي سيهيمن على المشهد السياحي مجددًا، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا لعبت دورًا كبيرًا في هذا التحول.
ورغم انتعاش قطاع السياحة بعد عامين قاسيين نتيجة الحظر والقيود التي فرضتها جائحة كورونا ، يشير المحللون والمراقبون إلى الحاجة إلى مزيد من الجهود الحكومية لحماية هذا القطاع من تقلبات الاقتصاد والاضطراب السياسي في البلاد.
ألانيا وأنطاليا والجواهر الجنوبية
إلى جانب المناظر الطبيعية الخلابة والأسواق العتيقة والمعالم التاريخية، تجد على ساحل البحر المتوسط، أو “أكدنيز” كما يُسمى بالتركية، وجهات تجذب عشاق الشواطئ.
وتُعدّ مرمريس وكاش وأنطاليا وفتحية وليقيا وألانيا من أشهر هذه الوجهات.
وفقًا لتحليل بيزنس إنسايدر عام 2019 الذي يصنف أكثر مائتي مدينة إقبالًا في العالم، استنادًا إلى البيانات الشهرية الواقعية الصادرة في عام 2019، احتلت أنطاليا المرتبة العاشرة في التصنيف.
وقال توغوز: “أنطاليا مشهورة جدًا، لكنني أفضّل ألانيا لأنها أصغر مساحةً وتحوي كل ما تحويه أنطاليا من جبال وشواطئ ومراكز تسوق وأسواق ومعالم تاريخية، لكن المسافات بينها أقرب”.
وأضاف أن فنادقها أرخص من فنادق منافساتها الشهيرة.
كما أشار توغوز إلى أن الزوار من البلدان ذات الطقس البارد يأتون إلى سواحل المتوسط لدفء أجوائه، وأنشطته الخارجية المنعشة كالتجديف في الأنهار، والسباحة في مساقط الشلالات، والتنزه في الجبال، وركوب قوارب تحمل طابع القراصنة.
هذا الطابع يستعيد ذكريات قراصنة الحقبة العثمانية الذين كانوا يحمون الإمبراطورية من أعدائها في البحر.
قبل جائحة كورونا وبعدها
في عام 2020، وجّهت الجائحة ضربة ساحقة لعائدات قطاع السياحة في تركيا البالغة 34.4 مليار دولار بعد أن تسببت في وقف السفر في العالم بأسره، وذلك بعد أن بلغت ذروتها مع زيارة 45.1 مليون سائح عام 2019.
وقد عانت البلاد منذ ذلك الحين لتتجاوز هذه المستويات.
وشكّل الروس النسبة العالية من السياح الأساسيين في تركيا بين شهري يناير ونوفمبر من العام الماضي، لا سيما في أنطاليا. ويخشى المحللون من خسائر محتملة في عائدات السياحة جرّاء قيود فرضها المجال الجوي على الطائرات الروسية، بالإضافة إلى تضاؤل القوة الشرائية لدى الروس.
وحتى الآن، عوّض الزوار الأوروبيون نسبة 39% من السياح الروس الذين خسرتهم تركيا. واحتل السياح الألمان المرتبة الأولى بين يناير ويونيو جراء ارتفاع هذه النسبة، 12.6% عن العام الماضي. واحتل الروس المرتبة الثانية، بينما جاء البريطانيون في المرتبة الثالثة بنسبة 26% في النصف الأول من عام 2019.
لكن الإحصاءات الرسمية للعام السياحي فسوف تصدر، بشكلها النهائي، في نهاية الموسم.
وقال ميرت كانبيكل، الموظف في فندق ريسوس بارك في ألانيا، لفنك إن موسم السياحة يبدأ انطلاقته في شهر يوليو، ليصل إلى ذروته في شهر أغسطس، ويمتد عادةً إلى شهر أكتوبر
اليورو والدولار والروبل والليرة
يتوقع كانبيكل، الذي يرفع فندقه أعلام الاتحاد الأوروبي وتركيا وروسيا على واجهته أن يشغل الروس نحو 80% من نسبة النزلاء هذا العام، كما هو الحال كل عام.
وقال: “إنهم يحبون البقاء في الفنادق، وعادةً لا ينفقون الكثير من الأموال في الأسواق. ولهذا من المهم لقطاع السياحة أن يجتذب الأوروبيين الذين يجلبون الدولار واليورو إلى البلاد”.
ويعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير على عائدات السياحة. فوفقًا لرويترز، يقترب صافي احتياطات البنك المركزي من العملة من أدنى مستوياته منذ عشرين عامًا، كما تستقر الليرة التركية في أدنى مستوى لها على الإطلاق.
