وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بشائر خيرٍ للاقتصاد مع تعيين إبراهيم رئيسي ومخاوف حول مسار حقوق الإنسان

رئيسي اقتصاد إيران
الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي يبتسم وهو يحيي ممثلي وسائل الإعلام خلال أول مؤتمر صحفي له في العاصمة الإيرانية طهران، في 21 يونيو 2021. (Photo by ATTA KENARE / AFP)

 

صوفيا أكرم

فاز إبراهيم رئيسي، في الشهر الماضي، بالانتخابات الرئاسية الإيرانية الأكثر ترقباً وسيتولى منصبه في أغسطس من هذا العام. وبينما تمحورت حملته الانتخابية حول القضاء على الفساد والاقتصاد المنهك، وهي القضايا التي تشغل أذهان معظم الإيرانيين، إلا أن إعادة إحياء الاتفاق النووي وملف حقوق الإنسان ما يُثير اهتمام المجتمع الدولي.

تأتِ ولاية رئيسي بعد أن حاز على ما نسبته 62% من الأصوات في الشهر الماضي، ومع ذلك، وبالرغم من الانتصار الواضح، ما تزال النتيجة تفشل في تمثيل الشعب الإيراني، حيث شهدت انتخابات يونيو 2021 أقل نسبة مشاركة في الاقتراع في تاريخ البلاد بعد الثورة. فقد تميزت هذه الانتخابات بدعواتٍ للمقاطعة ومجموعة من أوراق الاقتراع التالفة من قبل الناخبين الذين خاب أملهم من الأداء الضعيف للإصلاحيين الذين يرون أنهم فشلوا في تنفيذ إصلاح اجتماعي ملائم وسياسة اقتصادية قوية.

علاوةً على ذلك، ساهم الاستبعاد الاستراتيجي للمرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور على تعيين رئيسي، مما قضى على أي تحدٍ خطير كان سيواجه “المتشدّد،” كما يوصف، والذي أثار الغضب بسبب مشاركته السابقة في بعضٍ من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان التي شابت إيران.

ومن الجدير بالذكر أن رئيسي يعتبر مقرباً من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهو الرئيس السابق للسلطة القضائية ومن المرجح أن يخلف خامنئي بعد وفاته. وكحال آية الله البالغ من العمر 82 عاماً، تشير عمامة رئيسي السوداء إلى أنه من نسل النبي محمد.

يعتبره الكثيرون متشدداً مثل محمود أحمدي نجاد، الزعيم الإيراني الذي تولى سدة الحكم قبل حكم روحاني الذي استمر فترتين في المنصب منذ عام 2013. ووفقاً لعلي هاشم، وبحسب ما كتبه في المونيتور، لم يكن رئيسي أصولياً ولا حتى إصلاحياً، في إشارةٍ للتيارين السياسيين الرئيسين في البلاد. بدلاً من ذلك، سيسعى رئيسي إلى تمهيد الطريق “لتيارٍ سياسي” جديد في البلاد، وفي كلتا الحالتين، يجب عليه أن يحقق رخاءً أكبر للشعب الإيراني لكسب أي شكلٍ من أشكال الشرعية بينهم.

رئيسي اقتصاد إيران
متظاهرون من المنفى يقفون خارج فندق “جراند فيينا،” حيث يعقد دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وإيران محادثاتٍ مغلقة في فيينا في 15 أبريل 2021. (Photo by JOE KLAMAR / AFP)

فبعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة، والمعروفة أيضاً باسم الاتفاق النووي الإيراني، تقلص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على الفور، حيث انخفض بنسبة 6,8% خلال 2019/2020. كما قدرت تقديرات البنك الدولي، التي يحتمل أن تكون متحفظةً إلى حدٍ ما، معدل الفقر عند 14% قبل الوباء، ومن المرجح الآن أن تكون النسبة أعلى بكثير ذلك أن الإغلاقات بسبب الوباء أجبرت الكثيرين على فقدان دخلهم، فضلاً عن ارتفاع تكاليف المعيشة في إيران.

هذا ويتطلع ناخبو رئيسي البالغ عددهم 17,9 مليون ناخب، والذين يُرجح أنهم من المحافظين، إلى الزعيم القادم للوفاء بوعوده بالقضاء على الفساد المرتبط جزئياً بالمشاكل الاقتصادية للبلاد. وهذا يعني تخفيف العقوبات والالتزام بالاتفاق النووي الإيراني، الذي تجري مفاوضاتٍ بشأنه حالياً في فيينا.

“سيلتزم رئيسي بالاتفاق النووي ويحاول الحفاظ عليه،” على حد تعبير كوروش زيباري، مراسل آسيا تايمز في إيران، وهو تفاهمٌ يقول إن العديد من الخبراء الإيرانيين يتصورونه.

“على الرغم من أنني يجب أن أعترف بأن فريق السياسة الخارجية الخاص به، الذي تم التهامس ببعض الشائعات حول تركيبته في الأيام الأخيرة، لم يكن على علمٍ بشكل لا يصدق بتفاصيل خطة العمل الشاملة المشتركة، بل ويجرؤ بعض النقاد على الادعاء بأنهم لم يقرأوا حتى الصفحات الـ 159 الكاملة من الاتفاقية.”

“إذا تمكنت إدارة روحاني الضعيفة من إحياء الاتفاق النووي والحصول على امتثالٍ أمريكي قبل أن تحل محلها إدارة رئيسي التي سيتم تنصيبها في أوائل أغسطس، فستكون الأمور أسهل بكثير، وسيسارع رئيسي إلى جني المكاسب الاقتصادية لصفقةٍ منتهية دون أن يلعب أي دورٍ فيها.”

يترك هذا متسعاً صغيراً نسبياً لإجراء المفاوضات، بيد أن المخاطرة تكمن في أن المحادثات المطولة إلى حين تولى رئيسي منصبه ستجلب تحدياتٍ كبيرة.

“بدايةً، فريق رئيسي للسياسة الخارجية ليس بارعاً ومطلعاً على التفاصيل الدقيقة للدبلوماسية الدولية ومهارات التفاوض كحال وزارة الخارجية بقيادة جواد ظريف، وأيضاً لأن إدارة رئيسي ستتخذ موقفاً متشدداً في المحادثات دون الاستعداد لتقديم التنازلات التي يبدي روحاني ودبلوماسيوه استعداداً لتقديمها،” على حد تعبير زيباري.

ويُضيف “بينما يُظهر رئيسي بعض التحفظ في التعامل مع الغرب، فإنه يدرك تماماً أن عودة العمل بالاتفاقية سيكون أكثر فائدة من سياسة حافة الهاوية النووية اللامحدودة.”

بيد أن الإصلاح الاقتصادي سيعتمد أيضاً في نهاية المطاف على الإصلاح السياسي للمساعدة في تخفيف المظالم المرتبطة بالفقر.

وفي هذا الصدد، يقول زيباري “بالنظر إلى خلفيته كقاضٍ قضى حياته المهنية التي امتدت لعدة عقود في القضاء، من المتوقع على نطاقٍ واسع أن تتركز جهوده في الحكومة على القضاء على العقبات البيروقراطية التي تبطئ الإنتاجية الاقتصادية وتفاقم شراء الخدمات الاجتماعية سوءاً.”

ومع ذلك، تقوض “الانتخابات المزورة” إلى حدٍ ما أي مصداقية للنظام في القضاء على الفساد، كما كتب مروان بشارة، محلل السياسات البارز في قناة الجزيرة.

وبحسب زيباري، يمكن أن يلقي افتقار رئيسي للخبرة بظلاله على قدرته على التعامل مع اقتصاد البلاد الذي يعاني من ضائقة مالية.

ويقول، “خلال الحملة الانتخابية، لم يضع أجندةً اقتصادية شفافة وما يزال العديد من الإيرانيين يخمنون أدائه المرتقب،” مضيفًا أنه من غير المرجح أن يشجع الاستثمار الأجنبي في صناعات الطاقة أو البنية التحتية في البلاد.

ومن الجدير بالذكر أن فكرة “اقتصاد المقاومة” تحظى بشعبيةٍ بين العناصر المحافظة في إيران لجعل البلاد أقل اعتماداً على اللاعبين الدوليين. وبصفته مرشحاً رئاسياً، دعا رئيسي إلى “تفعيل اقتصاد المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الفقر والحرمان في البلاد،” ووعد بخلق دعم نقدي والتوظيف لهذه الغايات.

كما أن سجل رئيسي في انتهاك معايير حقوق الإنسان الدولية يضعه على خلافٍ مع المجتمع الدولي. فقد كانت هناك دعواتٌ من جماعات حقوقية والأمم المتحدة للمساءلة عن تورط رئيسي في عمليات القتل الجماعي للسجناء الإيرانيين في عام 1988 حيث قيل إن أكثر من 300 شخص ذبحوا.

من جهته، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، لرويترز مؤخراً إنه سيشارك الشهادات والأدلة التي جمعها لإثراء التحقيقات.

آنذاك، عمل رئيسي كمدعٍ عام وأمر بإعدام أعضاء جماعة معارضة وآخرين يعتبرون يساريين وشيوعيين ومرتدين. وفي عام 2018، أشار إلى عمليات القتل باعتبارها واحدة من أكثر اللحظات التي يفتخر بها النظام.

وفي هذا الشأن، يشعر نشطاء حقوق الإنسان بالقلق من أن الأدلة على شكل مقابر جماعية يتم تدميرها للتغطية على الجريمة، بينما يتم تحريف شهادات أقارب الضحايا، في حين قال رحمن لوسائل الإعلام إن التحقيق سيساعد الأسر على المضي قدماً.

ويشير زيباري أيضاً إلى أن القضاء، الذي كان تحت إشراف رئيسي في السنوات القليلة الماضية، كان مسؤولاً عما وصفه الكثيرون بالاعتقالات التعسفية والأحكام الجائرة، بما في ذلك الإعدامات.

في هذا الصدد، يمكن توقع حدوث مزيدٍ من التدهور في سجل إيران في مجال حقوق الإنسان مع فرض المزيد من القيود على المجتمع المدني ووسائل الإعلام واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، كما يقول زيباري، فضلاً عن قمع معارضي الحكومة:

“الآن بعد أن هيمن المتشددون على جميع فروع الحكومة ولا يشغل بالهم تقاسم السلطة مع القوى الأكثر تقدمية والمؤيدة للإصلاح، ستلوح في الأفق المزيد من الإجراءات القمعية ضد الحركات الاجتماعية والشباب والنشطاء والطلاب والنساء والأقليات العرقية وغيرها من المجتمعات الضعيفة الأخرى.”