كما تخطت مستويات التضخم السنوية نسبة 80%. ويظل اليورو أقوى عملة أمام الليرة التركية، فهو يساوي 18.35 ليرة، بينما يساوي الدولار 17.92 ليرة. أما الروبل الروسي فيشتري 0.28 ليرة تزامنًا مع كتابة هذا المقال.
وقال توغوز: “وجود سياح متنوعين يخفف من الضغط الاقتصادي من خلال تقليل اعتمادنا على دولة واحدة وعملتها. وقد ضربت الحرب الروسية الأوكرانية قطاع السياحة في مقتل. لكن من حسن الحظ أن حكومتنا قد سارعت لتقليل التداعيات”.
وكانت واحدة من استراتيجيات تقليل التداعيات التي اتبعتها الحكومة هي استهداف الأسواق الأوروبية من خلال منظمي الرحلات الأتراك.
لكن توغوز قال إن الفنادق التي يديرها الروس خصيصًا لأبناء بلدهم في ألانيا لم تفتح أبوابها بعد.
وأضاف قائلًا: “لم أعد أرى مؤخرًا سوى الأغنياء الروس. قد تحتاج الفنادق إلى تغيير نظامها حتى تلائم احتياجات الزوار الجدد. فالروس يفضلون العروض التي تشمل الإفطار والعشاء والأنشطة الترفيهية في الفنادق، بينما يفضّل الأوروبيون عادةً العروض التي تشمل الإفطار والغرف الشبيهة بالنُزُل”.
زوار محدودو الميزانية
أشار الخبير الاقتصادي التركي مصطفى سونميز إلى أن انخفاض الليرة يجذب السياح، لا سيما من دول الجوار مثل إيران، التي ارتفع عدد زوارها بنسبة 19% هذا العام، مستفيدين من الأسعار التنافسية لشراء السلع الأساسية.
كما سمحت تركيا للمواطنين البلغاريين بالدخول إلى أراضيها دون الحاجة إلى تأشيرات. وهم يتجهون دائمًا إلى مقاطعة أدرنة على الحدود الشمالية الغربية.
وأضاف سونميز: “ومع ذلك، لا تكفينا الأعداد الغفيرة وحدها. فنحن بحاجة إلى زوار ذوي قوة شرائية عالية ليفيدوا الاقتصاد. لكن غالبية الزائرين هم من أصحاب الميزانية المحدودة للأسف”.
وأكد سونميز أنهم محتاجون إلى عائدات قطاع السياحة لتعويض العجز في الميزان التجاري الذي قفز إلى نسبة 157% في مايو الماضي. والجاني الرئيس في هذا هو ارتفاع تكلفة واردات الطاقة.
وأضاف: “لن يستطيع قطاع السياحة على حالته الآن تعويض العجز ولو قليلًا. لذا يجب تطويره، لا سيما أن البلاد زاخرة بإمكانات التطور”.
وقد وافق الرئيس رجب طيب أردوغان، في خطوة لدعم الاقتصاد التركي، على أن تبدأ بلاده بدفع حصة من وارداتها من الغاز الطبيعي الروسي بالروبل.
وجاء هذا الإعلان يوم الجمعة الماضي بعد أكثر من أربع ساعات من المحادثات بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية.
ورغم أن مقدار حصة الغاز التي ستدفعها تركيا بالروبل لم يُعلن بعد، فقد أكّد أردوغان أنه “لا شك في أن التعامل بالروبل سيجلب منافع مالية لتركيا وروسيا”.
السياحة الشتوية: منطقة مجهولة
يرى سونميز أن التركيز المفرط على سياحة الشواطئ يحجب عن الأنظار السياحة الثقافية وغيرها من أنواع السياحة التي يعتقد أنها سوف تجذب العديد من السياح.
ومن الأمثلة على ذلك: جبل أرارات الذي يبلغ طوله 5137 مترًا ويكسوه الثلج طوال العام، وهو وجهة مثالية للتسلق والتزلق والتنزه. وكذلك منطقة كابادوكيا الأثرية القديمة التي تشتهر بخصائصها الجيولوجية الفريدة التي تُسمى “مداخن الجنيات”، إضافة إلى الغرف المنحوتة والقلاع والمدن الموجودة تحت الأرض التي استخدمها المسيحيون الأوائل للاختباء.
ويقول توغوز: “نحتاج إلى مزيد من الترويج للسياحة الشتوية. تُوجد أنشطة كثيرة حتى في المدن الساحلية. وبمجرد أن نوفر عروضًا مناسبة للزوار في الشتاء، ستنهال الأرباح علينا طوال العام”.